وألفت الثورة بين قلوب المصريين‏/ نرمين كحيلة


كم أسعدنى خبر إفطار جماعى فى أول جمعة فى رمضان فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، فقد آتت الثورة أكلها وألفت بين قلوب المصريين، كان الخبر يقول شعب مصر صانع الثورة يجتمع مع بعضه فى أول جمعة فى شهر رمضان ونأكل مع بعض عيش وملح.. فرصة لمن لديه ليتشارك مع من ليس لديه ولكن على الخصوص لنشعر أننا كيان واحد.. فى الثورة كان التحرير وميادينك يا مصر بيتنا.

هيا بنا نسترجع هذا الإحساس مع بعض، هيا بنا نعلو فوق اختلافاتنا ونتذكر ثورتنا ومشوارنا الذى لابد أن نكمله فى أول جمعة فى رمضان ونُرِىَ العالم صورة مضيئة لشعبنا العظيم.

وأجمل ما فى الخبر هو دعوة للمشير طنطاوى بنفسه والفريق سامى عنان وكافة قيادات الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة للمشاركة فى الإفطار فى محاولة لإزالة الجدار الفاصل بين الحاكم والمحكوم فلنا أن نتخيل أنهم سيجلسون على الأرض مع الشعب، وفى الوقت نفسه دعوة لتنشيط السياحة – فى رسالة إلى الناس التى تعتقد أن الثورة أفسدتها - ودعوة أخرى لإخواننا المسيحيين للمشاركة فى هذا الإفطار، دعوة لكل شعوب الأرض بدلا من شرم الشيخ لنؤكد للعالم أجمع أن شعب مصر بجميع طوائفه عائلة وأسرة واحدة ولن يستطيع أحد أن يكسر جموع هذا الشعب العظيم.

وذكرنى ذلك برحلتى إلى المدينة المنورة فى المسجد النبوى فقد وجدت فتاة تقول لى: سفرة حاجة ؟! أى افطرى معنا على سفرتنا يا حاجة، ذهبت مع الفتاة حيث أجلستنى على الأرض وسط حشد هائل من شتى أجناس الأرض، وتأملت الوجوه من حولى فإذا بها مختلفة الألوان والأشكال فإلى يمينى سيدة ذات بشرة سوداء ترتدى ملابس سودانية وإلى يسارى سيدة بيضاء تبدو من تركيا وأمامى سيدة ترتدى سروالاً وفوقه جلبابًا قصيرًا وقد وضعت قرطًا فى أنفها، هذه السيدة وجدتها تمد يدها وتصافحنى بحرارة وهى تبتسم لى ابتسامة عريضة فتعجبت من أمرها هى لا تعرفنى ومع ذلك تصافحنى؟! ووجدتها تقبل من بجوارها وتحتضن من خلفها وتغنى أغانى بلغتها غير المفهومة لا يفهم منها إلا كلمة "محمد" فسألتها من أى البلاد أنتِ ؟ فقالت: باكستان واتضح أنها تنشد أناشيد فى مدح النبى صلى الله عليه وسلم باللغة الأردية.

وأخذ الناس يتعارفون فقالت لى سيدة على يمينى كلامًا لم أفهمه فسألتها: من أى البلاد أنتِ ؟ قالت باللغة الإنجليزية: أنا "جوهرة" من العراق فتعجبت لأمرها إذ كيف تكون عراقية ولا تعرف العربية وخمنت أنها ربما تكون كردية فالأكراد ليسوا عربًا والعراق به خمسة عناصر أو أجناس وتذكرت الآية الكريمة التى تقول "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا"، لقد تجلت عظمة الله وقدرته وحكمته أن يخلق الناس مختلفين فى اللغة والعادات والتقاليد ويكون كل شعب مختلف عن الآخر وكل قبيلة مختلفة عن الأخرى والهدف هو التعارف، كان مشهدًا عظيمًا يستحق صورة تذكارية فالكل يأكل فى وقت واحد ويصلى فى وقت واحد على اختلاف مشاربهم وبلادهم، سألت المشرفة على المائدة أو السفرة كما يسمونها: من أى البلاد أنتِ ؟ قالت: من "تشاد" لكنى أعيش هنا، ولا أعرف لماذا ذكرنى هذا المشهد بأهل الجنة وهم جالسين ويطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، وبعد عشر دقائق أذن المؤذن للصلاة فجمعت الموائد واصطف الناس لصلاة المغرب وما لاحظته هو روح الحب والأخوة فى الإسلام التى توحد قلوب المسلمين على اختلاف جنسياتهم وذكرنى ذلك بالآية التى تقول: "لو أنفقت ما فى الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم".

وقلت لنفسى: إنها معجزة ، كيف استطاع الإسلام أن يوحد الناس ويؤلف بين قلوبهم بهذا الشكل ويحب بعضنا بعضًا دون عصبية قبلية فقد ألغاها الإسلام وقال النبى الكريم: "دعوها فإنها منتنة"، كيف استطاع العرب الذين كانت تأخذهم النعرة العرقية والعنصرية وكانوا يكرهون غير العرب ويعتبرونهم أقل منهم قيمة وأن العربى هو خير أجناس الأرض كيف استطاعوا التخلص منها واستيعاب الأجناس الأخرى فى بلادهم بهذا الشكل ؟ لا شك أن هذه معجزة إلهية كنت أستمتع كل يوم بمشاهدتها وأقول سبحان من ألف بين قلوب الناس على اختلاف مشاربهم فالمسلمون من كل جنسيات العالم تأتى كل يوم لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يتقاسمون الطعام والشراب والجلوس والنوم والعبادة وكل شىء وأحسست أن هؤلاء الناس قد أتوا مدعوين على شرف محمد صلى الله عليه وسلم وكأنه المضيف صاحب البيت وهؤلاء زواره وقلت فى نفسى: ما أشد فرحتك يا رسول الله بأمتك!! خرجت طريدًا فى جنح الظلام وكم آذوك وعذبوك وحاولوا قتلك والقضاء على دينك وكان أتباعك قليلون ومعظهم من الجزيرة العربية أما الآن فقد أصبح أتباعك بالملايين أتوا إليك قاطعين المسافات الطويلة حبًا فيك وفى دينك، فقد نصرك الله وحبب فيك الناس فهم لا يبرحون مسجدك ليلاً أو نهارًا حتى حين تغلق أبواب المسجد ينتظرون على أعتابه حتى يؤذن لهم بالدخول، وقد أثر فىَّ ذلك المشهد كلما رأيته حتى اغرورقت عيناى بالدموع.. وقد وضع هو اللبنة الأولى لذلك حين اتخذ من أصحابه صهيب الرومى وبلال الحبشى وسلمان الفارسى.

CONVERSATION

0 comments: