تدعي الحكومة الإسرائيلية بكل وقاحةٍ وسفور أن شباناً عرباً من كل مكان قد انتهكوا سيادتها، واجتاحوا حدودها، وتسللوا إلى أرضها، وهددوا حياة سكانها، وعرضوا أمن الدولة العبرية للخطر، ما دفعها لاستخدام القوة لصدهم، والحيلولة دون دخولهم إلى بلادها، وتعريضهم حياة مواطنيها للخطر، بعد أن اجتاحوا الحدود، وقطعوا الأسلاك الشائكة، وداسوا بأقدامهم الأرض الملغمة، ولم يأبهوا بالجنود المدججين بالسلاح، الذين استعدوا لهذا اليوم وتأهبوا له، وأعدوا له ما استطاعوا من قوة لكسر إرادة العائدين، واحباط جهودهم، وإفشال مخططاتهم، وبعد أن قتلت قواتها برصاص جنودها الغادرين من على الجانب الآخر للحدود عشرات الشبان، أطلقت الحكومة الإسرائيلية العنان لأبواقها الإعلامية تحرض ضد العائدين ومن يقف وراءهم، ومن يسهل لهم الزحف نحو أرضهم، ومن يهيئ لهم الأسباب ليحققوا حلمهم، وبدأ وزير خارجيتهم أوسع حملة ضد الشبان العرب، الفلسطينين وغيرهم، ممن يحلمون بالعودة إلى فلسطين، مطالباً مجلس الأمن الدولي بإدانته محاولاتهم اجتياح حدود كيانهم، وداعياً دول العالم إلى الكف عن تأييدهم ومساندتهم، إذ أن هؤلاء الشبان يريدون العودة إلى بيوتهم المنهوبة، ومساكنهم المسروقة، وأرضهم المغتصبة، وهو أمرٌ يعني رحيل المستوطنين، ومغادرة المحتلين، وإعادة الأرض إلى أهلها، والحقوق إلى أصحابها، إنه يعني لديهم زوال كيانهم، وتفكيك دولتهم، وتبديد أحلامهم وأطماعهم.
لا ندري ما هي اللغة التي تستخدمها الخارجية الإسرائيلية ورئيسها أفيغودور ليبرمان في الإدعاء على الشعب الفلسطيني، واتهامه بأن شبابه قد انتهكوا سيادته، وانتقصوا كرامته، واجتاحوا أرضه، وتسللوا إلى بلادهم بطريقة غير شرعية، وبصورةٍ جماعية، وزحفٍ جماهيري، وبشكلٍ يهدد أمن كيانهم، ويعرضه للخطر، إنه لأمرٌ منكرٌ وغريب، كيف يفسرون للمجتمع الدولي سيادتهم على أرضٍ مغتصبة، وبيوتٍ محتلة، وكيف يبررون للعالم طردهم سكاناً من بيوتهم، واستيلاءهم على حقوقهم وممتلكاتهم، وقتلهم إذا حاولوا الدفاع عن حقوقهم، فالإسرائيليون لا أرض لهم حتى تكون لهم سيادة عليها، ولا حقوق لهم حتى يطالبوا المجتمع الدولي بحمايتهم، ولا تاريخ لهم في أرضنا، ولا أصول أو بقايا لهم في منطقتنا، فعن أي دولةٍ يتحدثون، وعن أي سيادة يدافعون، وعن أي حقٍ يثرثرون، فهل هناك حصانة لسارق، وحماية لمجرم، وضماناتٌ لمغتصبٍ قاتل، وما هو الأساس القانوني الذي يستندون عليه في الإدعاء والشكوى، فشكواهم باطلة شكلاً وموضوعاً، ولا يمكن لهيئةٍ منصفةٍ عادلة، ولا لمحكمةٍ عمادها العدل والإنصاف أن تقبل بها، أو أن تحركها لصالحهم.
وما هي الجريمة التي يقترفها أصحاب الحق وهم يدافعون عن حقهم، ويحاولون العودة إلى بيوتهم، وهم يرونها ماثلة أمام عيونهم، ومنتصبة أمام ناظريهم، تنقل الرياح عبقها، وتحمل السماء بعض ماءها، وتنساح منها نسائم ربيعية، وأصواتٌ عربية، فهذه الأرض لهم، وهذه السماء سماؤهم، وهذه الأحلام هي مستقبلهم، فهل يوجد في العالم الحر قانونٌ يمنع الإنسان من استعادة حقه المسلوب، وماله المنهوب، وهل يوجد قانونُ عدلٍ يجيز للسارق ما سرق، ويجعل له حصانة لا تخترق، وسيادةً لا تنتهك، ويلقي على السارق عباءته، ويحول دون المساس به أو الإعتداء عليه، إنه قانون الغاب ليس إلا، وهو قانون القوة الغاشم، والظلم المتمادي المتغطرس، إنه القانون الذي صنعه المعادون لأمتنا، والمناؤون لحقوقنا، الذين أغراهم ضعفنا، وشجعهم عجزنا، ودفعهم على وضع مكاييل الظلم مكان العدل، ومقاييس الباطل بديلاً عن الحق، فهل هناك جريمة موصوفة ومنصوصٌ عليها يعاقب عليها القانون بالموت، إذا أراد صاحب الشأن أن يعيد الحق إلى نصابه، وأن يستعيد معايير العدل والإنصاف، فشواهد التاريخ وسير الأمم كلها تقول بعدالة محاولات استعادة الحق المنهوب بكل الوسائل الممكنة.
وما هي الطريقة المشروعة التي تقصدها الخارجية الإسرائيلية والتي خالفها الفلسطينيون واتبعوا غيرها في محاولتهم العودة إلى وطنهم، فهل يوجد في قاموس الإسرائيليين طريقة مشروعة يجب على الفلسطينيين أن يطرقوها دون غيرها، وإن خالفوها يصبحوا مجرمين يستحقون القتل، ويتوجب التعامل معهم بكل حزمٍ وشدة، أم أنهم يريدون منا أن نتقدم لهم بطلب للحصول على تأشيرة والسماح لنا بزيارة بيوتنا وقرانا، وهل يسمحون لنا بالعيش في وطننا إن قررنا العودة إليه بطريقتهم، وما هي الوسيلة التي تقصدها الدبلوماسية الإسرائيلية وهي تهاجم أمام سفراء وقناصل الدول الأجنبية المعتمدة لديها، الطريقة التي لجأ إليها الفلسطينيون في محاولتهم العودة إلى بلادهم، والوصول إلى بيوتهم وبلداتهم، فهل أبقى الإسرائيليون لنا طريقة أخرى حتى نسلكها، وهل أثبتوا لنا أن المفاوضات والحوار سبيلاً يمكن طرقه، وطريقاً يمكن الاعتماد عليه والإيمان به، وأنه سيؤدي بنا إلى استعادتنا لحقوقنا وعودتنا إلى أرضنا، فالإسرائيليون قد أفسدوا كل المحاولات، وعطلوا كل السبل، ووضعوا العراقيل في كل الطرق، وقتلوا الأمل في نفوس بعض من كان يؤمن بالحوار والمفاوضات سبيلاً للتفاهم والسلام، بعد أن وضعوا أسساً وثوابت لمفاهيم السلام الذي يريدون.
الفلسطينيون لسوا ضعفاء حتى يستجدوا حقهم، ويتوسلوا الآخرين ليعيدوه لهم، ويمكنوهم منه، بل سيأخذون الحق بأيديهم، وسينتزعون النصر بسواعدهم، وسيعودون إلى الوطن بعزمهم ومضائهم، وصدق رجالهم وتضحيات أبنائهم، ولن تضرهم المساعي الإسرائيلية الشاكية، ولا جهودهم المحبطة، ولا جرائمهم المتكررة، ولا ألغامهم المزروعة، ورصاصهم الطائش الذي يوزع الموت في كل مكان، وقد علم الفلسطينيون يقيناً أنه لا وسيلة أفضل من المقاومة، وأبلغ منها في استعادة الحقوق، وتحرير البلاد، وإجبار العدو على النزول عند شروطه، والإقرار بحقه، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك عزيمة الفلسطينيين، وعدالة قضيتهم، واستعداهم للتضحية من أجلها، لأن أرضهم هي المغتصبة، وحقوقهم هي المسلوبة، وسيادتهم هي المنتهكة، وليس ما تدعيه الحكومة الإسرائيلية التي يصدق فيها المثل، "ضربني وبكى، وسبقني واشتكى"، فنحن العرب والفلسطينيين أصحاب السيادة والحصانة، وهم اللصوص السارقون لا حصانة ولا سيادة ولا حقوق لهم.
0 comments:
إرسال تعليق