يمکن النظر الى العلاقات السعودية ـ الايرانية، بأنها تمثل واحدة من أهم و أکثر المواضيع حساسية و أهمية من حيث تأثيراتها و تداعياتها المتباينة على مجمل الخط و المسار العام للأحداث في المنطقة، ولاغرو من أن هذا الموضوع له أيضا أهميته الاستثنائية لدى مختلف دوائر القرار في المنطقة و العالم وانه يکتسب أهميته من خلال المتابعة الدقيقة و المتزايدة للمجريات و التطورات الحاصلة بشأنها و دراسة إحتمالات تأثيرات ذلك على المعادلات السياسية و مستقبل المنطقة في ضوئها.
ولعل إلقاء نظرة متفحصة على کل من الدورين السعودي و الايراني خصوصا منذ التغيير الذي حصل في إيران في عام ١٩٧٩، والذي أعقب السقوط المدوي لنظام الشاه، تؤکد لنا بأن دور الجانبين آخذين في التوسع و الاضطراد وانهما يکتسبان رويدا رويدا أهمية إقليمية و دولية ليس من الهين جدا تجاهله او الاستهانة بها.
الدور السعودي، وخصوصا منذ اواسط العقد السابع و بدايات العقد الثامن من القرن الماضي، شهد صعودا و بروزا ملفتا للنظر بحيث شرع يأخذ حجما و يکتسب وزنا و أهمية استثنائية على مختلف الاصعدة، وان الدور الايجابي الذي لعبته المملکة العربية السعودية في تهدئة الاوضاع في لبنان بعد الحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها وكانت النتيجة اتفاق الطائف المشهور والمشكور، وکذلك الدور الکبير الذي لعبته على صعيد تنقية الاجواء العربية و تقوية العلاقات العربية ـ العربية و تعزيز التضامن العربي و درء المخاطر الدولية عن العرب و السعي لتعزيز العلاقات العربية ـ الدولية بمايخدم المصالح العليا للأمة العربية، وکذلك الدور الابرز للمملکة عند طرحها لمشروع الملك فهد عام ١٩٨٢، والخاص بإقامة سلام دائم و عادل في المنطقة و إنهاء الاحتلال الصهيوني الغاشم للأراضي العربية، کل هذا دفع لبروز الدور السعودي و جعله يحتل مرکزا و مکانة مرموقة في الصدارة بحيث باتت الرياض ملاذا و محطة دائمة الحرکة لمختلف الوفود العربية و الاقليمية و الاسلامية و الدولية مما أهلها لکي تحتل موقعا اقل مايقال عنه استراتيجي على مختلف الاصعدة. هذا الدور، الذي ساهم و يساهم في إستتباب الامن و الاستقرار في المنطقة و يحقق توازنا إيجابيا مفيدا و مثمرا لصالح العرب و المسلمين وکافة بلدان العالم الثالث، ليس هو دور وقتي او مرحلي وانما هو مبني على أسس راسخة و متينة و يمتلك أرضية و دعامات إقتصادية و اجتماعية و فکرية مما منحه ثباتا و قوة يؤهله لکي يبقى في الساحة کطرف استراتيجي مهم لايمکن تجاهله او التغاضي عن قوة و أهمية حضوره و تأثيره، والعامل الذي جعل الدور السعودي يکتسب مصداقية و ثقة کبيرة على مختلف الاصعدة، هو انه دور ذو أبعاد واضحة المعالم وله خطوطه و مبادئه و أبجدياته الاساسية في التعامل و التعاطي مع مختلف القضايا و الاحداث، مما أسبغ عليه طابعا من المبدأية السياسية ـ الفکرية و جعلت منه قطبا رئيسيا لتمثيل الامة العربية و الاسلامية.
الدور السعودي هذا، کان محط إهتمام و متابعة النظام الايراني الجديد الذي أعقب نظام الشاه، ولاسيما وان هذا النظام عقد العزم ومنذ الايام الاولى لقيامه، على اداء دور إقليمي يتجاوز و يغطي على کل الادوار الاخرى، خصوصا المتعلقة منها بالاسلام، وکان من البديهي أن يصطدم هذا النظام بالدور السعودي الواضح و يسعى بکل جهده وامکانيته لکي ينتزع منه مکانته و موقعه المتميزين و يدفعه الى الانزواء طمعا في إستغلال تلك المکانة لفرض إملاءات جديدة للنظام الايراني الجديد يؤهله کي يکون اللاعب الاساسي في المنطقة، وقد کان واضحا ومنذ الاعوام الاولى من عمر هذا النظام انه ولکي يمرر مشروعه(السياسي ـ الفکري)من خلال نظام ولاية الفقيه لابد له من ضخ مبدأ"تصدير الثورة وتصدير الدعوة"إلى بلدان المنطقة الاخرى خصوصا العربية منها والمملکة العربية السعودية على رأسها، وهو في واقع الامر لم يکن تصدير ثورة وانما تصدير فوضى و عدم استقرار و العبث بأمن المنطقة من أجل تهيأة الاسباب و الارضية اللازمة لجعل هذا النظام الاقوى و الاعلى کعبا و نفوذا في المنطقة حتى يکون بوسعه مقايضة مکانته هذه مع الغرب و السماح له بأن يکون "شاها معمما"، بإمکانه أن يکون الشرطي"الخاص" الجديد للمنطقة وان يرعى المصالح المشترکة للجانبين على حد سواء. وقد کان جليا ان الدور الايراني ومنذ غلق السفارة الاسرائيلية في طهران و إحتلال السفارة الامريکية فيها و المساس بشعيرة الحج من خلال إرسال زمر مدربة من أجل الاخلال بأمن و ثبات المملکة من جهة و التأثير السلبي على الشعيرة نفسها من جهة ثانية،ولا ننسى الدعوات المشبوهة لسكان المنطقة الشرقية والدعوة بأن إيران هي دولتهم الوحيدة وعليهم الانفصال وتشكيل مع البحرين دولة خاصة لهم وحتى اليوم هذه الدعوات مازالت موجودة, کل ذلك و سياسات أخرى من هذا القبيل مزجت بين الاخضر و اليابس، القبح و الجمال، الحق و الباطل، کان طبيعيا أن تضفي مساحة کبيرة من الغموض و الضبابية على الدور الايراني بعد الشاه و ترسم علامة استفهام کبرى في الذهن العربي و الاسلامي، لکن، ومنذ الايام الاولى لإستقرار النظام الايراني، سعت المملکة العربية السعودية الى إتباع نهج ثابت و واضح من النظام تجلت في إتباع سياسة غلبت عليها الحکمة و توشحت بمنطق عقلاني رشيد ولم تنساق او تنفعل للتصرفات الصبيانية للحجيج السياسيين المرسلين من طهران أجل غاية لاعلاقة لها بالدين الاسلامي، وقد کان واضحا ان المملکة العربية السعودية ستلقى تفهما و إدراکا عربيا و اسلاميا لموقفها الاسلامي المبدئي من تصرفات نظام ولاية الفقيه ولأجل ذلك، فإن ملالي طهران و قم لم يکن بإمکانهم الاستمرار في نهجهم السقيم المشوه هذا وانما طفقوا يرسمون سياسات جديدة تتسم بخبث غريب من نوعه من خلال تشکيل خلايا إرهابية و إجرامية داخل بلدان المنطقة"ومن ضمنها المملکة ذاتها" وكذلك من خلال حث ودعم وتوجيه جماعة من الحوثيين للهجوم على أرض الوحي والرسالة، وهي سياسة کان من شأنها أن تبعث على القلق و التوجس العربيين من النوايا الايرانية وعلى الرغم من أن الاجهزة الامنية العربية لم تأل جهدا في مطاردة و کشف هذه الخلايا الضالة المضلة العميلة، لکن و بنائا على تحليلات و تفسيرات و دراسات العديد من المحللين و المراقبين السياسيين و دوائر استخبارية، فإن الخلايا الارهابية النائمة في بعض من البلدان العربية المهمة و الحساسة سيما الخليجية منها وعلى رأسها المملکة العربية السعودية، مازالت تمثل تهديدا جديا قائما و هي بمثابة ورقة من الممکن جدا أن يحتفظ بها النظام الايراني الى الوقت المناسب.
إننا کمرجعية إسلامية للشيعة العرب، نرى أن نظام ولاية الفقيه الإيراني الذي يؤکد دوما بأنه ليس هنالك خلايا نائمة وان الأمر ليس سوى مؤامرة(أمريکية ـ صهيونية)موجهة ضده، لا يبدو أن إدعائه"النظري" هذا بامکانه نزع الشك"العملي"من الذهن العربي حيال ذلك، وان دعوته البلدان العربية و على رأسها المملکة العربية السعودية للتعاون المثمر معه من أجل بناء علاقات على مختلف الأصعدة تخدم آمال و تطلعات شعوب المنطقة، هي دعوة غير جدية و تفتقر للمصداقية المطلوبة خصوصا من ناحية عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والذي يبدو أن لنظام الملالي باع مشهود به على المستويين الإقليمي و الدولي وإننا ندعوه إن کان جادا حقا في نواياه هذه بأن يکف يده عن دول المنطقة و يتخلى عن سياسة غسل أدمغة الشيعة العرب وبعض السنة! بمنطقه الخبيث من أجل نواياه التخريبية الخاصة وان يکون هناك وضوح و شفافية للخط العام لسياسته المتبعة حيال العرب وان يزيل ذلك الغموض و تلك الضبابية التي تغطي سياقاتها المختلفة ومن دون ذلك، فإن الکلام عن علاقات إيرانية ـ سعودية بناءة و حقيقة مثمرة تصب في مصلحة شعبي البلدين و شعوب المنطقة، هو کلام لا طائل من ورائه,لذا لابد من موقف واضح صريح تجاه نظام ولاية الفقيه يقضي بسد الباب الذي يأتين منه الريح.
والله من وراء القصد عليم.
*المرجع السياسي للشيعة العرب.
0 comments:
إرسال تعليق