هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات؟؟/ عطا مناع

مع كل الاعتذار للحملة التضامنية مع القائد الفلسطيني الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات وكل محبي هذا القائد الذي خرج علينا في زمن نصب المقصلة للوطنيين الفلسطينيين الذين وقفوا في وجه العاصفة، ومع كل للجهود الجبارة التي عقدت العزم على رفع الصوت في زمن الصمت الفلسطيني الذي يتحمل المسئولية الكاملة لكل ما جرى ويجري لقادة العمل الوطني الفلسطيني وعلى رأسهم احمد سعدات الذي يدفع ثمن ضعفنا وهزيمتنا الداخلية وبدون استثناء سوى الذين لم يتقاعسوا يوماً عن طرح الحقيقة كل الحقيقة في مرحلة غيبت فيها الحقيقة التي يراها الشعب كل الشعب سوى القلة التي ارتهنت لمصالحها.
أنه اللجام الذي يقيدنا ليحولنا إلى مجرد كورس في لعبة صندوق العجب الفلسطيني، لدرجة إننا ارتضينا لأنفسنا أن ننسى البداية والنهاية ونسلم بالأمر الواقع رغم إدراكنا الأكيد أن ما تعرض ويتعرض له احمد سعدات يعكس ملهاة فلسطينية زجت به إلى المجهول دون أن يرف لهم جفن سوى بعض الحركات البهلوانية التي تابعها الشعب الفلسطيني يوم حجزه في مقاطعة رام الله مع رفاقه ، وبعدها نقلة إلى سجن أريحا ضمن صفقة فلسطينية أمريكية إسرائيلية بحراسة أمريكية بريطانية لتكتمل الدائرة بانسحاب الحراس الأمريكيين والبريطانيين وهدم سجن أريحا على رؤوس من فيه لنرى احمد سعدات في قبضة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يومها تابعنا بعادية اقتراب الجرافة من الجدار الأخير والقائد الأخير، كنا نستمع إلى صوت احمد سعدات الذي جاءنا عبر الفضائيات، كان الرجل صلباً ممسكاً بزمام الأمور، وكنا نحن والفضائيات ننتظر لحظة الخلاص لنسجل بطلا أخر نعزي به ضعفنا وخيانتنا له، لذلك جاءت الأسئلة واضحة محرضة للصامدون خلف الجدار بالمقاومة حتى الموت رغم أنهم لا يملكون سوى عزمهم على الصمود وكتبة سطراً جديداً في التاريخ الفلسطيني وللأجيال القادمة التي ستقرأ يوماً الحكاية التي تقول أن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وقف في وجه العاصفة ولقن العالم ومن ساوموا عليه درساً سيفهمونه ولو بعد حين.
هي مرحلة لا زالت رائحتها تنبعث رغم حالة الهروب من الحتمية التي قادوا الرجل لها، حتمية عرفوها كلهم وظلوا صامتين على المأساة التي عاشها الرجل لتتوج بزجه في العزل الانفرادي وإخضاعه للموت البطيء دون أن يحرك الشعب والقيادة ساكنا سوى بعض الأصوات المكبوتة عن بعض رفاقه الذين أدركوا أكثر من غيرهم اقتراب الخطر من الأمين العام الذي تجاوز أل 500 في زنزانة الموت البطيء مما يدفعنا لدق جدران الخزان والعمل على استمرارية الحملة لتأخذ البعد الجماهيري وفرض أجندتها على القوى الوطنية الفلسطينية والعربية والاستيعاض عن شعار التضامن بشعار الإنقاذ، لان الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين يتعرض لخطر التصفية الجسدية وليس للعزل فقط، هذا العزل الذي يشكل مقدمة للتصفية التي نقترب منها كل يوم.
أن اقتصار حملة التضامن مع الأمين العام احمد سعدات على رفاقه أو بعض رفاقه ومحبيه يعطي إشارات مخيفة سنلمس تداعياتها على المدى القريب، فدولة الاحتلال فالأمن الإسرائيلي يتابع ويراقب الفعاليات التضامنية في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والشتات، ويخضع هذه الفعاليات للدراسة والتحليل، فالأمين العام للجبهة الشعبية ليست بالشخصية العابرة بالنسبة للشاباك الإسرائيلي، فهو الذي حطم نظرية الآمن الإسرائيلي عندما قال الرأس بالرأس رداً على اغتيال أبو علي مصطفى الأمين العام السابق، مما أدى إلى بعثر الأوراق الأمنية لدي الشاباك الإسرائيلي واسقط الكثير وأسس لثقافة جديدة على الساحة الفلسطينية قد تكون عملية اسر الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط إحدى أوجهها.
أن ما يتعرض له الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليس طارئا، إنها الحرب على ثقافة المقاومة وبتحديد أكثر ثقافة الرأس بالرأس التي أطلقها احمد سعدات عندما انتخب أمينا عادا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعروف تاريخيا لدى الأمن الإسرائيلي، فاحمد سعدات الرجل الهادئ قضى جل سنوات عمرة في الاختفاء، وهو الرجل الذي حطم الجليد الذي يغلف ثقافتنا في زمن الهبوط والرحيل عن الوطن، هم يعرفون أن سعدات ليس رجل هذا الزمان، وهذا الزمان ليس لسعدات، وهم يدركون الخطر الذي يمثله سعدات حتى وهو في زنزانته.
لقد قال سعدات كلمته ومضى، وكان يدرك تماما حجم الاستحقاق وثقل الصخرة التي ستلازمه بقية حياته، فهو الرجل الذي وقف على رأس المدرسة الايثارية والتضحوية، وكأنه أراد أن يقول لقتلة أبو علي مصطفي ومن اثروا الصمت وعقد الصفقات أنا الرجل الذي حملت هموم المسحوقين على كتفي وخرجت من عريني لأكتب تاريخكم بوجعي، كأنة أراد أن يقول لنا انظروا في وجهي وامنعوا يا أيها العمى الصامتون، وانظروا واستبشروا الحتمية فانا احمل في قلبي الحكيم ووديع وغسان وأبو علي مصطفي، هذا الإرث المنبعث من تحت الرماد الذي يرفض ثقافة موت الثقافة والتنكر لأبجدية التبشير بالهدف.
قد تتداخل الكلمات ما بين السياسي والفكري والأيدلوجي، وقد نفقد ناصية الفكرة ونحن في حضرة الأمين العام، فهذا مقبول ومشروع، لأننا ليس أمام رجل عابر، ولا نمارس النرجسية الفكرية، نحن أمام الحقيقة الوحيدة في زمننا الصعب، حقيقة أن القائد الفلسطيني احمد سعدات وبرغم الإسقاطات الداخلية المخجلة يتصدر المشهد ويطغى على الحضور، وان القائد احمد سعدات يذكرنا بعرينا وانغماسنا في الرذيلة إلى أنوفنا، وهذا مكمن الخطر عندما نحاول أن الولوج إلى حقائق الأمور، فنصفنا يريد يرى سعدات بطلاً ولكن تحت الأرض، وما تبقى منا يرى أن يتخلص من العار الذي الحق سعدات به، فحقيقة أنهم رموا سعدات مقيداً في العزل ستلاحقهم دون هوادة.
لكن الحقيقة المرعبة رأيتها عندما دعيت لحضور فعالية تضامنية مع احمد سعدات في مخيم الدهيشة وبالتحديد في قاعة اكبر مؤسسة في المخيم، لا أريد أن أقول الأعرق لان الأعرق كانت عبارة عن غرفة وكالة نشطت فيها لجان المخيم في زمن العز والزمن الصعب، كانت الفعالية تتمثل بعرض فيلم عن القائد سعدات، وللأسف كان الحضور إضافة إلينا نحن الصحفيين لا يتجاوز أصابع اليد، هذا المشهد ألقى بظلاله على الحضور الذين التزموا الصمت ومتابعة النشاط التضامني إلى نهايته دون أن يطرحوا التساؤلات عن السبب بعيداً عن النتيجة.
لقد نادت صحيفة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي قادها الشهيد غسان كنفاني بشعار الحقيقة كل الحقيقة للجماهير،وبلا شك فان طرح الحقيقة للشعب الفلسطيني هي مهمة الحملة التضامنية ومن يقف على رأس الحملة التضامنية مع احمد سعدات، وخاصة أن الرجل في خطر، علينا أن نوى هذه الحقيقة التي لا نستطيع أن نختفي وراء أصابعنا لعدم مشاهدتها.
احمد سعدات في خطر، والمهتمون بأحمد سعدات يعرفون ذلك تمام المعرفة، ومن واجبهم وحق الشعب الفلسطيني عليهم أن يضعوا كل الأوراق بين يدي الناس، لا أن ينظروا اللحظة، فمن غير المعقول الانسياق وراء مقولة أن سعدات في العزل كعقاب، العزل بداية الاغتيال، والحكم على أبو غسان لم يكن 35 عاماً، لقد حكموا على الأمين العام عندما نادى بثقافة الرأس بالرأس التي أسقطت الورقة وأظهرت العري الحقيقي لمرحلة وصمت بالهبوط.
السؤال المزعج، هل هي حملة الوداع لأحمد سعدات، أميل عاطفيا لعدم التعاطي مع هذه الفكرة، لكن الوقائع الميدانية المحسوسة تؤكد أن الحملة ليس شاملة، ليس لتقصير من الذين يقفون على رأسها، وإنما هي إدارة الظهر من الذين يتربعون على المشهد الفلسطيني ويتحكمون بالبلاد ورقاب العباد.

CONVERSATION

0 comments: