"اشتغلوا.. وما حدش ح يتعرض لكو"، أمر السادات قيادات الإخوان. "لم تكن هناك صفقة كما أشاع خصوم الحركة"، يقول عبدالمنعم أبوالفتوح في كتابه (شاهد علي تاريخ الحركة الإسلامية).
السادات حدّد بوصلته الحقيقية: 99% من أوراق اللعبة أمريكية، ويُريد داعمًا داخليًا لتحوله، فاقترح محمد عثمان إسماعيل "إطلاق الإخوان على".. التيارات الوطنية بالجامعة وبالتبعية في الفضاء السياسي العام. تم الاتفاق، المشكلة أنه لم يكن للإخوان كوادر مؤثرة بالجامعة.. فكان "الاستجلاب" من فصيل ليس بعيدًا عنهم.
في بنية جماعة البنّا لا تصل لدرجة "الأخ" قبل أن تمر بتراتبية المُحب ثم المؤيد ثم المنتسب.. إلخ، قفز المُستجلبون إلى "الأخ" مباشرة، لتظل القيادات التاريخية تعتبرهم غرباء حتى الآن، رغم دورهم في تنفيذ صفقة ضرب التيارات الوطنية تحت حماية السادات، فخلال سنوات سيطروا على اتحادات الطلبة بكل الجمهورية، ليصبح حمدين صباحي آخر رئيس اتحاد طلاب مستقل عرفته جامعاتنا.
أبوالعلا ماضي، الآتي من الجماعة الإسلامية للإخوان كما أبوالفتوح، يروي كيف اعترض السادات على رئاسته لاتحاد طلاب الجمهورية عام 1978 بعد فوزه برئاسة اتحاد جامعة المنيا، ثم الاتفاق على محمود طلعت الدُقش المُتعاطف مع الإخوان رئيساً وأبوالعلا نائبه الأول. في العام السابق مباشرة كان أبوالفتوح رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، خليفة لصباحي الذي كان، أيضاً، نائباً لرئيس اتحاد الجمهورية.
الثابت تاريخياً أن البنّاوية والسادات عقدوا صفقة تحمي العهد الأمريكي من التيارات الوطنية، ناصريين وشيوعيين ومستقلين. لذا تدهشك "جرأة" الإخوان على المعلوم يقيناً من تاريخهم.. ومازال شهود العيان عليه أحياء. مع نفي أبوالفتوح في كتابه الصادر عن دار الشروق للصفقة، يتفاخر بما أسماه "مواجهة السادات"، رغم أن من يسمعها، على اليوتيوب، سيجدها تؤكد الصفقة ودورهم، شباباً وشيوخاً.. مؤسسين ومُستجلبين، في ضرب مُعارضي الأوراق الأمريكية.
التوقيت: أسبوع واحد بعد انتفاضة 17 و18 يناير 1977، التي وصفها السادات بـ"انتفاضة حرامية". الحدث: لقاء السادات بالقيادات الطلابية. يتفق معه أبوالفتوح.. "أؤيد حضرتك تماماً" في أن الطلبة المشاركين بالمظاهرات "شرذمة في منتهى الوقاحة ومجموعة شيوعيين"، بين الشرذمة كان الزميل جمال فهمي "الهارب" من الاعتقال. في كلمته، بدا أبوالفتوح كـ"سِن في تِرس" يشكو تغييب زعيم فريقه المُكلف بدور "الضارب" في لعبة "دولة العلم والإيمان".. للتغطية على تحولات الثورة المُضادة. فـ"وقاحة" الطلبة، وفق الناشط الإخواني، تتحملها الدولة والإعلام "إللي بيربي شيوعي وزنديق وعبدة بقر". لم يكن مهموماً بالمعتقلين ولا بالمطاردين من زملائه، كان كل همه "شيخه في اللعبة".. محمد الغزالي، مُكفر نجيب محفوظ وواصف صلاح جاهين بـ"عدو الله"، من الخطابة.. لاتهامه بالترويج للفتنة الطائفية.
في ذات اللقاء، تجده أيضاً على اليوتيوب، ستسمع "مواجهة" حمدين للسادات. وعي وندية قيادي مختلف مع النظام، وخطاب وطني عام برؤية متكاملة تنتقد "الانفتاح الطُفيلي" ووقف خطوات التنمية وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتهديد الثوابت القومية لمصر كدولة قاطرة للعرب.
الفرق بينهما شرحه المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي في كتابه (فكرة الإفريقية الآسيوية) 1956، مُثمناًً "إفلات الثورة المصرية مما أراد الغرب سجن العالم الإسلامي فيه، باستدراجه للتركيز على قضايا جانبية وإدارة ظهره للقضايا الأساسية، ليعطّل تطوره"، مُشدّداً على أنّ "الإخوان" لم يتحرّروا من "الاستدراج"، وظلوا بعيدين عن قضايا المسلمين الكبرى.
هذا دورهم التاريخي، مع الاحتلال وضد ثورة يوليو، مع الثورة المُضادة وضد الحراك الأخير. فرغم إقراره بأن الخلاف بين ناصر والإخوان كان سياسياً لا دينياً، يردد أبوالفتوح في مذكراته نفس خطاب "الاستدراج/ الإلهاء" متحدثاً عن "الرجوع والعودة للدين"، وكأن مصر كانت كافرة.. أو أن تطويرها في عهد ناصر ليس هو جوهر الدين الحنيف.. لخلافة الله في أرضه. يعترف، بعفوية، كيف حوّلوا اتحاد الطلبة إلى أداة لنشر مُخدر الإلهاء الإخواني، فمع سيطرتهم منذ 1973 على اتحادات الكليات ثم الجامعات "تضاعفت قدرتنا مع ميزانية الاتحاد الكبيرة.. يسرت لنا نشر الحجاب، وإصدار نشرات وكتيبات، منها رسالة المؤتمر الخامس لحسن البنا وكتب سيد قطب والمودودي وناصر الدين الألباني". يروي كيف سيطروا على كل اللجان بما فيها لجنة الفن بـ"أخ لم يخرج من بلدته الريفية"، فالفن فجور يجب القضاء عليه بالتكبير أو بالجنزير، مُقراً بأن "السلطة الحقيقية في يد أمير الجماعة".. لا رئيس الاتحاد. هكذا، دمروا كل الأنشطة الحقيقية بقاطرة المجتمع.. لصالح الاستدراج.
يتوقف كتاب أبوالفتوح عند عام 1984، لكن الناشط الذي أصبح قيادياً لم يغادر خندق الإلهاء.. ولا دائرة الصفقات. مع الحراك الأخير وقّع القيادي الإخواني على بيان كفاية وتعهد بالتحرك معها.. فرداًً وجماعة، لكنه تخلف عن كل تحركاتها، وعن كل تعهداته مع الحركة التي ضمت حينها كل الطيف السياسي، أبسطها.. تهربه من فتح دار الحكمة لمظاهرة مسرح فيصل ندا بحجة أنه في الخارج. وذروتها عقد جماعته، وهو عضو مكتب إرشادها، صفقة أمنية تضمن كتلة مقاعد في انتخابات 2005.. بينما المتظاهرون يسحلون في الشارع. وبعدها.. هجومه على إضراب 6 أبريل و"تحقيره" المشاركين فيه، ليصدم من ظنوا أنه "مختلف" عن باقي الجماعة.. كالزميلة نجلاء بدير.
ليس "مختلفاً".. هو "أنعم" وجوههم.. في السبعينيات والآن، فالإخوان ملة واحدة.. الفرق، فقط، في لون الجلد.
قرأنا "تلوّينة" شاهد من أهلهم.. لننتظر شهادات أهل مصر.
العربي القاهرية
0 comments:
إرسال تعليق