من يجرؤ على الكلام بعد لقاء الجواسيس والدراويش؟ (تنويه وبيان)/ د. أحمد محمد المزعنن


(اقتباسًا من بول فندلي)

أولاً: تنويه وبيان:
لم تنشر المواقع التي أرسل لها كتاباتي هذه الدراسة ، باستثناء موقع الغربة ،وربما كان ذلك لأنها تضمنت الكثير مما تعتبره تلك المواقع تحاملاً شخصيًا، أو ربما لأن فيها ما تعتبره تناقضًا مع خطها الأيديولوجي ، وأنا أترف تمامًا بذلك ، والسبب يكمن في كون الشخصيات التي وجهت إليه الأسئلة وكثيرًا من العبارات الصادمة ليست ملك نفسها ،بل هي جزء أصيل في المسار التاريخي للوطن السليب ،وكل حركة او سكنة أو تصريح أو تلميح أو إجراء يقومون به محسوب عليهم ،فهذا ثمن أنهم شخصيات عامة ليست ملك أنفسها أو عائلاتها أو حركاتها السياسية أو الجهادية ،ولا علاقة لذلك أبدًا للتقدير الذي نكنه لهم ،ولمكانتهم في نفوسنا، والاحترام الذي نشعر به تجاههم ؛لأنهم تصدروا حركة المقاومة ،وتصدوا لمشاريع التصفية ، وضحوا بوقتهم وسنوات عمرهم ،وبذلوا حياتهم في سبيل بقاء الوطن العزيز فكرة طاهرة مقدسة موحية بالشرف والكرامة والانتماء والتوحد مع الشعب المجاهد النبيل .

لقد طلب مني ولدي إعادة صياغة الدراسة ،وعبر عن انزعاجه الشديد لما اعتبره مهينًا لبعض الرموز ، وأنا أنزل عند طلبه ، وأعيد صياغتها بطريقة موضوعية والتزامٍ بالمنهج المعرفي الذي جعلته طريقًا لنشر الثقافة الدينية والوطنية والقومية والإنسانية المتعالية عن الإسفاف والضحالة.



مصطلح الجواسيس :نود التنويه إلى أن مصطلح جواسيس قد التصق بفريق أوسلو المشؤومة،ضمن إطار التوصيف الإبستمولوجي في هذه المرحلة الخطرة من مراحل تصفية القضية الفلسطينية،ولا يجد محمود رضا عباس مرزا وفريقه غضاضة في قبول هذا اللقب، لأنه بالنسبة لهم وحسب منطقهم لا يهمهم كثيرًا لأنهم أصحاب مشروع سياسي شامل لتصفية القضية الفلسطينية ، ومحمود عباس نفسه قال في إحدى المناسبات :إنهم يسموننا جواسيس ،ونحن نقول بأن (المفاوضات في إطار عملية السلام تحتاج إلى الاتصال باليهود،وليطلقوا علينا يشاؤون!) هكذا .

مصطلح الدراويش : طرح نفسه بالقوة على الواقع المعرفي لتلك المرحلة ،والدرويش إنسان بدهي يدعي أنه ذو علاقة اتصال فائقة ،وأن له القدرة على استحضار حالات تجلٍ روحية ، وربما جاء ببعض الأمور غير المألوفة ، فيكتسب مهابة ونوعًا من القوة التي يسيطر بها على الناس العاديين ويتوصل إلى ما يقيم به حياته ،فيكفيه الآخرون مؤونة الانشغالبطلب الرزق ، وبعضهم يتعمد أن يظهر بزي يكسبه مهابة ،وغالبًا ما تلتقص قوة الدرويش بفكرة الدين وعقائده وشعائره.

وفي رأينا أن أي ادعاء لاستخدام الدين في فرض نوعٍ من السيطرة الفردية والمجتمعية تنكر بها بعض القوى الآخرين ،ويتحول التوظيف الموضوعي الجهادي لعقائد الإسلام السمحة إلى الانحياز ضد الذات ، والعمل ضد المصالح الشرعية التي اتخذته تلك القوى ذريعة للخوض في عالم السياسة المادية بأساليب مكيافيللية إنما هو نوع من الدروشة ،وليست الصفة حينئذ صفة قدح أو ذم ،وإنما هي توصيف موضوعي لظاهرة سلوكية شاذة وقع في تشخيصها رئي سالمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس الناطق السياسي الأستاذ أبو الوليد خالد مشعل ، والدكتور رمضان عبد الله شلح ، ولأسباب لا تزال مجهولة بالنسبة لي على الأقل ،لأنهم عندما سئلوا عن ضغوط سورية تمارس ضدهم لمغادرة دمشق نفوا ذلك نفيًا قاطعًا ،ومن هنا فلا يزال الانجراف نحو جواسيس أوسلو الفاسدين المفسدين الإفساديين ، وهم عليه ما عليه من الخيانة والعمالة المكشوفة والسقوط وانعدام الأهلية العقلية والوطنية والأخلاقية ،نقول إن ذلك ليس دروشة فحسب ،بل هو ائتفاك وانقلاب وفساد ومصيبة ما فوقها مصيبة ،وكارثة ما بعدها كارثة وهي الطامة والقارعة .

وأوجه السؤال إلى قادة المنظمات التي كانت ترفض الدخول في مشروع أوسلو التصفوي الخياني : إن من حق الشعب عليكم أن توضحوا له ماذا حدث حتى أقدمتم على هذا الفعل غير المسبوق ؟ هل هو انجراف حركة الإخوان المسلمين في مصر نحو العمل السياسي ،وتكوين تحالفات لها مع الأنظمة ؟أم أن إخوان التنظيم الدولي رفعوا الغطاء عن حماس ؟ أم أن الجهاد الإسلامي فقد سنده الإيراني ؟ أم ماذا ؟ ماذاحدث ؟





ثانيًا : قراءة لقطعة من التاريخ المعاصر



من المُسَلَّم به المستفادِ من مراجعة مجريات التجارب النضالية والتاريخية للشعوب والأمم في مواجهة موجات الظلم والعدوان، وفي محاولة لتفسير بعض عمليات حل النزاعات بين الجماعات البشرية ، أن من الصعب إخضاع تلك العمليات الإنسانية الشائكة والمعقدة للمعادلات الرياضية كما في المنطق الوضعي الذي أرسى قواعده الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1872م – 1970م) وتلاميذ مدرسته من علماء جيله ، ومن أبرز رموزه العرب الدكتور زكي نجيب محمود (1905م -1993 م) في مصر، ولا هي تستجيب للحتميتات العقلية الصارمة للقوانين الطبيعية في حقول الفيزياء والكيمياء والأحياء والميادين الواسعة التي اقتحمها علم الفضاء ، ولا هي مطواعة لشروط القضايا المنطقية وتفاصيلها كما هو معروف في المنطق الشكلي المعروف بالمنطق الأرسطي ، نسبة إلى واضع أسسه الفيلسوف الإغريقي أرسطو (أرسطوطاليس)(384 ق م – 322 ق م).ولا هي قابلة بداهة للاستجابة الفورية لمنطق الأماني والعواطف والشعر والفن بكل أنواعه مهما بلغت جزالة الشعر ،وتراكمت موجات العواطف ،وتنوعت صنوف الفنون التي ظهرت من خلال مراحل الصراع.

وعلى الرغم من كل ذلك فقد حاول الكثير من الباحثين وضع نظريات يزعمون أنها تستند إلى مؤشرات وأدلة واقعية وتجريبية (إمبيريقية) ،وذات طبيعة حسية تجريبية ملموسة Tangible في منطلقاتها وأدوات التحليل التي استعملتها ، والنتائج التي توصلت إليها ، ويجمعها كلها مدخل علمي كبير في العلوم السياسية يعرف اختصارًا بمدخل IR Approachأو مدخل نظرية العلاقات الدولية International Relations Theory ، وقد جربت الولايات المتحدة والدول الغربية تطبيق فرضيات ونتائج الكثير من تلك النظريات على أكثر من قضية صراع إقليمة بعد الحرب العالمية الثانية وأشهرها حرب فييتنام ، وهي المرحلة الخصبة التي أشعلت فيها الإمبريالية الأمريكية المتحالفة مع الصهيونية نيران النزاعات الإقليمية ؛ بهدف إضعاف أطراف الصراع والتسلل لبسط سيطرتها ونفوذها ، وبناء أنظمة تابعة لها في معظم بلاد العالم الثالث الذي حاول إقامته كحقيقة شاخصة روادُه الثلاثة القادة العظام (الزعيم الخالد جمال عبد الناصر حسين المري العربي (1918 م – 1970م) موحد الأمة العربية وقائدها وزعيمها وباعث شعورها بذاتها ،ومفجر حركة تحررها، وجواهر لال نهرو (1889م – 1964م)في الهند تلميذ المهاتما غاندا محرر القارة الهندية من السيطرة البريطانية ، وجوزيف بروز تيتيو (1892م – 1980م) مؤسس الاتحاد اليوغسلافي الذي أوجد الديموقراطيات القومية الشعبية لتمييزها واستقلالها عن الفكر والتطبيق الشيوعيين ) وليصبح هذا العالم الثالث قوة ثالثة بين الكتلتين الشرقية السوفييتية الماركسية التي كانت تدّعي الوقوف إلى جانب الشعوب المستعمرة ، وتساعد ثورات التحرر من الاستعمار الغربي بنزعته وفلسفته الرأسمالية الإمبريالية الاستغلالية ، وتعمل بذلك على حفظ السلام العالمي ، وتعيد تثبيت نظرية التوازن في العلاقات الدولية لتحقيق الأمن الإستراتيجي للأمم ، فجيّرته الولايات المتحدة بعد اغتيال عبد الناصر ، ووفاة تيتو ونهرو وقتل ابنته وريثته في الحكم ، وتفكيك الاتحاد اليوغسلافي وتفتيت بلدانهم ، وباستخدام الأنظمة التابعة العميلة الأجيرة التي كانت بمثابة أدوات للتسلط والقمع والطغيان والعمل لحسابها ، وتحولت أمريكا المتصهينة بذلك إلى قوة عظمى وحيدة عمياء بكماء صماء بلا قلب ولا روح ولا بصيرة ، وذلك بعد أن نجحت عالمة الاجتماع اليهودية زوجة آخر رئيس سوفييتي (ميخائل جورباتشوف) في مؤامرة تفكيك الاتحاد السوفييتي ووراثة تراثه وطاقاته من قبل عصابات المافيا اليهودية في الإعلام وجرائم الاحتيال في عصر العولمة ، وقد ماتت رايسا فجأة في السابعة والستين من عمرها ، ولم يعد أحد يذكرها بحقيقة دورها ، حتى زوجها الذي أفلح مع وزير خارجيتة الجورجي شيفرنادزه في تحقيق استقلال بلديهما جورجيا والابتعاد بها عن سندها الحقيقي وبيئتها الطبيعية المتمثل في جارها الاتحاد الروسي السابق ومناطق نفوذه في القوقاز وآسيا الوسطى التي تشكل حاليًا تحالف الدول المستقلة بزعامة روسيا الأرثوذكسية البوتينية.

ورغم ذلك كله فقد نجحت تلك الجهود في حل الكثير من النزاعات وفق مدخل نظرية العلاقات الدولية ، وأنصع الأمثلة على ذلك كانت نهاية حرب فيتنام ، ثم قضية كوسوفو ، والصراعات في شبه القارة الهندية ، وقضية تيمور الشرقية ، وغيرها من المواقع ، ولا ننسى ذكر الدور الذي قامت به دول حلف شمال الأطلسي الذي تخفى وراء الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من التنظيمات . وكان دور عنصر القوة حاضرًا في كل بؤر الصراع والتوتر التي جرى التعامل معها ، وفكفكتها أو حلها حلاً مؤقتًا أو دائمًا ، أو ضبط المتغيرات التي من شأنها تفجيرالأوضاع في تلك المنطقة أو تلك .



ثالثًا : فلسطين حالة خاصة

طردًا للمنهج العلمي في التحليل نقرر أن فلسطين حالة خاصة لا تنطبق عليها جميع نظريات حل الصراعات الدولية التي جربتها القوى الدولية ، ، والسبب بسيط جدًا هو أن ما جرى ويجري وسوف يجري على أرضها ،وعلى أرض جاراتها ليست مراحل صراع يمكن أن يخضع لمقولات وفرضيات ومناهج علم السياسة ، بل هو عملية يهودية استعمارية إجرامية ، وما أثمرته الجريمة الصهيونية هو مجتمع الجريمة الشاملة الذي لا يصلح لهزيمته إلا أفعال من جنس ما أنشأته ؛ عملا بالقواعد الجنائية أو النظامية : لا جريمة إلا بعقوبة ، ولا عقوبة إلا بجريمة ، وأن نوع العقوبة تحدده جسامة الجريمة التي يرسم لها الأنموذج الجنائي عقوبة مساوية لها في الجسامة الجنائية .

فلسطين لا تقبل جميع المقولات التي يخترعها دهاة السياسة،ولا أساليب الكذب والتزوير التي تتغلف بغلاف الفكر الصليبي التوراتي البطرسي الوثني لساكن الفاتيكان والمؤتمرين بأمره ، وسماسرة وجواسيس أوسلو اللعينة ، وبعض الدراويش الذين جرفهم تيار السياسات العربية المتمالئة مع اليهود تحت ضغط حالات العجز والضياع التي خلفها حكم بعض الطغاة ، ويحاول تثبيته بعض الأقزام الذين لا يستحقون حتى لفظ طاغية ،بل هم لصوص مكارين امتطوا ظهر الخيول العربية الأصيلة فشوهوا جوهروا ، ولوثوا معدِنها ، واستباحوا حماها خدمة وطاعةً لليهود المجرمين المحتلين لوطننا.

إن فلسطين حالة خاصة في كل شىء:

1. في طهر وقداسة أرضها وسمائها .

2. وفي هموم أهلها المتناثرين هنا وهناك ، والذين تعرضوا لكل عوامل التهجين والتدجين والتغيير والقمع وطمس الهوية حتى ممن يدعون أنهم يمثلون شعبها من جواسيس أوسلو ،وتجار الوطنية .

3. حالة خاصة في وزنها وقيمتها في عيون شعبها ،وعشقه لها رغم تباعده في جهات الأرض الأربعة ، ووقوف الحواجز والموانع التي أقيمت في المطارات والمعابر والحدود لتحول بينه وبين رؤيتها.

4. حالة خاصة ليس لها نظير في الظلم الذي وقع على شعبها بسرقة اليهود لوطنه في مسرحية هزلية أبطالها الأنظمة العربية ، وطبقة من الجواسيس من شعبها الذي ابتلي بهم في كل مراحل قضيته الوطنية.

5. حالة خاصة لا تقبل التكييف والتزييف ، وتتمنع على التمثيل والاحتيال والخيانة وكل أشكال الهبوط الخلقي والنفسي والمعنوي.

6. حالة خاصة بالنسبة للأمة العربية ، التي كلما حاول الطغاة والمستبدون في أقطارها صرف شعوبها عن مهوى فؤادهم التي يحتلها اليهود الصهاينة ،ويغتصبون أرضها وسماءها وماءها وهواءها ، فيغرقونه في التجويع والأمراض والفساد والجوع والتقوقع الإقليمي ، والانغلاق على الذات بدوافع عنصرية أو مذهبية أو ادعاء القطرية يأتيهم الله من حيث لم يحتسبوا ، فلا يجدون إلا (حمَّالة الأسية) يهرعون إليها لستر عورات أنظمتهم ، أو يعصف الله بهم ، وتنقلب أوضاعهم من عز زائل إلى عذاب معجل ، مع ما ينتظرهم من العذاب المؤجل .

7. حالة خاصة في صمود شعبها ، وفي بطولات أبنائها عندما يحدث ما يدعو إلى القتال والتضحية من أجلها.

8. فلسطين أيضًا حالة خاصة في نوع الابتلاء الذي ابتلاها الله به ، وأقصد العنصر الإفسادي اليهودي الذي يمارس كل أشكال التزوير والتغيير والتزييف ليقنع الآخرين بأنه عنصر أصيل في منطقة لا تعرفه ،وفي واقع لا علاقة له به من قريب أو بعيد.

9. فلسطين حالة خاصة نُذكر بها الجواسيس والدراويش الذين رتبوا
أوراقهم ، وسووا خلافاتهم بذريعة المصالحة لاقتسام ما تبقى من أرض غزة بعد أن يئس الجواسيس من الحصول على شيىءٍ من الضفة .

10. حالة خاصة في مكانتها عند خالقها وخالق الكون ، وعند محمد ومحبيه ومن تابع على دينه ، وفي تعلقهم بمسراه ومعراجه ، ومسجدها الذي أمَّ فيه إخوته من الأنبياء.

11. وأثبتت الأيام والأحداث أن فلسطين حالة خاصة في تمنعها على المناهج البشرية ،بحيث إن من يزعمون أنهم يمتلكون مفاتيح الحل لأزمة الصراع عليها هم كذابون دجالون مؤتفكون نصابون ، فالمنهج الوحيد لفك أسرها وتنظيف ترابها وجوها مما أفسده ولوثه لن يكون إلا قرآنيًا قدريًَا .إنها أسمى وأعز وأغلى على الله من أن يفصل في أمرها منهج بشري من أي نوع إلا المنهج الرباني ،فهل تأخرنا في الوعي بهذه الخاصية ؟أم أنه جاء في وقت طبيعي كنتيجة لمجريات الواقع ؟



رابعًا : هل انتصر منهج الجواسيس حقيقة؟

على المستوى الشخصي إذا دخل الجاسوس محمود عباس غزة ، فإن لزامًا عليَّ أن أصوم ثلاثة أيام كفارة على اليمين الذي أقسمت به على صفحة جريدة الشرق الأوسط ذات يومٍ بأن الأحرار في غزة لن يسمحوا بتدنيس هذا الجاسوس لأرض البطولات المشبعة بالدماء الطاهرة ، حيث لا يمكن مجرد تصور أن الأرض الطاهرة التي تضم أجساد الشهداء الأطهار الأبرار من قادة الشعب المؤمنين الأتقياء ستسمح بأن يدنسها جاسوس أو درويش من دراويش القيادات السياسية الدخيلة على الشعب الشجاع ،تلك الشخصيات الباهتة التي أفلست فتلاقت في أول إشارة من الحكومة المصرية بحجة التصالح والنزول عند إرادة الشعب.

لم يكن مستغربًا ذلك الذي حدث في اللقاء الثاني للجواسيس مع الدراويش في الفصل النهائي من دراما الخيانة الرخيصة التي حبكها جواسيس أوسلو مع كل القوى المتورطة في جريمة التواطؤ على بيع وطننا على مساحة العالم ، ذلك الفصل الذي جرى إخراجه وتمثيله إعلاميًا على مسرح أرض ثورة الأحرار في القاهرة ، فقد كان اللقاء احتفاليًا بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ كثيرة ذات دلالات لا تحتمل الشك أو الجدل ، لطالما حذرنا من استدراج قادة حماس السياسية وبعض رموزها وممثليها الذين ربما وقعوا في شراك التحالفات العربية والدولية في ظل مخرجات تثير الشك في حركة الهيجان الشعبي التي تغذيها الجزيرة والعربية حاليًا والبي بي سي وإي إن إن وغيرها من القنوات التي تقف خلفها جهات كثيرة لا تريد للعرب أن يلتقطوا أنفاسهم ، ويتدبروا شؤونهم ،إن جواسيس أوسلو يملؤهم الحبور والشعور بالزهو لفوز منهجهم الخياني ،وصدق مقولاتهم العبثية التي طالما طنطنوا بها من موقف يستند إلى منطق تكون لديهم من خلال علاقاتهم العلنية والخفية مع العدو اليهودي المحتل وحلفائه وداعميه من المستعمرين المسيطرين على أصحاب القرار في العالم العربي، وهم بذلك امتداد لطبقة الأفندية والسماسرة وتجار الأراضي الذين باعوها لليهود ، وكونوا طبقات أصحاب القرار في الحرب الصورية للجيوش العربية الجرارة التي زجت بها الأنظمة العربية إلى حرب غير متكافئة إلا في حماس الرجال الذين دفعت بهم الأنظمة المؤتَمِرة بأوامر المستعمرين لتتخلص منها تلك الأنظمة قبل النكبة الأولى عام 1948م.

نقول ذلك توصيفًا حقيقيًا وواقعيًا لتلك الطبقة التي تمكنت بمكيدة رخيصة من منظمة التحرير ،وسرقت جميع أرصدتها المالية والوظيفية والمعنوية ووزعتها على أنصارها وعلى المنافقين الذين يجيدون عملية غوص رقابهم بين أكتافهم وطأطأة رؤوسهم في ذلة وخضوع ،وتفريغ همومهم المصطنعة التمثيلية في مكاتب ما يعرف بالسفارات والممثليات في عواصف التدخين ،وجلسات (الرغي والثرثرة والهذر) التي لا يجدون غيرها بعد أن فرّغوا القضية الوطنية لتصبح قصائد ممجوجة من المديح والنفاق الرخيص للرئيس الخليفة والرئيس الرمز ،وادعاء نسب كاذب إلى بطولات الرجال القادة الحقيقيين الذين قضوا في ميادين الشرف والبطولة والجهاد ،مع أن الواحد منهم لا يمت لأي بطل من هؤلاء القادة الرواد ولو بشبهة سلوكية أو موقفية تجعل من يستمع إليهم يصدقهم أو يشعر بلمسة احترام لهم ، وإن الواجب نحو هؤلاء الأبطال يترفع بنا أن نقارن أحذيتهم بجباه ورؤؤس هؤلاء الخونة والجواسيس والسماسرة والعملاء ،واحترام أقدارهم وأوزانهم يفرض علينا أن نسلهم من بينهم كما تسل الشعرة من العجيب ، وعلى كل من يحمل بقية ضمير حي من الشعب الفلسطيني رجالاً ونساءً ،شيبًا وشيوخًا ، صغارًا وكبارًا التبرؤ من هؤلاء الذين باعدوا بينه وبين وطنٍ لا كباقي الأوطان ، وأرضٍ شريفة طاهرة مقدسة دنسوا قداستها ولوثوا ترابها بأعمالهم الدنسة ،ونفوسهم النجسة، وسوء تدبيرهم ،وتعاليهم حتى أُرغم بقية القادة الشرفاء كأبي خالد أحمد جبرين ، وأبو الوليد خالد مشعل والدكتور رمضان عبد الله شلح ورفاقهم من الذين ضرسوا من حصرم العرب والأعراب فاضطروا إلى لقاء رأس الفتنة كبير الجواسيس بوصفهم رجال ميليشيات وقادة منظمات إرهابية ،وصال هذا الدعي وجال في القاهرة متصنعًا الظرف ،يملؤه الزهو والغطرسة .



خامسًا : حماس مشعل بعد الياسين والرنتيسي



عندما اغتال اليهود أحمد ياسين والرنتيسي وأبو شنب والمقادمة والقوقا وصيام وقادة القسام والجهاد والفصائل البطلة الشجاعة بتنسيق وتعاونٍ مطلق من سلطة جواسيس أوسلو اللعينة ، وفرق الجواسيس المتعاونين مع اليهود الذين يكرهون أبناء شعبهم أكثر مما يكرهون العدو المحتل لأرضهم ، وصعود نجم خالد مشعل في خارج الوطن ، كنا على يقين أن الوقت الذي سيجمع جواسيس أوسلو مع دراويش من ينتسبون إلى حماس،ويحاولون تزييف تراثها ، ووراثة دماء الشهداء ، وقبض ثمن حياة الأبطال الشجعان الذين أسسوها على الطهر والبراءة والشجاعة النادرة والمنهج القويم في جهاد المجرمين اليهود المحتلين ، وكما حدث في تزييف تراث فتح ليجني ثمن بطولاتها ودماء شهدائها وقادتها السماسرة والعملاء وجواسيس سلطة أوسلو اللعينة ، فقد حدث في حماس تحت ضغط الظروف القاهرة التي نشأت من الهبات الشعبية في وجه حكامهم في بعض البلاد العربية .

لقد انتظرنا حتى تكتمل الصورة بكلمة خالد مشعل في اللقاء الثاني الذي جمع الدراويش والجواسيس في القاهرة ، وذهلنا من هذا الحشد الذي جمع أطيافًا من كل الأشكال والألوان والأنواع والمشارب ، واستحق خالد مشعل وقتها الرثاء على التحجيم والتقزيم الذي وضعه فيه رأس الفتنة كبير جواسيس أوسلو بترتيب من الطرف الراعي للقاء ، وحتى البطل أبو خالد أحمد جبريل والدكتور الأريب رمضان عبد الله شلح والدكتور الطاهر والكثير ممن صالوا وجالوا في ميادين المقاومة الفكرية والقتالية ،وممن حافظا على علوية وقداسة قضية الوطن (حُشِروا)مع الجواسيس بائني النفاق والعمالة ممن يدعي وراثة فتح ومنظمة التحرير، وأبو الشهيدين الدكتور الأصيل النظيف الشريف محمود الزهار ،والدكتور البطل خليل الحية رمز العائلة المجاهدة البطلة المضحية .

v فما الذي حدث أيها القادة المحترمون المبجلون الذي نكن لكم كل تقدير واحترام أقل مما أنتم جديرون بها ؟

v نحن غسلنا أيدينا من جواسي أوسلو – عباس وشلته – منذ زمن ، ولكن أنتم رموز الشعب الشريف العفيف ،ماذا حدث لكم ؟

v حقنا عليكم أمن تجيبونا من باب الحرص على صوركم الطاهرة في نفوسنا .

والأمر المستنكر هو هذا الحشد الغريب المريب من رجال الصف الثاني والثالث ..... والعاشر والمليون من تشكيلات المنظمات الصوتية ، الذين يكوِّنون فريق المستهلك الثاني في السلسلة الغذائية الحيوانية في النظام البيئي ، حيث لم يعد ينطبق على المتسلقين على قضية الوطن الغالي ، المتلهفين على قبض ثمن السكوت والعمالة والخيانة من لابسي البدل المستعارة ، وصابغي الرؤوس الصلعاء، ومتصنعي الشباب الغابر ، وحاملي الشهادات العليا المزورة من دكاكين الغرب والشرق في عصر المجهولية المعلوماتية ، لا يليق بهم إلا التصنيف الحيواني الذي خلَّده الشاعر أحمد مطر في قصيدته المشهورة:

تعدو حمير الوحش في غاباتها مسومة

قوية منتقمة

لا تقبل الترويض والمسالمة

الغاب قد علمها

أن تركل السلم

وراء ظهرها

لكي تظل سالمة

وفي زرائب القرى (المنظمة)

تغفو الحمير الخادمة

ذليلة مستسلمة

لأنها قد نزعت جلودها المقلمة

وأصبحت مطيعة

تسير حسب الأنظمة

بالطبع فنحن نعني بالأنظمة هنا القفص الذي صنعه جواسيس أوسلو وأدخلوا فيه حماس أخيرًا .فكأن هذه الأبيات المشاغبة الصادمة قيلت لكل مناسبة يتردى فيها من جعلوا الجهاد ديدنهم ثم ينساقوا وراء وشاريع تصفية قضية وطننا ، يا زعماء المنظمات الشرفاء،يا رموز الفداء والتضحية ،يا آباء الشهداء : إنه الوطن ! إنها فلسطين ! إنه الشرف الذي تضحون به مع عباس اللعين الذي حرض بالصوت والصورة والحركة والألوان على قتل المجاهدين ،فماذا حدث لتضعوا أيديكم في يديه الملوثتين بأدنس ما يمكن أن يلوث إنسان يديه به :دما الشهداء ،وآهات الثكالى ودموع الأيتام !!! هل تفهمون !



في الكلمة البروتوكولية التي حددها له راعي اللقاء مع جواسيس أوسلو خالد مشعل وهو يتحدث بعد رأس الجواسيس محمود عباس ، ثم في مقابلة أحمد منصور على قناة الجزيرة ، ومع تسليمه برئاسة محمود رضا عباس الذي كان إلى الأمس القريب رئيسًا فاقد الشرعية في خطاب حماس السياسي والإعلامي ، وكان يعتبر العدو الأول ،وهو في الحقيقة كذلك ، ومن مجمل تحليل خلفيات أحاديث وكلام وخطب (أبو الوليد) يمكن القول إنه :لم يبقَ يليق بالخونة المستسلمين المتمادين مع عباس اللعين في ضياع وطننا إلا أحقر المنازل ، وأحط المناصب ، وأسفل درجات الاحتقار ، وننزه أبا الوليد ورفاقه الأبطال عن هذه المستويانت المتدنية التي يسوقهم إليها عباس وزمرته من الخونة الفاسدين المفسدين الإفساديين .

v فيا خالد مشعل ! ويا كل من يوشك على السقوط في وهدة الخيانة مع جواسيس أوسلو اللعينة كفاكم كذبًا على أنفسكم وعلى من تعتبرونه شعبكم ، كفاكم تهريجًا وتلفيقًا وتدليسًا وتذبذبًا وضياعًا وسكوتًا وتجاهلا.

v لماذا لا نشاهد أو نسمع واحدًا من هؤلاء الذين تعملقوا على اسم فلسطين والجهاد والبطولات التي ليس لهم فيها مجرد شبهة شرف الانتماء إليها ... إذا خاب مسعاهم وفشلوا في الطريق الذي اختروه ، وكانوا أول ضحاياه ... لماذا لا يمتلكون الشجاعة فيستقيلون أو يعتذرون أو يختفون أو حتى يدفنون أنفسهم في المزابل ؟ فهي أقل ما يناسب نهاياتهم !!!

v لماذا يصرون على أنهم ينابيع الحكمة والتسامح ، ودفن الماضي ، ونسيان الأسيَّة ، والأخ أبو مازن ، والأخوة في فتح ؟

v لماذا يا خالد مشعل ، ويا أساطين البطولة في حماس والجهاد والفصائل ؟

v لماذا تتهربون من الكلام الصريح ؟ لماذا لا تعلنون السبب الحقيقي الذي جعلكم توشكون وداع ضفاف بردى ونسمات قاسيون ، ورحابة الضيافة في معقل القومية والصمود ؟

v من منكم يجرؤ على الكلام ؟

v من منكم يكون صريحًا وشفافًا كالبللور الصافي فيترك المراوغة والتهرب من الإجابات الشافية واللفلفة والهيلمات كما فعل أبو الوليد كما لم نعهده من قبل ؟

v من منكم يحمل في جنباته قلبًا كيِّسًا فَطِنًا ؟ وليس ...... !!!

v الذي تقومون به حاليًا ليس سياسة أو مصالحة ، ما تقومون به هو تقاذف وتبادل أطواق نجاة في بحر الخيانة والعمالة الذي حفره لكم عباس وصبرتم طويلاً على تعريته وتصفيته ، وجانبتكم الشجاعة لمواجهته من منطلق وطني ،وموقف شجاع .

v محمود رضا عباس مرزا ، وبقية جوقة جواسيس وعملاء أوسلو ليسوا(إخوة) يا خالد مشعل !! إنهم أشد خطرًا وأذًى وضررًا من اليهود المجرمين المحتلين ، اليهودي المجرم عدو صريح العداء ، أما هؤلاء المزيفون المزورون المرجفون المنافقون الخونة ، والصفوف المرصوصة المتتابعة المتلاحقة صفًا وراء صف وراء صف من فاقدي الأهلية الوطنية والعقلية والنفسية والخلقية فليسوا إخوتكم في حماس وفي الفصائل البطلة المجاهدة !! إلا أن تكونوا قد عقدتم العزم على التجانس مع تيار التنازلات والتفريط في الحقوق الثابتة للشعب في وطنه ، وتعاميتم عن الحقائق ، ودس كل واحد منكم رقبته بين كتفيه ولسان حاله يقول : خليني أشوف لي يومين !! لقد قالها علنًا وسرًا وتمتمةً ولعلعةً وسلوكًا وتواطؤًا أجيال وراء أجيال ممن لا يملكون شبرًا واحدًا في الوطن ،ولا يقيمون وزنًا لمثقال ذرة من حبه ، فهل أنتم استثناءٌ؟

v وأخيرًا إذا كان الدراويش قد ساروا أخيرًا في طريق الجواسيس طوعًا أو كرهًا ... فما وضع الملايين في الشتات ؟ وكيف تستطيعون أن تقنعوهم بما ستؤول إليه أحوالكم عندما يرغمكم جاسوس أوسلو على الانضواء تحت إبطه حيث لا مكان يؤويكم غيره ، ولن تجدوا مفرًا من الاتصال باليهود المجرمين المحتلين ولو بالواسطة ، وعندما تقنعكم مصر الحبيبة الغالية التي اكتشفتم أخيرًا بعد فوات الأوان مقدار حبها لكم وحبكم لها !!!

v أم أنكم ستنشدون أنشودة الرئيس الرمز :كل واحد يقلع شوكه بإيديه ؟ وتلولحون بالكوفية مع الدبيكة والهيلمنجية وكذابي الزفة الذين باعوا الوطن ودمروا غزة وصبغوا شوارعها وما تبقى من جدران بيوتها بالحنة الطاهرة : دماء الرجال الأشراف الأبطال الذين يتاجر بها ويقبض ثمنها خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وقناة الجزيرة ومن تبقى من ملوثي اسم فتح !!

v وأخيرًا يحشرج صدري بسؤال أقاوم نفسي وأصارعها لكي لا أفقد السيطرة على أصابعي فتسطره على صفحة هذا المقال ، ولكنني قررت تأجيله إلى لقاء آخر من لقاءات الجواسيس والدراويش ، وهو ذو علاقة بتصنيف قيادات الشعب الفلسطيني : ضفاوي وغزاوي ، حمساوي وفتحاوي ، جواسيس ودراويش ، إلى آخر تلك الثنائيات التي فتت وحدة الشعب ،وفتنت نخبه وحولتهم إلى آلات ناطقة يؤلهون فيها من لا يحملون طهر الأصنام .

أمتي هل لكِ بين الأمم


منبرللسيف أو للقلم

أمتي كم صنم مجدته


لم يكن يحمل طهرَ الصنم

رحم الله الشاعر الفارس العظيم : عمر أبو ريشة

أنا لولا أن لي من أمتي خاذلاً ما بتُّ أشكو النوبا

بيت حافظ إبراهيم على لسان غادة اليابان لا يزال يجد له في جيل من يعيد صدقه وديمومة دلالته .

فلكِ الله يا أمة خاتم الأنبياء ،يا أمة الأبطال والقادة والعظماء وقوافل الشهداء! لكِ الله يا فلسطين ! يا أطهر أرض وأنقى سماء ! وأقدس حمًى ، وأشرف شعب!

والله تعالى أعلى وأعلم ،وصلى الله على محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم .

(... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)

CONVERSATION

0 comments: