الاحتلال المغولي والاحتلال الغربي الامريكي/ سمير طلعت بلال

إن غالبية الناس عندما تتحدث عن الاحتلال تقصد المفهوم التقليدي له. وهو الغزو الذي يأتي من خارج الحدود ويحتل أرض الوطن ويغتصب مقدراته والسيطرة عليها كليا, والاهم من ذلك تحطيم سيادة الدولة المحتلة , دون التركيز على نوعية المحتلين وأهدافهم. فكثير من الناس لايميزون بين الاحتلال والاخر, و تأثيرهم علينا حاضراَ و مستقبلا.
ففي العصر القديم على سبيل المثال , كان يعتبر غزو المغول لبلاد المسلمين التي شملت بلاد خوارزم وفارس وبلاد ماوراء النهر والعراق والشام ..الخ من أكبر وأشرس الهجمات التي تعرض لها العالم ولاسيما بلاد المسلمين في ذلك الوقت , وربما الى يومنا هذا. حيث سقطت الدولة الخوارزمية الواسعة والخلافة العباسية و...الخ  على يد المغول. علما انه لم يكن غاية المغول , فرض أو نشر دين أو ثقافة أو لغة معينة على المسلمين , ولم يكونوا يفرقون بين الاديان والمذاهب والثقافات. بل يقال ان تيموجين (جنكيز خان) كان يشير الى يده لوصف الاديان والمذاهب, على أساس ان اليد يتألف من عدة اصابع ولكن مصدرها وجذرها واحد وكذلك الاديان والعقائد حسب زعمه. وإنما غايتهم كان غزو أراضي شاسعة وضمها الى إمبراطوريتهم والقضاء على الانظمة والدول والقتل العشوائي والنهب والسلب وإستباحة الحرمات ووضع الناس تحت سلطتهم.
وحديثا تعرضت الدول العربية والاسلامية للاحتلالات المتتالية أيضا خصوصا إبان الحرب العالمية الاولى من قبل الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا ..الخ. وفي القرن الواحد والعشرين , الغزو الامريكي لافغانستان والعراق , وبعض من الدول اليوم اصبحت محتلة إما جزئيا بوجود قواعد عسكرية فيها أو منقوصة السيادة. ما يعني أن المسلمين والعرب يواجهون إحتلالا من نمط جديد ومختلف.
لا شك ان المغول كانوا متقدمين على المسلمين في المجال (العسكري وفي فنون الحرب وإدارتها وتحمل الظروف القاسية ) فقط. بينما المسلمين كانوا متفوقين عليهم من كل النواحي (ثقافيا , حضاريا , لغويا ,علميا , دينيا (سماوية)). في حين ان المحتلين الغربيين والامريكان أكثر تقدما من المسلمين في الوقت الحاضر ومن جميع النواحي (سياسا , عسكريا , إقتصاديا , إعلاميا (حرب نفسي) , تكنلوجيا ...الخ). نستطيع القول في كل المجالات ماعدا عدد قليل من الجوانب. يقول الدكتور طارق السويدان "المسلمون متفوقين عليهم (روحيا وأخلاقيا)" وما دون ذلك هم أكثر تقدما منا وفي كل شيء على حد قوله.
نظرة المسلمين الى المغول كان سلبيا , لانهم يرون أن المغولي متأخر وهمجي وسفاك , ما يعني أن المسلمين كانوا يعتبرون أنفسهم أفضل وأكثر تطورا منهم . وكانت الويلات تأتي من كل الجهات عند الغزو المغولي. ما حدث في عين جالوت , المعركة الفاصلة بقيادة قطز هي دحر جيش المغول ومنعهم من إحتلال مصر. الامر الذي جعلت الدول الاسلامية تتخلص شيئا فشيئا من هذا الخطر المرعب. ولحسن الحظ وبسبب تفوق المسلمين عليهم , أدى ذلك الى تحلل و إذابة المغول داخل المجتمع الاسلامي لانهم واجهوا ثقافة ودينا سماويا وتراثا أقوى مما لديهم واستسلموا لها بمرور الزمن. وفي يومنا الحاضر لانجد أثرهم في معالمنا ومجتمعاتنا.
وملخص الامر ما يحصل اليوم هو عكس ذلك , فالمحتل الغربي والامريكي ينظر الينا نظرة غير إيجابية , ويظن أننا متأخرين ومتخلفين ,  وهم ينتظرون منا ان نكون مثلهم وأن نستسلم لارادتهم. وفي نفس الوقت المسلمون لهم نظرة إيجابية تجاههم من جوانب عدة والغالبية يعترفون بتفوقهم علينا ويتفاخرون بلغتهم عند إتقانها ويقلدون ثقافتهم وأعرافهم (كالببغاء) وبشكل أعمى وغالبيتهم يستنجدون بهم أثناء وقوع الخطر عليهم. وهذا تدل على ان المعادلة معاكسة تماما بالمقارنة مع المغول.
مما يدل على أن الاثر الغربي والامريكي واضح على (لغتنا وثقافتنا ونمط حياتنا) ومستمر الى يومنا هذا. فعلى سبيل المثال , نلاحظ الاثر الجلي للاحتلال الفرنسي لدول المغرب العربي من تأثير لغوي وثقافي وسلوكي. إذا الغربيين والامريكان مهتمين بنشر لغتهم وتقاليدهم , وما يحصل اليوم هو غزو فكري وثقافي وسياسي وإقتصادي قبل الغزو العسكري. لا نغالي عندما نقول الاحتلالات الجديدة تعتبر أكثر تأثيرا وفتكا من الاحتلالات السابقة كالمغول وعلى المدى البعيد وفي المستقبل , لان موروثاتنا جميعها تدخل في دائرة الخطر.
 لهذا السبب إننا نعارض الذين لا يفرقون بين الاحتلال المغولي من جهة والاحتلال الغربي والامريكي من جهة أخرى , على أساس ان جميعهم محتلون ولا فرق بينهم. ففي فترة المغول , عندما إنتهى القتل والحرب أصبح المسار تسير في مصلحتنا. وفي النهاية غالبية القادة والجنود المغول دخلوا الى الاسلام واصبحوا جزءا منا واندمجوا مع المجتمع. أما اليوم , فالامر مختلف, لاننا نواجه محتلا قويا جدا ومختلفا كليا عما سبق ومن كل النواحي. لهذا السبب أعتقد أن امامنا إحتمالان : إما الاستسلام لهذا المحتل المتطور وإنحلال سيادتنا ولغتنا وثقافتنا امامها , أو ان يجد علماء وزعماء ومفكرين وعقلاء الامة حلا مناسبا وبديلا للخروج من هذا الاشكال بسلامة و بأقل خسائر ممكنة وهذا لايتم الا بمشاركة الجميع و إنهاض الامة من سباتها. ولا أدري إن كان للقاريء رأي أخر.

CONVERSATION

0 comments: