من نافذة الوطن الحزين: رحلة لاجئ ارتري 1/ صلاح علي

الجزء الاول★

  ولد حامد في الربع الأخير من القرن الماضي في قرية صغيرة بالقرب من حدود السودان الشرقية وكانت دولته( ارتريا ) ترزح تحت الاستعمار من جارها الاثيوبي بسبب تواطؤ الدول الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؟ 
وبعد قرار المملكة التي لا تغيب عنها الشمس  (بريطانيا) التخلي عن مستعمراتها  في عام 1955م
وضعوا ارتريا بقرار مشبوه  تحت وصاية اثيوبيا بحجة جهل شعبها علي  ان تحكم فدراليا من قبل اثيوبيا  ؟
ولكن امبراطور( اثيوبيا) في ذلك الوقت  (هيلي سيلاسي) فضل ان يضمها الي مملكته فقد سبقه ملوك الغرب من قبل في احتلال الشعوب  ؟
ولن يأتي بجديد بابتلاعه ارتريا ولكن الارتريين رفضوا هذا القيد فطعم الحرية واريجها قد فاح بين ربوع القارة السمراء وانطلق الكفاح المسلح من قبل الشعب الاريتري الطامح  للحرية مثل بقية الشعوب واستعملت اثيوبيا الطائرات والمتفجرات ضدد قري وبلدات اريتريا التي خرجت عن سيطرتها  في ذلك التاريخ وكان نصيب قرية حامد الدمار الكامل وعاد والده من الخطوط الأمامية تاركا البندقية لانقاذ حامد واسرته وتوجه بهم الي السودان حيث الملجأ الامن بعيد عن الموت والبطش  وتربي حامد  في معسكرات اللجوء التي تشرف عليها الامم المتحدة ودرس في مدارسها وفي العقد الأخير من القرن الماضي   استطاع الثوار من تحرير كامل التراب الارتري.
وكانت فرحة حامد فوق التصور فقد أصبح شابا يميز بين الوطن والملجا  وخرج يغني وينشد بانه شهد عصر الحريةوالاستقلال وانه سيعود الي الوطن  ولن يعيش لاجئاومشردا بعد اليوم ولن يعايره رفاقة  من السودانيين بكلمة لاجئ وانه يملك مثلهم وطنا حرا مستقلا 
ولكن والداه لم يكونا متحمسان مثله؟ 
وطالباه الاهتمام بدراسته وتعليمه وقد فهم بعد عقد من السنوات  عن سبب عدم حماس والداه للعودة رغم ما شاهده  في عينيهم حينها من فرحة الاستقلال،  لقد تحولت ارتريا بعد تحريرها الي اكبر معتقلات العالم واكثرها غموضا وباسم الحفاظ علي الوطن رمي بكل الشباب في الخدمة العسكرية دون أمد محدد.
وبعد مرور اكثر من عشرون عام ما زال شاب الامس وعجوز اليوم يعمل في الخدمة العسكرية دون اجر  يشفي الغليل او اعفاء  يحفز علي رسم المستقبل. وقد اعتقل كل من خالف الامر او  تحدث عن الديمقراطية  والمساوة والعدل في ارتريا  لم يسلم حتي الثوار الذين ساهموا في طرد المستعمر؟  ويوجد اكثر من خمسة عشر وزير ساهمو في بناء معبد الدكتاتور  في السجن منذ سنوات؟ ومنع اقامة اي دستور في صمت مخجل  للعالم الحر المهتم بالنفط  اقصد بلاد النفط؟ 
وتحولت ارتريا الي سجن كبير ولا توجد حتي اليوم أي مؤسسة في ارتريا وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لديها دستور ولا برلمان  !!!
فقط تملك  دكتاتور يتحدث بنفسه عن كل شي عن الامن عن الاقتصاد عن الخضار عن الداخلية والخارجية الي اخر التخصصات 
وهو من يعرفها وحده !!
وعلي الشعب ان يمجد ويقدس 
عبقرية وحيد زمانه  !!!
و في صمت غربي مريب
يصعب علي حامد  فهمه
فكم من عروش اسقطتها أمريكا بحجة حقوق الانسان    !!!
ويبدو انها توقفت عندما وصل الدور علي ارتريا   ؟
لقد قالها تشرشل من قبل ان السياسة اخذت من قاموس الشياطين  
وهاهونظام الحكم في السودان يتآمر مع جاره الارتري فكلاهما يحكمان دون ارادة شعبيهما نظام اسلامي معلن في السودان ونظام مسيحي واضح في ارتريا جمع بين سحق الانسان الذي كرمه الله في كل كتبه واصبح كل من يعارض نظام الحكم او يتحدث عن الديمقراطية او العدل مصيره مظلم. فلم يسمع حامد  ان النظام الحاكم قد افرج عن احد  فكل من اعتقلته السلطات توقع ان تسمع بوفاتة 
وبتبرير  مضحك ان وجد؟ 
  وكان علي حامد  يبحث عن وطن بديل تصان فيه ادميته ويشعر  فيه بالامن والامان والسودان تنعدم فية هذه الضرورات ويمكن ان يصبح الضحية في اي وقت  فهو ارتري واي شكوي بانه يمارس او يصاحب من يتحدث في السياسة فحدود دولته ارتريا قريبة جدا  
وسيجد نفسه في ساعات بين فكي نظام البطش في ارتريا دون ان ينقذه أحدا
وقرر حامد  الهجرة الي اوربا حيث ما تنقله الفضائيات عن العدل الذي فاض حتي شمل الحيوان والنبات  !!!
وكثيرا ما ضحك وهو يسمع عن عقوبة فرضت علي احدهم لانه ضرب كلب مثلا  بينما هنا يسحل الانسان الذي كرمه الله ويقتل ويعذب   دون ان يدهش ذلك أحد   ؟
فهنا القيمة فقط لمن يحمل السلاح.. اما قاتل او مقتول! !!
وتوكل حامد علي الواحد الاحد ودفع المال للمهربين  ووصل الي اسطنبول عاصمة تركيا القديمة ومنها سافر برفقة المهرب الي مدينة أزمير علي البحر المتاخم لليونان  في انتظار قارب  .ينقله الي اليونان وهي بداية اوروبا.
نزل حامد بفندق في منطقة تسمي ( بسماني) بوسط مدينة أزمير وبها مجموعة من الفنادق القديمة وقد امتلأت بالمهاجرين من كل الاصناف والالوان   الباحثين مثله عن الأمان والحلم  بالعيش حياة كريمة دون خوف او ظلم وقد دغدغت احلامهم التلفزيونات واﻷفلام وهي تتحدث عن الغرب الجميل حيث العدل قد شمل حتي الحيوان  !!!
وصل منطقة  (بسماني ) وهي عبارة عن مجموعة من الفنادق والمطاعم القديمة وقد اكتظت  بكل الغرباء من كل بقاع العالم المقهور 
الباحث عن حلم اوربا في الثراء او الامان ويبدو ان  السلطات الأمنية  التركية اختارت ان تضرب طوقا غامضا حول بسماني تراقبه من خفاء لتشاهد تحول بسماني الي سفينة نوح  ولن يستطيع الغريب ان ينزل الا فيها رغم وجود فنادق في اماكن اخري من المدينة فتجد الاجانب يتحركون  قادمين من خارج تركيا مثل جداول الماء من اعلي الجبل حيث الالتقاء فيما يشبه البحيره  وسط بسماني 
ارتاح  حامد قليلا من  رحلة السفر الطويلة التي اخذت ثماني ساعات من اسطنبول الي أزمير وبعد ان أخذ دشا باردا بغرفته التي اختارها له المهرب خرج الي بهو الفندق وكانت فرحته عارمة لقد وجد مجموعة من أبناء وطنه  شبابا   وشابات اطفالا رضع وشيوخ
فقد أصبح شباب   ارتيريا مثل  مزارع الحشيش  في افغانستان ولا قيمة  له في وطنه الا بعبوره الحدود   !!!
وزادت فرحته  برؤية  (عامر)  صديق طفولتة في معسكرات اللجؤ  بالسودان وهو شاب في العقد الثالث ولد بالسودان ولكن اهله اختاروا العودة الي ارتريا بعد انتفاء أسباب اللجوء  وتحرير الوطن من الاستعمار الاثيوبي ورغم منطقية قرار اهله لعدم معرفتهم بالغيب وماتخبئه لهم  الاقدار من شقاء وهوان وهاهو يحصد اليوم حصاد مر فقد امضي السنوات الخمس الماضية في معسكرات الخدمة ورغم انه كان متحمسا في شهور الخدمة الاولى لاعتقاده انه يخدم وطنه وهي ضريبة واجبة الدفع ولكن مع مرور السنوات  اصبح يتسائل عن سر بؤسه  وشقاءه  !!
وهل عليه ان يخدم الوطن طوال حياته وماذا عن احلامه الاخري  ؟
وما هو الوطن اساسا  ؟؟؟
وماهي نتيجة  ما يفعله  ومردوده المباشره عليه  فالحكومة تسخره علي مدار سنوات في المزارع وردم الطرقات  !!!
دون ان تساهم معه في تحقيق جزء  من احلامه ولو براتب مادي يساعده علي ان يبتسم قليلا  وسط كل هذه الأحزان! 
واصبح  اليوم اشبه بالحمار الذي يحمل اسفار   يريح بها سيده ولكن سيده يضربه بشدة اذا  تململ او حاول الغناء لقبح صوته   !!!
طالت تساؤلات عامر وسط  صمت مطبق من حامد ورفاقه لانهاالحقيقة يعامل الجندي وهو في الخدمة الوطنية كالحمار وغير مسموح له الحديث عن حريته في رؤية وطنه  الذي يخدمه يعدل بين افراده  !!!
       ارتري  مقيم  بكلاغنفورت

CONVERSATION

0 comments: