مقالات من ارشيف جورج هاشم

ميزان القوى... او التوازن الاستراتيجي بين جبل محسن وباب التبانة 

يسارع مركز الدراسات الاستراتيجية ، عند نشوب اية ازمة، الى وضع دراسة علمية مفصلة عن ميزان القوى بين المتصارعين. يحدد فيها نوعية الاسلحة التي يملكها طرفا النزاع وفعاليتها ومصادرها والقوى المنخرطة فيها وآفاق المستقبل... وفي ما يلي الدراسة التي اعدها المركز عن النزاع المسلح بين جبل محسن وباب التبانة. وقد "لطشتها"  بكل فخر. وسأنشرها على مسؤوليتي ودون ان اذكر المصدر الذي سرَّبها... يتطرق التقرير اولا الى موقع ودور كل من جهتي النزاع كالتالي:                                                                                                         
 جبل محسن : يقع في الشمال الشرقي لطرابلس ( اي انه من طرابلس ويتقاتل مع اهله ). وهو مرتفع جبلي صغير يطل على وسط طرابلس (اي موقع استراتيجي). يمتد من منطقة الملولة والمنكوبين شمالا (كل المناطق التي سيرد ذكرها في التقرير منكوبة ايضا) الى مشروع الحريري جنوبا ( دون ان يستفيدوا منه بالطبع )، وشارع الارز شرقا... ويضم الاحياء التالية: جبل محسن العالي، المشارقة، الاميركان( انا اعرف انهم موجودون في كل نزاع)، البقّار، المهاجرين، ( الكل سيصبحون كذلك) السيدة، طلعة الشهال،الملولة، كواع القبة، الرابية (غير تلك الرابية)، الريفيرا    ( اكيد ليست الاوروبية)، الملاحية والوادي.                                                                                     
يشتهر الجبل بمصانع الالبسة والمفروشات والتجارة العامة وآل عيد وحزبهم العربي الديمقراطي ( لاحظ هاتين اللزقتين: عربي وهو لم يتمدد خارج الجبل. وديمقراطي يتوارثه الابن عن الاب ككل الديمقراطيات العربية...) من ابرز وجوه الجبل: علي عيد مؤسس الحزب. كان على علاقة علوية وثيقة بحافظ الاسد. تدرب مع رجاله على السلاح في سوريا وعادوا الى جبل محسن مع دخول الجيش السوري الى لبنان وكانوا قد هُجّروا منه سابقا على يد العرفاتيين     ( اي ان لا دخل لاهالي باب التبانة بتهجيرهم ومن ثم بعودتهم...) رفعت عيد: المعروف بالاستاذ ( ولكل منطقة استاذها) وهو وريث ابيه ديمقراطيا برئاسة الحزب العربي الديمقراطي. على علاقة علوية وثيقة بالوريث الديمقراطي لحافظ الاسد... من الوجوه البارزة ايضا النائبان السابقان: احمد حبوس وعبد الرحمن عبد الرحمن...اما نائب المنطقة الذي فاز بانتخابات 2009 فهو بدر كامل ونوس ( تفضل: بدر... وكامل!...) العلوي المولود في باب التبانة والمنتمي الى تيار المستقبل، والذي فاز ب 350 صوتا علويا لا غير بينما حصل منافسه رفعت عيد على 9000 صوت في نظامنا الطائفي الجميل...                                                                                                                  
 باب التبانة: تقع في الطرف الشمالي من طرابلس ( وهنا لاحظ التقرير انها طرابلسية وتقتل طرابلسيين). يحدها من الشمال بساتين الليمون ( ما اكرمها تلك البساتين. لا زالت تطعم حتى المتقاتلين!)، ومن الجنوب الاسواق الشهيرة ومقبرة التبانة ( لا مشكلة في دفن الموتى فالمقبرة على الابواب)، ومن الشرق البداوي وجبل محسن. ومن الغرب نهر ابو علي والزاهرية ومقابر الغرباء ( تمييز حتى في الموت).                                                                  
المنطقة فقيرة حاليا. فقيرة تحت اي خط فقر يمكن ان تكون قد سمعت به. كانت تسمى بالماضي بوابة الذهب لان جميع المسافرين الى سوريا، واهالي المناطق الريفية والقرى المحيطة كانوا  يتسوقون فيها. كانت ولم تزل ام الفقير وفقاسة الفقراء...زعيمها في السبعينات الشهيد علي مكاوي الملقب بروبن هود لانه كان نصير الفقراء. لذا قتلته الدولة اللبنانية ( لا احمل ضميري ) بدس السم له في السجن (اي حاميها حراميها)... تابع اخوه خليل مكاوي، المعروف بابو عربي، مسيرة الدفاع عن الفقراء واصبح قائد المنطقة دون منازع. قاوم دخول الجيش السوري بشراسة. اغتيل سنة 1985 ( اصابع الاتهام لا تشير الى احد )...و بعد ان تشارك النظامان اللبناني والسوري في اخلاء المنطقة من زعمائها الحقيقيين، اصبحت فريسة سهلة للسلفيين. لذلك تراها اليوم غنية باصحاب اللحى المرخية والشوارب المحفوفة والازياء الافغانية. وهي غنية ايضا بتيار المستقبل ( اي مستقبل؟)...                                             
ومن المفارقات ان الشارع الذي يفصل بين المنطقتين اسمه شارع سوريا ( اي داوني بالتي كانت هي الداء)...

الاسلحة: لحظت الدراسة عدم وجود اسلحة دمار شامل في اي من المنطقتين كالغازات السامة مثلا. ولكنها رصدت وجود كميات هائلة من الغازات الطائفية والسموم المذهبية في المنطقتين وفي عمقهما الاستراتيجي. واقرت بعدم وجود قاذفات قنابل عند اي من الطرفين رغم وجود اسطول من قاذفات الاشاعات والتصاريح اللئيمة. لا يوجد بوارج حربية ولا غواصات، رغم ان قاعدة التجسس الاميركية في استراليا ارسلت اشارة عن وجود جسم غريب في مياه نهر ابو علي. مخابرات جبل محسن التقطت الاشارة واسرعت بقصف الجسم الغريب. باب التبانة ردت بجنازة مهيبة لطفل صغير ، اصيب بقذيفة عندما كان يلهو بشختورة ورقية في مياه النهر... كما رصد المركز وجود قذائف الانيرغا لدى الطرفين. وهي قنابل طائرة ، مشظية للافراد، تُستعمل ايام السلم لاشعال الوضع. ثم يأتي دور الرشاشات الحربية وصواريخ الار بي جي لتكمل المهمة...                                                                                          
ذكرت الدراسة ان السلاح الاخطر الذي يمتلكه طرفا النزاع هو الفقر والتعصب والجهل والمذهبية... وهذه الاسلحة متوفرة بكميات هائلة. كما رصدت وجود مندسين ومخابرات وعملاء وغرباء ومجهولين لدى الطرفين مكلفين بمهمات معلومة.  يمتلك الطرفان كميات متوازنة من صور القتلى المعلقة على الجدران، تستحلفهم الاخذ بالثأر. وسيفعلان. لانهما يستندان الى تاريخ عريق من ثقافة داحس والغبراء...جبل محسن يمتلك سلاح رعب تفتقر اليه منطقة باب التبانة: انه صور بشّار الاسد الملقوحة على كل حائط.( في السر هناك كميات من صور ماهر الاسد جاهزة للظهور في حال لا سمح الله...)  سلاح الرعب هذا فقد مفعوله في باب التبانة بسبب الوجود الكثيف لصور سعد الحريري، المبتسم دائما ( لا ادري ان كان الوضع يسمح بالابتسام)، وطابور الملتحين السلفيين الذين لا يؤمنون بالاصنام ولا بالصور الا باصنامهم وصورهم وحدهم ...                                                                                                   
لا يمكن لهذا النزاع ان يستمر دون دعم محلي ودولي واقليمي لطرفيه. فالجبل مدعوم من قوى 8 آذار وسوريا وايران والصين وروسيا... والباب مدعوم من قبل 14 آذار والسعودية وافغانستان والحلف الاطلسي واميركا بالطبع....جبل محسن مرتاح جدا الى حلفائه الذين يدعمونه لقتل اخوته في الوطن. كما ان باب التبانة مرتاح  الى حلفائه الذين يدعمونه لقتل اخوته في الوطن ايضا... المشكلة ان مروجي الاشاعات لا يعترفون باية روابط اخوية بين المنطقتين.    فالمحرضون الباب تبانيون يقولون عن الجبل محسنين انهم سوريون ويجب ان يعودوا الى سوريا. والجبل محسنون يقولون عن الباب تبانيين انهم افغانيون وسعوديون فليرحلوا... والطرفان يعترفان انهما شعبان مختلفان في دولة لا تعترف بالمواطنية بل تعترف بالطوائف والمذاهب وبالتالي تحصد مما زرعت يداها...       
وتختتم الدراسة بالقول: الوضع " بيقرِّف "... ويا ضيعان التعب...  
نشرت في النهار في 2012/5/14          
**
كيف ينقسم اللبنانيون...؟
في زيارتي الاخيرة للبنان صيف 2012 تحيرتُ في أمر اللبنانيين. تراهم موحدين في الهموم والمشاكل والمعاناة والاستغلال، متوحدين في البحث عن لقمة العيش بشق النفس، متوحدين في طلب الخلاص... ومن جهة اخرى، تراهم منقسمين في كل شيء آخر... وإذا سألت كيف ينقسمون؟ وعلى أي شيء ينقسمون؟ تسمع كل الاجابات: ينقسمون حول جعجع، عون، فرنجية، نصرالله، الحريري، جنبلاط، بري... وحول كل نائب ووزير واي مرشح محتمل لاي منصب... آخرون يقولون حول المفتي والبطرك وشيخ العقل واي شيخ او كاهن...او بين مسلمين ومسيحيين. بين شيعة وسنة ودروز وعلويين. او بين موارنة وروم وكاثوليك وارمن... أو بين مقيمين ومهاجرين و مهجَّرين او مشاريع تهجير... ويؤكد البعض انهم ينقسمون الى فئتين: علمانيين وطائفيين... او الى عملاء ووطنيين... وتؤكد احداهن من على سرير التدليك انهم ينقسمون الى اولاد ست واولاد جارية. او الى سرلنكيين واولاد ذوات... ويجزم آخر بل الى 8 و14 آذار... والتقسيم السائد لدى الجميع هو ال "معنا" وال "ضدنا"... وكل المعنا اولاد اوادم، وكل الضدنا قطّاع طرق...
في ظلّ هذا المنطق لم يبقَ في لبنان جهة واحدة يمكن ان نضع بعض الامل في سلتها... كنت قد تنقلت بهذا السؤال في كل المناطق اللبنانية: شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً... ولما لم اقتنع بأي من الاجابات عدتُ مهموماً الى تنورين. لم انم ليلتها. فتقسيم المع والضد كان سيد السهرة... في الصباح الباكر قررت ان اخلع كل هذه الاسئلة والهموم واتوجه الى الجرد الشاسع المفتوح على الازرق في كل اتجاه. من السماء فوقنا وحتى قبرص البعيدة في البحر تحتنا... زرت عين روما، العين العجائبية التي لا تنضب، لا تزيد ولا تنقص... وسبب عجائبيتها، كما يقول المتداول الشعبي، ان المسيح بعد ان استراح قربها وشرب من مائها اللذيذ، قام ليمضي لسبيله فلحق الماء به. التفت وقال: توقفي ايتها المياه المباركة... ومنذ الفي سنة والماء متوقف كما تركه السيد المسيح. لا أحد يستفيد من هذه المياه حالياً الا قطعان الاغنام والماعز التي تتواجد بكثرة ايام الصيف... ثم قصدت العجيبة الثانية في جرد تنورين وهو نبع الرهوة، النبع الذي يتدفق غزيراً على علو أكثر من 2400 م. لا يوجد في الجوار اي جبل او مرتفع اعلى من هذا النبع. وتتعجب من اين يأتي هذا الماء المثلج الغزير؟ وهذا الهواء البارد الخارج من فوهة النبع حتى لتحسب ان مبرداً اصطناعياً – اركوندشن- بقوة عشرة الاف حصان يعمل بالداخل على مدار الساعة... لم يُفَرِّق النبع بين اليمونة الشيعية وتنورين المارونية فقسم مياهه العذبة بين الاثنتين، وربما بالتساوي...
كان وقت القيلولة. قطعان الاغنام على مد عينك والنظر. فهنا راعٍ يعزف على منجيرته. وهناك آخر اوكل كلابه بحراسة القطيع، وضع حذاءه تحت رأسه وراح في اغفاءة قصيرة ولا امتع. وآخر يساوم شارٍ لعدة خراف وتسمع قَسَمَه بمار شليطا ان اي سعر اقل مما طلب سيسبب له خسارة اكيدة. وآخر يحلب غنمة مدرارة ويدعوك لتذوق الحليب الطازج... لفت انتباهي راعٍ يجلس في ظل صخرة. قطيعه آمن ليومه بعد ان رعى منذ الصباح الباكر وشبع فسجد امام راعيه يجتر. يعتقد ان غده آمن ايضاً. وبيد الراعي كتاب... وهذا الذي اثار دهشتي. كان اباؤنا يهددوننا: اما الكتاب او الرعاية. لا بل من يفشل في المدرسة فمستقبله رعاية الغنم او الماعز. اما ان ترى راعياً في يده كتاب فهنا مكمن العجب... ردَّ على تعجبي قائلاً: ولماذا لا يكون الراعي مثقفاً؟ ما المانع ان يكون الراعي خريجاً جامعياً كحضرتي مثلاً؟ أنا حائز على دكتوراه في العلوم الاجتماعية. لم اجد وظيفة لان وظيفتهم استعباد. رفضتها. أعرف ان العادة جرت ان اكسل الاولاد يُفرز لرعاية القطيع. ولكن رعاة ساحة النجمة معظمهم خريجو جامعات. رغم انهم لا يقرأون. وفقدوا الصلة مع الكتاب والثقافة. لا فرق بين قطيعي الذي تراه امامك وبين القطيع اللبناني باستثناء اني اعدل في ادارة امور قطيعي. هذا الكتاب في يدي، الذي اثار تعجبك، هو كتابي الاول حول موضوع "انقسام اللبنانيين"..هل تريد ان تعرف كيف ينقسم اللبنانيون؟ وعاد السؤال الذي لم اجد له جواباً منطقياً ليلح علي. انا الذي هربت الى هذا الجرد الهادىء لانساه. أجده موثقاً في كتاب... قلت تفضل قل لي. انظر الى هذا القطيع، قال: الشعب اللبناني مثل هذا القطيع. انها نظرية قرأتها لاحد الكتاب ولكنها تتأكد يوماً بعد يوم على ارض الواقع. وانا وثقتها في هذا الكتاب بمئات من الامثلة والاسماء والوقائع.  ينقسم اللبنانيون الى اربع فئات: الرعيان، و التيوس، و الكلاب والخراف... ولما رآني مثل الاطرش بالزفة أضاف: الرعيان هم قادة الصف الاول. التيوس هم قادة الصف الثاني. الكلاب هم الاذرع الامنية لهذه الجهة او تلك. والخراف هم حضرتنا، أي اغلبية الشعب اللبناني... ولما رآني لم افهم بعد أضاف: عندما يختلف الرعيان على المرعى مثلاً او على تقاسم الغنائم او على كوتا الوظائف او على النفط او على اي سلعة في البلد. والبلد كله اصبح سلعة.  تبدأ مناطحة التيوس. تُستنفر الكلاب ويبتدىء النباح و العض. تتمترس الكلاب خلف الخراف. وفي زحمة العض والقصف والقصف المضاد يسقط بعض الخراف ما بين قتيل وجريح ومشوه او مفقود... وعند اشتداد المعارك يجتمع الرعيان اما في لوزان او الطائف او الدوحة او ساحة النجمة... وعند الوصول الى تسوية يتعانق الرعيان. تسكت التيوس خوفاً من ان يُضَحَّى بها. تنضب الكلاب... وتُلام الخراف لوجود عناصر غير منضبطة بينها... ثم يُتوج الاتفاق بمائدة عامرة بلحوم الخراف الطازجة... واضاف بثقة: سيكتب التاريخ ان الشعب اللبناني كان كله من  الخراف...
كبر قلبي، وشمخ رأسي بهذا الغنَّام الذي حل مسألة مستعصية، فسألته: هل هذا ينطبق على منطقة بعينها؟ ام على حزب بعينه؟ أم على طائفة او مذهب؟ قال أبداً. انه ينطبق على كل لبنان. قلت وهل تقسيمك هذا يشمل المغتربين؟ قال بنسبة 91% . قلت وكيف تكون بهذه الدقة وهذا الحسم؟ قال هناك فصل كامل عن المغتربين. سأهديك نسخة من الكتاب. اقرأها وانا حاضر لاي سؤال. وتعرف اين تجدني... مدَّ يده الى جرابه. أخرج نسخة. كتب عليها اهداء وهرول وراء القطيع الذي سبقه بقيادة التيوس وحراسة الكلاب... فتحت الصفحة الاولى لاجد هذا الاهداء:
عزيزي المهاجر،
الرعيان لا يهاجرون...الفئات الثلاث الاخرى تهاجر... انزع قرنَي التيس... اقلع انياب الكلب... اخلع عقلية الخروف او القطيع لتستحق مواطنية بلد الحرية والمساواة وحقوق الانسان، استراليا... وأضاف: مح محبتي وتقديري: راعي الجرد...
**
عزيزي الشيطان... سامحنا ! 
لم أسمع مرة ان شيطانا نكَّلَ بأخيه الشيطان. او احتال عليه واختلس ماله. او أُعجِب بزوجته... لم اسمع ان شيطانا أطلق اشاعة على اخيه الشيطان... لم اسمع ابداً ان شيطانا انتمى مثلاً الى تنظيم القاعدة او فجَّرَ نفسه في جمع من الابرياء... لم اسمع بشيطان انتمى الى حركة تكفيرية – اسلامية او مسيحية او يهودية...- وكفَّرَ جميع ابناء البشر الذين لا ينضمون الى حركته... لم اسمع بشيطان اعتلى عرش اميركا وفجّر حروبا استعبادية طالت جميع القارات... لم اسمع بشيطان اتى الى الحكم على ظهر دبابة او بالوراثة وتمترس هناك... لم ارَ شيطانا واحدا تصدر طاولة شرف او ترأس مجلس ادارة او قبض ثمن مقال مليىء بالسموم...لم ارَ شيطانا قامر بمال حرام او حلال او اغتصب طفلا او تاجر بالمخدرات... لم ارَ شيطانا عمل بالسياسة ووعد ووعد ولم ينفذ. او نفَّذَ ما هو لمصلحته... لم أرَ شيطانا واحدا مليونارا او بليارداراً تتضاعف ثروته سنة بعد اخرى... لم ارَ شيطانا لبس لباس الاتقياء وتصرَّفَ تصرف الفجَّار...
اذن لماذا نفعل نحن ما نفعل ونحمل الشيطان المسؤولية؟ لقد صوروا لنا الشيطان منافسا لله عز وجل. وقسَّموا العالم الى مملكتين: مملكة الخير المتضائلة والتي تأتمر باوامر الله. ومملكة الشر المتمددة وعلى رأسها الشيطان... وللتأكد من الامر بتفسي تنقلت في مملكة الشيطان حيّاً حيّاً، قريةً قرية، وزارة وزارة، صحيفة صحيفة، معملاً معملا، حزباً حزباً، جمعيةً جمعية، طائفةً طائفة ومذهباً مذهبا...وهنا اقسم بالله العظيم وبكل اوليائه الصالحين اني لم التقِ بشيطان واحد... كل من التقيت بهم هم من البشر، اولاد بشر، يلدون ورثة شياطين من لحم ودم وعلى صورتهم ومثالهم...
عدتُ الى كتب السلف الخائف من ذكر الشياطين ، المستعيذ بالله من شرهم، لاجده قد تعرف اليهم باسمائهم ومهنهم واختصاصاتهم واليك بعضها على ذمتهم:
   بعلزبول: ويُعرف ايضا ببعلزبوب وهو رئيس الشياطين، وهو الذي تمرد على الله ورفض السجود وانفصل بمملكة الشر ووطد اركانها بمعاونين مخلصين، لم يخنه احد منهم طوال هذه المدة، وهذه بعض اسمائهم: خنزب، الاجدع، الاعور، شيصبان، ميطرون، شمهروس، هفاف، زلنبور، داسم ، مطرش، دهّار ، تمريح ، مقلاص...
ويضيف السلف ان لكل واحد من هؤلاء الشياطين مهمة محددة تخصص باجادتها. فزلنبور مثلاً، مهمته تزيين افعال الناس من لغو وكذب و ومدح البضاعة بغير ما فيها... واعور يحرك الشهوات لدى الرجال والنساء ويدفعهم للزنا... وداسم يثير الفتن في البيت الواحد... ومطرش يبث الاشاعات والاخبار الكاذبة... ودهّار يؤذي المؤمنين في النوم بواسطة الاحلام المرعبة والاحتلام مع النساء الاجنبيات ( قبل ان تحرمها الحركات التكفيرية)... وتمريح يلهي الناس عن اداء واجباتهم... ومقلاص مهمته تزيين القمار ثم ايقاع العداوة بين المقامرين...
ومرة اخرى، اقسم لك اني لم التقِ بزلنبور واحد من الشياطين. بل التقيت بفلان من الناس والذي هو في الوقت نفسه: زلنبور واعور وداسم ومطرش ودهار وتمريح ومقلاص و...
يبقى شيطانان ، من ملايين ، احب ان اعرفك بهما: لاقيس: وهي ابنة ابليس ومهنتها الغواية. و اقبض: وهو المسؤول عن وضع البيض( ثلاثين بيضة كل يوم)، يخرج من كل بيضة عدد من الشياطين. انا لا اعرف كيف توصل اجدادنا العلماء  – زادنا الله من علمهم – الى هذا التحديد الدقيق لعدد البيضات كل يوم. ولكن اعرف ، وانت تعرف ،"اقبض"  من الناس الذي يزرع ملايين البويضات في رحم " لاقيس"  لينجبا اولادا يتفوقون جميعهم على بعلزبول نفسه.
فالانسان هو من يسرق، يقتل، يزني .. ويتهم الشيطان بانه وسْوَسَ له. الانسان هو الذي يفتن بين البشر. هو الذي يقسمهم الى طوائف ومذاهب وشيع وقبائل وعائلات... ويُحَمِّل الشيطان المسؤولية... الانسان يفتعل الحروب، يرتكب المجازر، يخترع الات القتل والدمار، يمنع الماء والدواء عن اخيه الانسان... ومن المسؤول؟ الشيطان.الانسان يُزَوِّر، يكذب، يأكل اموال الايتام واتعاب الغير، يُغرق اخيه الانسان بكل انواع المشاكل واللوم على الشيطان...
اخي الانسان/ الشيطان! او اخي الشيطان / الانسان! كن رجلاً وتحمَّل مسؤولية ما تفعل. ارحم الشياطين. سَمِّ الاشياء باسمائها وقل: انا هو الشيطان، ولا شيطان غيري...آمين...
**

CONVERSATION

0 comments: