رسالةٌ إلى الكاتب الاستاذ جورج هاشم/ فؤاد نعمان الخوري

استاذي الكريم
أحيّيك بدايةً وأبارك لك بصدُور مولودك الجديد "خارج السرب"؛ يعيش ويهزّ لأخوته حتى تصير كتبك سرباً تفرح به الاشجار وسطوح القرميد. كما اهنّئك بنجاح حفل إطلاقه، وهذا ما يُثلج القلب ويشدّ العزائم ويُبقي على الأمل بقيام حركة ثقافية جادة في هذه الديار.
اكتب اليك اليوم، وأنا لستُ بناقدٍ، فلا يمكن للشاعر أن يكون ناقداً محايداً وموضوعياً كما تقتضي الأصُول. حسبي أن اسجّل انطباعات شخصية، بصدقٍ ومحبة. كما في كل نشاط، يختلط الغثّ بالسّمين، ومن الحكمة أن أُضيء على السمين من إسهامات المشاركين، من خلال كلمتَيْ الدكتور رغيد النحاس والدكتور بول طبر.
بدا لي خلال تلك الأمسية أن النحاس أحاط بمواضيع كتابك وتفاصيله بحسّ أكاديمي رائع، فكان مرهفاً وعميقاً ومنطقياً. وكأني به قد طوّق الكتاب بذراعيه، وسار به مزهوّاً. وكانت لغته العربية صافية كالبلور، تحدوها لهجة شآمية محببة أَضفت عليها مسحة جمال وإلفة. وكم أصاب في تركيزه على "السخرية الودّية" في كتاباتك، كما فعل صديقنا المرحوم بطرس عنداري من زمان، وكلاهما في الهمّ شرقٌ...أطال الله بعمر الدكتور رغيد!
أما صديقنا الزائر الدكتور بول طبر، فقد عرف كيف يُدخِل السياق التاريخي والحيّز الجغرافي/ الديني في مقاربته للكتاب.  فمن كارل ماركس الذي دعا الى فعل التغيير بدل التنظير، إلى الاضاءة على الخلفية التنويرية لنشاطك الأدبي، بدا الطبر شريكاً في مسيرة التغيير. وكم كان موفقاً في استلهام اسمك في الاشارة الى تفرّدك الخلاّق: فرأى في اسمك الأول (جورج) جذورك المارونية الضاربة في جرد تنورين...لكن اسم عائلتك (هاشم) أوحى بخروجك من "السرب" العائلي والجغرافي والديني الى رحاب العروبة المستنيرة، شأن موارنة كثُرٍ حملُوا لواءها وأبدعوا في لغتها ودافعوا عن مستقبلها.
ولقد لفتتني إشارتك الى أناسٍ "لم يأخذوا حقّهم" في هذه البلاد، فاسمح لي أن اسأل: عن أي حق نتكلم يا صديقي؟ هل حق الاعتراف يُستجدى أم يُنتزَع انتزاعاً؟ لماذا توجيه اللوم دائماً إلى الآخرين، بدل النظر بامعان الى ما نكتب ونقدم لهم؟ برأيي المتواضع، القصيدة الجيّدة لا تحتاج إلى بطاقة تعريف؛ اما اللغة الخشبية في كتابات "جاهلية" لا تعانق هموم العصر، فلا حق لها في الشكوى من تجاهلها...و الحديث يطول.
وبعد يا صديقي،
كتابك الكبير أتعبني، وحرف طباعته الصغير أرهق عينيّ رغم النظّارتَيْن الجديدتَيْن. لماذا لا تنشر كتاباتك في كتابَين اثنين، فنحظى بلقائك مرّتين؟
أشدّ علي يدَيك، والسلام عليك!

فؤاد نعمان الخوري
9 تموز 2015

CONVERSATION

0 comments: