طفلُ البحر... لا أحدَ يريده/ فاطمة ناعوت

لا تصدقوا عنوانَ المقال. فهو عنوانٌ مراوغٌ لا يقول الحقيقة، بل عكسها. فهذا الطفلُ الجميل هو الذى لا يريد أحدًا، ولا يحتاج إلى أحد فى هذا العالم، لهذا تركه ورحل.

وجّه شطرَه صوب البحر الغضوب، واستلقى على الأرض مُشيحًا عنّا جميعًا نحن سكّان الأرض المرزوئين بالخطايا، وعن المعمورة بأسرها بما تحمل من فضائل قليلة وشرور كثيرة.

استلقى على وجهه موجهًا حذاءَه الصغير صوب كل الأشرار فى العالم، وكأنما يقول حذاؤه: "هذا الزحامُ.... لا أحد".

لم يرحّب به بلدٌ عربى، ولا احتضن طفولتَه شعبٌ مسلم ممن يزعمون أنهم أفضل أمّة أُخرجت للناس، بينما أعمالهم تقول إنهم عالةٌ على البشرية وزائدون عن حاجة هذا الكوكب التعس الُمثقَل بالآثام والأنانية والركض وراء الصغارات والمطامع.

الكوكب الذى ضجّ بضجيجنا وأضجرته فوضانا وأوجعته سيوفُنا التى تنحرُ الرقاب بدم بارد، حتى نقدمها قرابينَ وذبائحَ لا يقبلها اللهُ، ثم نخُرّ لله سُجّدًا سجودًا مجرمًا كذوبًا، فيُشيحُ اللهُ عنّا ويُغرِبُ وجهَه قائلا: لم أخلقكم لتناحروا وتقتتلوا بل لتعارفوا وتحابّوا، فانظروا ماذا أنتم فاعلون!

قال رئيس الوزراء المجرى ڤيكتور أوربان، إن بلاده لا ترغب فى استضافة جماعات مسلمة، مرجعًا السبب وراء ذلك إلى حقبة الحكم العثمانى السوداء للبلاد على مدار 150 عامًا، خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ثم هتف للصحفيين فى بروكسل: "أعتقد أن لدينا الحق فى أن نقرر عدم استضافة عدد كبير من المسلمين فى بلادنا، لأننا لا نحب النتائج المترتبة على ذلك، والتاريخ يشهد بما فعلوا بنا".

السوريون يذوقون الويل كلَّ نهارٍ وكل مساء، وليس من يدٍ عربية تمتد لغوث ملهوف أو لتضميد جرح نازف. يُلقون بأنفسهم فى لجاج البحار ليهربوا من ويل الذبح والشى بالنار. ونحن، نقفُ عاجزين نتذكّر قصيدة نزار قبّانى تقول:
"سامحونا
إن تجمعنا كأغنام على ظهر السفينة
وتشردنا على كل المحيطات سنينًا ...سنينَ
لم نجد ما بين تجار العرب

تاجراً يقبل أن يعلفنا
أو يشترينا
لم نجد بين جميلات العرب
امرأة تقبل أن تعشقنا
أو تفتدينا
لم نجد من بين ثوار العرب ثائرًا
لم يغمد السكيَن فينا
سامحونا

هربنا من بنى صخرٍ .. وأوسٍ ..
ومنافٍ .. وكُليبٍ

سامحونا إن هربنا
ما شربنا مرةً قهوتَهم إلاّ اختنقنا
ما طلبنا مرةً نجدتَهم إلاّ خُذلنا
إن تأريخ إبن خلدون اختلاقٌ
فاعذرونا".
**
نعم. أشاح الطفلُ السورى عنّا، ورفضَنا، وألقى بنفسه إلى حضن البحر الغضوب ليبتلعَ طفولتَه فلا يكبر ولا يشبُّ ولا يشيب فى أوطان تكره أبناءها وتقتل أطفالَها. أدار لنا ظهره الرافض فصرخ يغنّى الشاعر اللبنانى: "شربل بعينى":
"درلُن ضهرك.. لا تحاكيهم
يا طفل البحر القدّيس
ع إجرامن رح هنّيهم/
إجرامن أقوى من إبليس.

درلن ضهرك.. لا تتأخّر
إنت ملاك.. وهنى وحوش
صبّاطك من روسن أكبر
دعوس بالصباط جيوش.

ما منستاهل ضحكة سنّك
ما منستاهل نفرح فيك
افتكروا انو ارتاحوا منك
نحنا بالشعر منحييك.

قللو لألله شو ما بدك
سمّى بالأسم الأشباح
قللو الدنيى كلاّ ضدك
لازم يمحيها ويرتاح".

رابط القصيدة الجميلة:

***
لكن البحرَ بدوره رفض جسد الطفل النقى من الإثم، فلفظه إلى شواطئنا. حذاؤه فى عيوننا، حتى يكون هذا الجسد الضئيلُ شاهدًا أبديًّا على جهالتنا التى لم تمحُها الحضاراتُ والصواريخ وناطحاتُ السحاب والحواسيب. مازلنا نرعى فى عصر الإنسان الهمجى الأول الذى يقتل أخاه من أجل عظام طريدة شاردة.

يا تُرى، فيمَ كان يفكّر هذا الطفل الجميل وهو يغرق، وتتهيأ روحُه الطفلة للطيران إلى العل؟ نسأله مع الشاعر المصرى "مايكل سامى”:

“كنت حاسس وأنت وسط موج وبحر كبير بإيه؟
كنت غاطس جوه عمقه ولا عايم واللا إيه؟
أمك، كان إحساسها إيه؟
واللا أبوك؟ 
واللا أختك واللا أخوك؟
كانوا صامدين واللا خافوا
لما شافوا البحر فوقك؟
واللا ماتوا لما شافوا دمعك المخلوط بصوتك؟
قولى إحساسك يا قلبى وأنت بتحاول تعافر؟
كنت محتاج حضن وطنك!
واللا كان حلمك تسافر؟
طب إلهك لما شافك قولى كان إحساسه إيه؟
سكّت الموجة بـ إشارة
واللا شالك بين إيديه؟
الوطن بقا فجأة غابة
وإحنا فيه الحيوانات
إحنا اللى بجد موتنا
يوم ما صاب صوتنا السكات
نام يا قلبى ويا ربك اللى نشلك م الممات
آه يا سعدك يا هناك
وسط حضن الله تبات
مش بعيد يكون جايبلك
قطر ويّا مكعبات".

CONVERSATION

1 comments:

انطوني ولسن يقول...


إختاره الله ليحفظه من الشر والشريرين.قذف البحر بجسده الصغير ووجه يخبئه في رمل الشاطيء .وضع نعليه في وجه العالم ليقول لهذا العالم الفاسد القاسي الملعون من رب الكون الأبرياء لا يموتون فهم خليقتي هو وأخيه في أحضان الملائكة ينعمون بالتهليل والسجود لخالقهم الذي أنقذهم من الإنسان .موت يا طفل الطوفان.طوفان غدر الإنسان لأخيه الإنسان.أنت الأن في أمان وهم في جهنم سيكونون ولا عذر لهم لأنهم بلا عقول يساقون كالمواشي والبهاءم ووحوش الغاب.
متى يارب تعاود النظر إلينا،إلى الشعوب والبشر المغيبة عقولهم.
إسمع لنا ياالله ضابط الكل وارحم الإنسان المسكين الذي لا حول ولا قوة إللا بك أنت ياقدير.
أنطوني ولسن/سيدني