من نحن؟/ كميل العيد


بالأمس البعيد عندما كنّا مستعمرين ومحتلين أطلقنا على حالنا اسم (الفاتحين) ففتحنا الأندلس ودول شبه جزيرة البلقان ووصل أسلافنا إلى الصين. واليوم نعود للبلاد التي فتحناها، ولكن يا خجلتاه نعود بعنوان جديد اسمه (اللاجئون). بالأمس كنّا نتباهى بقيم الشجاعة والمروءة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف، واليوم غابت المروءة ولم يعُد لدينا ضيف، وأصبحنا ننادي يا مغيث. لم يعد هناك طريقة هلاك إلا وسلكناها، فإضافة للآلاف الذين يسقطون يومياً في ميادين القتال والمعارك، والآلاف الذين سقطوا في الشوارع والطرقات وعلى مقاعد الجامعات والمدارس، هناك آلاف أخرى ماتوا غرقاً في المحيطات والبحار، وآلاف ماتوا قهراً على ما آلت إليه البلاد وحسرةً على الخسائر، ولا ننسى الذين عذبوا ونحروا كالخراف في الساحات وعلقوا على أعمدة الكهرباء وأسوار الحدائق، وجديدنا بالقتل الموت حشراً وخنقاً بالشاحنات في المغتربات ناهيك عن الحوادث، أما الباقون منّا على قيد الحياة، فينتظرون دورهم ويتضرعون إلى الله، لكي لا يحصل قاتلوهم على براءة اختراع بفنون جديدة في القتل والجهاد والنكاح وفنون الهمائج. فكل طرق الموت المكتشفة ذقناها وجربت فينا، فنحن شعب تاه في الغابات والبحار نحن هوليوود، ونحن كل أفلام الرعب السابقة والقادمة. نحن باخرة التايتنك واحد، والتايتنك اثنين وثلاثة وأربعة و... إلى اللانهاية، نحن فيلم المخرج جيمس واتكينز (المرأة ذات الرداء الأسود)، نحن فيلم قائمة القتل لبيل ويتلي، وفيلم مواجهات خطرة لمينيهان وأورتيز، نحن كل أفلام الرعب التي لفت الأرض ولكن بدون خدع بصرية، نحن الذين غدر بهم إخوانهم العرب قبل غيرهم، نحن العبء البشري على العرب والعالم، نحن العبرة للآخرين، نحن لو لم نكن نحن لشُنَّت من أجلنا حروب عالمية.
 نحن الحضارة السومرية والبابلية والأكادية والآشورية والحيثية والأمورية والحورية والميتانية، نحن اخترعنا الأبجدية واعتنينا بزراعة الكروم والتين والزيتون وأول من درس الحبوب وطحنها، نحن من صنع الزجاج والنسيج وصبغنا الأقمشة، نحن من ارتقى بفن الملاحة واكتشفنا رأس الرجاء الصالح، نحن الذي قال عنهم ديورانت في قصة الحضارة (ربطوا الشرق بالغرب من سواحل سورية إلى سواحل المتوسط وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية).
 ولكن وعذراً على الاستعارة من أنتم؟ 
 أنتم دبي التي تخطط لاستضافة مئة شركة هندية وتمتنع عن مساعدة وإيواء سوري واحد. أنتم الخليجيون الذين تُقبلون على شراء العقارات في المملكة المتحدة ومدينة كان وغيرها، وتبخلون بوردة ترمونها في البحر أسفاً على السوريين الذين تزهق أرواحهم كل يوم، أنتم السعوديون والقطريون الذين تنفقون المليارات لتسليح مجموعاتكم في سورية وغير مستعدين لشراء سترة نجاة لسوري فار بالبحر من جحيم الحرب التي أشعلتموها.
 فليسمع العالم كله ليسمع القريب والبعيد، أن جثث السوريين التي التهمتها الحيتان وسمك القرش والتي تقاذفتها الأمواج إلى الشواطئ قد طهرت البحار والمحيطات من نجسكم، إن السوريين الذين قتلوا في الشاحنة داخل النمسا وهم يكافحون من أجل الحصول على ذرة هواء يستنشقونها ستلعنكم وتلعن حضارتكم، أن روح الشهداء الذين يسقطون يومياً بسبب الدعم والرشاوى الذي تقدموها لأتباعكم ستنتقم منكم وتحرقكم، أن أوجاع المخاض ستزول وستنهض سورية وترمم جراحها وتحرق الحقد وصانعيه، وسيشع نور سورية وتشرق شمسها في كل بلاد العرب وتحرق جميع الذين حاولوا العبث بها وبشعبها، وستنتهي الحرب مهما طالت.
 إن قبورنا المنتشرة في أرجاء المعمورة وفي البحار والوديان ستنبت فيها شقائق النعمان التي سيفوح عبقها في كل مكان. فنحن نموت كالشموع لننير الدروب للعرب الذين خذلونا والبشرية التي صدمتنا نموت واقفين، نموت شامخين! لعل في لهيب جرحنا مشاعل!! تهتدي بنورها الجموع.

CONVERSATION

0 comments: