أسباب ارتباك الملكات والمواهب في الرواية الجزائرية/ أبو يونس معروفي عمر الطيب

عدم الإحكام في صناعة الظاهرة

"لابد أن علم الوراثة سيتوصل يوما إلى فك الشفرات التي تنظم الموهبة؛ أي القدرات الكامنة ويعمل على إثارتها. وربما استنسخها !" هكذا قال الروائي الحبيب السايح

ونحن نقول ذاك تساؤل مشروع لا شك ان أمما  أمثالنا  " الحيوانات والنبات " قد أثار فيهم حرفيو علم الوراثة القدرات الكامنة بعد أن فك كل شفرات تركيباتها العضوية فكانت قفزات اقتصادية هائلة ولم يسلم البشر من التجارب بل علم الجينات الوراثية هو بداية حقيقية لرؤية مستقبلية للبشر ومن يدري فقد تستثار الملكات والمواهب يوما كما تفضل الأستاذ الحبيب السايح .. وفي حال استثارة القدرات العقلية والملكة الإبداعية فإننا لا ندري كيف ستصل فحوى البنية التبليغية العامة للقارئ أم أن القارئ هو الأخر سيتم استثارة موهبة القراءة والاستقراء لديه .

ولكن التدرج في كل عملية من شأنه ان يحافظ على طبيعة المسار..فاستنساخ  المتن الحكائي والمبنى الحكائي " القصة والخطاب " لتصب في البنية التبليغية نفسها هو أمر طبيعي أظنه يندرج ضمن النصوص التجريبية والانفتاح على المحيط الذي كان محدودا وصار لا محدودا في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة ..ويمكن القول أن الفترة الزمنية التي احتك  فيها الروائيون العرب مع أهل الحرفة من الغرب لم تكن كافية باعتبار أن الفترة الأولى للاحتكاك اعتمدت على الترجمة والنقل التي استغرقت وقتا طويلا ليصل الأدب العربي الى ما وصل إليه

 ويعد رفاعة الطهطاوي هو الرائد لهذه الحركة ويقول عنه عبد المحسن طه بدر: انه " الطهطاوي " أول من وضع البذور الأولى لنشأة الرواية التعليمية في كتابه المؤلف تلخيص الإبريز، وفي روايته المترجمة [1]“مغامرات تليماك “وهكذا نمت الرواية العربية حتى صُبغت بصبعة العالمية في النصف الثاني من القرن العشرين.. ولكن الرواية الجزائرية ولأسباب سياسة التجهيل الاستعماري فقد  تأخرت عن الركب ونتيجة ذلك ولأسباب موضوعية  أخرى  ظلت تتخبط الآن بين الغث والسمين ويعد تقهقر طبقة القراء التي تعتبر عنصرا هاما ضمن عوامل تطوير الرواية والقصة وقد يقول قائل ان  عدد المثقفين تضاعف في نهاية القرن العشرين ولكن الواقع يؤكد ان مساحة القراء ظلت على ما هي عليه إن لم نقل تراجعت و الأسباب معروفة  ، رغم كل ذلك فان الرواية الجزائرية خطت شوطا هاما في البحث عن واقع افتراضي مثالي هروبا من واقع معاش مليء بالتناقضات والانتكاسات  ويعد عبد الحميد بن هدوقة أول روائي يكتب بالعربية  رواية ريح الجنوب 1971 حيث اجمع كثير النقاد والدارسون من أنها اول عمل روائي يتصف  بكل المواصفات والعناصر الفنية  للرواية الحديثة بمفهوم عالمي ولكن هذا لا يلغي أبدا من رزنامة  الرواية الجزائرية أسماء الأدباء الذين سبقوا بن هدوقة و منهم احمد رضا حوحو الذي كتب رواية " غادة أم القرى" سنة 1947 "  وأدباء آخرون  كتبوا الرواية باللغة الفرنسة ، ولعل رواية " لبيك حج الفقراء "للأديب الفيلسوف مالك بن نبي المنشورة سنة 1947 عن دار النهضة في الجزائر  حسب مقالة للدكتور مالك عبيدي وهي هي تعد أول رواية جزائرية تحمل مواصفات فنية ربما هي كلاسيكية حيث اعتبره رائدا للرواية الجزائرية  وطبعا هناك أيضا كتاب اخرون كتبوا باللغة الفرنسية ومن بينهم مولود فرعون ورواية " ابن الفقير سنة 1950 .ولكن بين هذا وذاك  يظل الارتباك يسود البنية التبليغية العامة  في الرواية الجزائرية فلم يتمكن الروائيون من الحفاظ على مستوى عناصر صناعة الظاهرة من حيث النسق  فظهر الاضطراب في النصوص الروائية باديا في بنيانها اذ يرى بعض الدارسين ومن بينهم الأستاذ عمار بن طوبال في دراسته المعنونة ب" الرواية الجزائرية المعاصرة.. محاولة تحديد منهجي"[2] أن لها أسباب ومن بينها التداخل الجيلي حيث افرز نوعا من عدم الانسجام بين الجيل الأول وهو الذي وضع الحجر الأساس  للرواية وبين الجيل المعاصر الذي حمل الكثير من الحداثة حتى بدت للجيل الأول تمردا عليه بسبب تأثر الجيل الجديد بمظاهر العولمة الثقافية التي أثرت في كتباته بشكل بدا متسرعا وفرضت عليه الكثير من الثقافات بدت جلية في  عناصر الرواية وظل الجيل الأول ينتهج النهج الكلاسيكي حتى وان تمكن البعض منه مثل واسيني الأعرج والطاهر وطار  من الاستمرار في   البقاء على الساحة و الريادة بشكل بارز وربما استحواذهم على آليات الإشهار الأدبي الروائي في الجزائر لأربعة عقود افرز فراغات كبيرة دامت ربما عقدين من الزمن ووقفت حَجَر عَثْرة : في وجه كل تجريب أو انفتاح على الأدب العالمي والعربي خاصة  ويرى الأستاذ بن طوبال السبب الثاني هو غياب النقد أو ربما عدم اكتسابه الآليات الحديثة وعدم قدرته على مسايرة التطور الحاصل في بنيات الرواية التي ذكرناها وربما هناك سبب ثالث أراه وجيها وهو ضعف وعاء  القراء لأسباب تاريخية كما ذكرنا والذي يعد عنصر هاما في عملية التحفيز ومن ثمة الانتقاء وهو بذلك  يشكل   صورة من صور النقد العام .أو الغربال الذي يسقط  كل غث. ناهيك عن عياب ما يسمى بالنخب سواء من بين القراء أو النقاد إما لتشكلها في شليلات أو لعدم وجود نوعية واحترافية لقراءة أو نقد كل أنواع الرواية فنجد مثلا ان الإبداع الرمزي في الرواية والذي يعتبر احمد ختاوي احد صُناعه  ظل مُهمشا لم تسلط عليه الأضواء بشكل يليق بهذا النوع من الأعمال الروائية .

إذا فليس الاستعجال هو سبب الارتباك  في صناعة الظاهرة وحده ولكن هناك أيضا صراع الجيلين واحتكار الجيل الأول للساحة الأدبية ومن ثمة غياب غربال حقيقي يميز الغث من السمين وعدم تنامي طبقة القراء كماً وكيفا كلها أسباب موضوعية ساهمت في هذا الارتباك الذي تحدث عنه الروائي حبيب مونسي

 [1]  رؤية إلى العناصر الروائية  للاستاذين حسن شوندي آزاده كريم

[2]  الرواية الجزائرية المعاصرة.. محاولة تحديد منهجي الاستاذ عمار بن طوبال


CONVERSATION

0 comments: