يوم الأربعاء الموافق للرابع من أيار الحالي عاشت غزة مع الحدث الأبرز على الساحة الفلسطينية منذ سنين طويلة لم تشهد فرحا وسرورا أكثر من أربعاء الوفاق الفلسطيني، وما أن تم التوقيع في القاهرة حتى خرجت جماهير غزة عن بكرة أبيها تعبيرا عن فرحهم الشديد بتوحيد الصف الفلسطيني مستبشرة من ذلك خيرا في التخفيف عن معاناتهم الشديدة التي استمرت ما يقارب الخمسة سنوات تخللتها حرب شرسة شنها عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي ودفعت غزة ثمنا باهظا من الشهداء والجرحى وحجم هائل من الدمار في الشجر والحجر والبِّر.. إضافة إلى فعلها في تعزيز الانقسام الفلسطيني أكبر مدة ممكنة... أجل ! كان الأربعاء عرس الوفاق، تكاتفت الأيدي ورفرفت البيارق وصدحت الحناجر ولعلعت الزغاريد التي استمرت حتى فجر الخميس، ثم انطفأت الفرحة وكأن شيء لم يكن.. وبدت الشوارع تخلو من المارة يوما بعد يوم حتى كتابة هذه المقالة حيث بالكاد تشاهد فيها حركة للمرور سوى حركة الطلبة ومن له حاجة ضرورية، والسبب في ذلك هو: عدم صرف رواتب الموظفين الذي تزامن قدرا عشية توقيع الاتفاق، وبررت الحكومة الفلسطينية ذلك بعدم تحويل إسرائيل لعائدات الضرائب الفلسطينية المستحقة للسلطة الفلسطينية، واتخذت إسرائيل ذلك الإجراء كعقاب على ما قامت به الحكومة الفلسطينية بالصلح مع حماس، وهذا يؤكد صحة ما قلناه في السابق بأن المستفيد الوحيد من الانقسام كانت إسرائيل.. وهنا نؤكد من جديد بأن إسرائيل قادرة على إفشال المصالحة، وقد يكون حان الوقت المناسب لها لشن حرب جديدة على غزة وإعادة خلط الأوراق من جديد...
هذه هي غزة التي أصبحت تعيش منذ وقت طويل على رواتب الموظفين، ويعرف الجميع أن أسواقها والحركة الاقتصادية فيها تنشط فقط ! مدة أسبوعين شهريا على أقصى حد تبدأ حال استلام الموظفين لرواتبهم ثم تبدأ بالانحسار لتتوقف آخر الشهر.. ماذا يعني لكم هذا؟ أليس معنى ذلك أن الموظف بالكاد يعيش براتبه أسبوعين أو أقل ويعيش باقي الشهر على الاستدانة..؟؟ وهاهم الديانة قد توقفوا عن كرمهم تجاه الموظف لعدم ثقتهم باسترداد ديونهم نتيجة ما سمعوه من تخبط المسئولين في حكومتنا الموقرة!! إلى أن أعلن رئيس الوزراء بنفسه أن لا رواتب إلا حال تحويل إسرائيل لعائدات الضرائب أو تكرم من متبرعين بتحويل ما يوازي تلك المبالغ.. ويبدو أن الحكومة وكبار المسئولين والمقررين فيها لا يعيشون في غزة ولا يعيشون الضنك.. وليس لديهم أي شعور بالمسئولية تجاه شعبهم في غزة، وربما في الضفة التي لا يمكننا الحديث عنها لأننا محرمون من زيارتها أيضا، وصار واضحا لدى الجميع أن أي أزمة لدى الحكومة تسارع في التخلص منها بالهجوم على رواتب الموظفين وحقوقهم، وأكبر شاهد على ذلك أزمة كهرباء غزة والعجز المتراكم نتيجة عدم قدرة أهالي غزة من تسديد ما عليهم من مستحقات لشركة الكهرباء.. ماذا فعلت الحكومة المبجلة؟؟ لقد قامت بخصم ثابت قيمته (170شيكل=50دولار) شهريا من راتب كل موظف من غزة، على أساس أن أزمة الكهرباء ستنتهي وستزيد كمية الكهرباء الواصلة للمواطن في غزة، وها نحن بعد تسعة شهور من الخصم الثابت، لكن مشكلة الكهرباء باقية وأزمتها تتفاحل، وكتبنا مقالة في حينها، وقبل أن تقوم الحكومة بالخصم بعنوان "رواتب الموظفين لن تحل أزمة كهرباء غزة".. هل كان قرار الحكومة ذلك صائبا ؟؟ وهل يحوز لها قانونيا ما قامت به؟؟ هل مطلوب من الموظف أن يحل مشاكل المجتمع من خلال راتبه البسيط؟؟ هل نحن نعيش في دولة اشتراكية يتساوى فيها الجميع؟؟ قبل يومين مررت بوعكة صحية، تدخل طبيب صديق لي وكتب لي وصفة طبية، لكنني لم أجد في جيبي ثمن الدواء.. ولم أستطع صرفه من التأمين الصحي الذي تديره الحكومة أيضا ويتم خصم ذلك من الراتب أيضا، وأن حكومة غزة تجبي رسوما مقابل كل نوع من الأدوية، ومقابل كل تحليل وتشخيص للمريض...
هكذا هو حال موظف غزة الذي لا ذنب له في كل ما يجري، توقفت الحياة لديه، ولم يستطع العيش..! لأن الجميع يقف ضده.. المؤسسات الخيرية والمؤسسات التشغيلية لم تساعده ولا تشغله لا هو ولا أولاده، الجامعات والمدارس لا تعفي أبنائه من الرسوم ولا تقدم لهم منحا ولا قروضا، وحكومة غزة تمنعه من مزاولة أي نشاط اقتصادي.. وأكثر من سبعين بالمائة منهم مدان للبنك براتب شهر أو أكثر من خلال ما يسمى (بالمدين دوار) وربما هم أنفسهم عليهم قروضا لهيئة التأمين والمعاشات، وهاهم المستأجرين بيوتا تأويهم مع أسرهم مهددون بالطرد من قبل المؤجرين.. إذن كيف سيعيش هؤلاء؟؟ رحم الله ـ الشهيد أبوعمار رئيس دولة فلسطين عندما كان لا ينام الليل عشية دفع الرواتب، وكانت وزارة المالية تغلق أبوابها قبل أسبوع وتعمل كخلية نحل متواصلة لتأمين رواتب الموظفين، لأنه كان يدرك معنى ذلك.. ويدرك أنه ما لم يوفر لموظفيه رواتبهم تكون سلطته هزيلة ولا تعني شيئا، وهاهو عاهل السعودية مع بدء الحراك الثوري في عدة دول عربية راح يغدق من الأموال على موظفي الدولة مبالغ هائلة بزيادة رواتبهم ومنحهم راتبين إضافيين.. من كان يعمل مع أبو عمار يعرف كيف كان يدير الأزمة..! لماذا هذه الحكومة لم تقم بواجبها كما يجب؟! لماذا لا نطالب بحقوقنا من العرب أولا وهنا أشدد على حقوقنا وليس تسولا! إذ أن العرب يتحملون المسئولية تاريخيا عن قضيتنا ولنا حقوقا أقلها ما تركه اليهود من عقارات وأملاك عندما طردتهم العرب من بلادهم ليستوطنوا أرض فلسطين وتشتيت أصحابها ليتسولوا معيشتهم من هنا وهناك.. وكذلك المجتمع الأوروبي وعلى رأسهم روسيا أيضا.. وبدلا من مطالبة الدول بالضغط على إسرائيل كي تفرج عن أموال السلطة الفلسطينية.. متى كانت إسرائيل تخضع من الضغط الدولي عليها..؟؟ ماذا لو لم تقبل إسرائيل بالإفراج عن تلك الأموال؟؟ أين خطط رئيس الوزراء السيد سلام فياض الذي بنى مؤسسات الدولة كما يدعون؟؟ وأين هي تلك المؤسسات؟؟ على الأقل في غزة لم نر أي من تلك المؤسسات حتى ولو كانت وهمية؟؟ كل ذلك يصير وحكومة غزة التي تجبي الضرائب من غزة تلتزم الصمت حتى الآن تجاه هذا الموضوع؟؟ وسارعت بدفع رواتب موظفيها بزيادة مقدارها 9%، ونعتقد أن اتفاق المصالحة لم يتطرق إلى أموال حماس التي تجمع باسم الشعب الفلسطيني..؟؟
في الوقت الذي يعلن فيه السيد منيب المصري عن بدء تنفيذ الاتفاق ويدعو فتح وحماس للاجتماع في القاهرة والاتفاق على الحكومة المقبلة تقوم شركة الاتصالات وبما فيها شركة جوال التي يمتلكهما منيب المصري بقطع خطوط الهاتف والجوال من المشتركين الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم..! وهناك من الفلسطينيين من يطالب بترؤسه للحكومة المقبلة..؟ ألم يزيدنا هذا توتيرا وقلقا وإحباطا أكثر من ذي قبل...
0 comments:
إرسال تعليق