في مثل هذا الوقت من كل عام ينصرف الرأي العام العربي عن البحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الهزائم والنكسات ويبحث عن شماعة طال تعليق هزائمنا عليها "المتآمرين" الأجانب و "الخونة" العرب و إسرائيل. وهذا ما حدث خلال الستين عاماً التالية لهزيمة 1948.
في كتابه "دروس النكبة مجدداً"، يقول المؤرخ قسطنطين زريق :"من هذا الوقت المبكر أصبحت نظريتـي "المؤامـرة" و "الخيانـة" هما التفسيران الجـاهزان "للهزائم" و"النكسات" و "النكبات" العربية. فبدلاً من البحث عن الأسباب الحقيقية لهذه الهزائم والنكسات والنكبات ننصرف للبحث عن "المتآمرين" الأجانب و "الخونة" العرب الذين تسببوا لنا نحن الضحايا في كل هذه المصائب" ويضيف زريق " أنه إذا كنا قد سارعنا باتهام الملك فاروق في القاهرة،والملك عبد الله في عمان، والهاشميين في بغداد، والسعوديين في الرياض، وآل حميد الدين في صنعاء ، أي اتهام كل "العروش" بالخيانة، ومن ثم هزيمة "الجيوش" العربية عام 1948، فمن الصعب اتهام قيادة قومية عملاقة مثل عبد الناصر "بالخيانة" التي حدثت في النكبة الجديدة عام 1967. وهكذا لم يبق على ساحة التفسير إلا نظرية "المؤامرة" أو "الخداع"، على غرار "توقعناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب" . و يطرح زريق بعضا من الأسباب الحقيقة وراء هزائمنا المتكررة فيعتبر غياب الديمقراطية، والهوة الثقافية ـ الحضارية، وغياب الإعلام المهني الموضوعي الذي يواجه الرأي العام بالحقائق ، وغياب التخطيط العلمي للسياسات الداخلية والخارجية، وغياب الوحدة العربية هي أهم الأسباب في كل هذه النكسات و النكبات ويقول بأن الحماسة والشجاعة اللتان لا تنقصا المواطنين العرب، ليستا بديلتين للحكمة والواقعية وحسن التدبير والمصارحة.
الشلل و العجز الثلاثي
يطرح د. عبد الله تركماني رؤيته لأسباب النكبات المتجددة فيقول :"إن العالم العربي مشلول بسبب عجز ثلاثي : عجز عن تحقيق الحرية، وعجز في المعرفة، وعجز في تمكين المرأة".
إن البحث في سؤال المسؤولية حول أسباب هذه النكبات يطرح العديد من الإشكاليات و الإشكالات المتداخلة و المترابطة التي تشترك فيها الأطراف الداخلية و الخارجية إلا أن العدل و النزاهة تقتضي منا أن لا نُحمل أي طرف نصيب الطرف الآخر، وفي تاريخ الستين عاما في البحث عن الإجابات تختلف الرؤى لكنها تتفق على الجزء الذي يخصنا نحن العرب في مسؤوليتنا عن نكباتنا . ومن الأسباب الداخلية يقول تركماني :" بأن استبداد الحكومات العربية وهيمنة الجانب السلفي من تراثنا على الفكر العربي كانا من العوامل الأهم في هذا التأخر.
يكتب برهان غليون في كتابه " العرب ومعركة السلام:" لقد انتابني شعور بالغم والثورة في الوقت نفسه . شعور بالغم ، لأنني وأنا أتأمل الوضع الراهن أجد أننا نحن العرب لم نستفد ولو ذرة واحدة من الدرس الذي كان علينا أن نأخذها من نكبتنا في فلسطين عام 1948. فنحن في الوقت الذي نبكي فيه فلسطين ما قبل 1948 التي ذابت في أيدينا كما يذوب الرمل ، نعيش من دون أن يغير هذا في نمط حياتنا ولا في سلوكنا زمن اغتصاب فلسطين ثانية ونشاهدها تضيع أمام أعيننا وتصادر من بين أيدينا.ويقول بأن الأكثر مأساوية من هذا كله والذي يمكن اعتباره شاهداً مأساوياً على خطاب عربي يمارس مزيداً من الهروب إلى الأمام، أن الخطاب العربي المعاصر قد جعل من النكبة شرطاً حضارياً لكي ينهض العرب، ويجيب غليون على سؤال عدم قدرة العرب على الاستفادة من دروس النكبات و النكسات فيقول:"إن ذلك كامناً في أسبقية الحرب الداخلية على المواجهة الخارجية، وهذا ما يفسر سلوك العرب على مدى خمسين عاماً، الذين يظهرون مزيداً من البأس في الداخل لحماية النظام والاستقرار، ومزيداً من الخنوع والانصياع في الخارج لشراء سكوت إسرائيل والدول الأجنبية . وهنا تكمن المأساة.
ولعل التحدي الأكبر الذي يستوجب على المجتمعات العربية مواجهته هو التحكم في نقاط ضعفها نفسها وفي مقدمتها نظمها السياسية، ومنظوماتها الاقتصادية والأمنية والإدارية والاجتماعية والثقافية، واكتشاف هذه النقاط وإدراك النقائص والسعي إلى معالجتها . هذه هي الخطوة الأولى نحو تكوين الفاعل التاريخي القادر على تحديد أهداف وبلورة استراتيجيات، والدخول في تنافس أو تفاهم مع الأطراف الدولية الأخرى . فلا أمل اليوم لطرف في التأثير على مصيره الخاص إلا إذا نجح في أن يكون شريكا مع الآخرين في التعاطي الإيجابي مع التحديات العالمية، فالمشاكل التي يعاني منها هي نفسها التي تعاني منها بقية المجتمعات، ولا مجال لبلورة حلول ناجعة لها إلا من خلال منظورات إقليمية وعالمية .
--
أحمد عرار
مدون وناشط مجتمعي
عضو مؤسس لحركة شباب
عضو الهيئة الادارية لتحالف القوى المدنية
عضو الحملة الوطنية الشبابية لإنهاء الانقسام
منسق مبادرة نداء الوطن
ahmedarar5@gmail.com
00972598702035
http://ahmadarar.blogspot.com/
0 comments:
إرسال تعليق