كانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أو حتى أنتظرها إعلان المذيع خبر مقتل زعيم القاعدة ومؤسسه الشيخ أسامه بن لادن في عملية عسكرية أمريكية في قصره بشمال العاصمة الباكستانية إسلام أباد. وأخبرنا المذيع أيضا أن الرئيس الأميركي أوباما سوف يعلن بنفسه خبر مقتل بن لادن .
توجهت بعد الإنتهاء من طبيب الأسنان بعد ما سمعت من المذيع أن الرئيس أوباما لم يعلن الخبر بعد وأنه على وشك إعلانه ، فقمت بالإتصال بصديق يقطن ليس ببعيد عن قلب مدينة سيدني لأشاهد بعين رأسي وأسمع بأذني الخبر من فم الرئيس أوباما .
إنتظرنا فترة ليست بالقصيرة حتى هل علينا بطلعته البهية الرئيس الأميركي وأعلن خبر مقتل الشيخ أسامه بن لادن في عملية عسكرية أمريكية وأنهم يحتفظون بجثته لحين التأكد من شخصيته أو ما شابه ذلك ، وناشد العالم إتخاذ الحظر من ردات فعل نتيجة لمقتل زعيم القاعدة ، كما أنه كرر مؤكدا أن أميركا لن تحارب الإسلام والمسلمين في أي مكان في العالم.
عن نفسي بعد سماعي الخبر مباشرة من الرئيس الأميركي عبر شاشة التلفزيون بدأت أفكر في ذلك العمل الكبير الجبار الذي قامت به وحدات خاصة أمريكية وفي قلب العاصمة الباكستانية بمسافة لا تتعدى 80 كيلو مترا شمال العاصمة إسلام أباد وفي قصر موجود في وسط منطقة عسكرية باكستانية وبدأت أسأل نفسي إن كانت الحكومة الباكستانية على علم مسبق بالعملية أم لا .
إستمعت إلى الكثير من البرامج العربية وغير العربية وركزت على هذه النقطة وتراوحت الأراء بين مؤكد لعلم الحكومة الباكستانية بذلك وإلا ما إستطاعت طائرات الهليوكوبتر من التحليق فوق منطقة عسكرية دون التعرض لها أم لا.
أصبح عندي قناعة شخصية بمعرفة المسئولين بالعملية وربما ليس بموعد القيام بها وأيضا لربما تم إخبار المسئولين بوقت قصير حتى لا يتسرب الخبر ويتم إنذار بن لادن فيهرب وبهذا يكونوا قد قطعوا عليه إمكانية الهرب أو الأستعداد للمواجهة فليس من المعقول أن يعيش زعيم مثله دون حراسة قوية ولو من المحاطين به .
كذلك تضاربت الأقوال حول مقتله إن كان منذ أسبوع ، أو أيام أو في يوم قبل إعلان الخبر!! وأيضا حول جثته هل مازالت أميركا متحفظة عليها كما قال الرئيس الأميركي ، أم أنه تم دفنه في البحر كما سمعنا من بعض المعلقين على الخبر من العرب . ولماذا لم نر صورة واحدة لا للعملية ولا لجثته إن كان قد قتل بالفعل كما حدث مع كل من قتل من رموز القاعدة من قبل .
سألتني نفسي الأمارة بالسوء هذا السؤال :
لماذا يتم قتل أسامه بن لادن في هذا التوقيت بالذات بينما كانت المخابرات الأمريكية تعلم بمكان وجوده منذ فترة زمنية تتراوح بين ثلاث إلى أربع سنوات سابقة ؟؟!!
حاولت أن أجد إجابة شافية للسؤال ، لكن وجدت نفسي أيضا تأخذني إلى دهاليز الوضع الداخلي للشعب الأميركي وما آلت إليه من تدهور إقتصادي إلى جانب هبوط تأيد الرئيس الأميركي إلى أدنى مستوى ليس فقط بين الجمهوريين بل بين الديمقراطين أنفسهم وبقية الشعب الأميركي ، مما يضع عراقيل قوية حول إمكانية نجاحه لفترة حكم ثانية يستطيع فيها أن يحقق أحلامه لأهداف لا تبدو واضحة أمام الرأي العام الأميركي الذي بدأ يتشكك في تصرفاته بسبب إلغائه لبعض من الأحتفالات التقليدية والصلوات وما إلى ذلك.فقام بهذا العمل حتى يكسب ثقة الشعب الأميركي ويغير دفة الميزان إلى صالحة في الأنتخابات الرئاسية القادمة والتي لم يبق على حملتها سوى شهور قليلة .
كل هذا وارد وخاصة ما رأيناه من فرحة عارمة للشعب الأميركي بعد سماعهم للخبر وتدافعهم نحو البيت الأبيض للتعبير عن فرحتهم .
لا يمكنني أن أغفل ما يدور في الدول العربية ومصر من صحوة لا أحد يمكن تصديقها أو تخيل إمكانية حدوثها لما عرف من إتكالية شعوبها خاصة أنها قامت على يد فئات من الشعوب لم يكن لها أي نشاطات سياسية أو إجتماعية من قبل . زد على ذلك أن نجاح بعضا من الشعوب العربية في الأطاحة بحكامهم مثل تونس ومصر ، وما لاحظناه من إستيلاء التنظيمات الأسلامية وأبرزها الأخوان المسلمين على شرف الثورة والأطاحة به أو تهميشه وما تنادي به هذه الجماعات الأسلامية عامة في جميع الدول التي نجحت في ثورتها أو التي تناضل من أجل إنجاحها .ونلاحظ إتفاق الجميع على إرادة قلب رجل واحد " إسلامية .. إسلامية .." . بمعنى أن هذه الشعوب العربية تطالب بأن يكون الحكم إسلاميا حتى لو أضافوا إلى تنظيماتهم أحزابا جديدة ذات مرجعيات دينية والأصرار على أن هذه الدول دولا إسلامية والشريعة الأسلامية هي المصدرالأساسي و الوحيد للتشريع .
يأخذني هذا إلى إدارة بوش الأبن وخارطة الطريق التي رسمت خريطة جديدة للدول العربية وتقسيمها إلى دويلات تقوم على أساس العرق والجنس والدين ولم تستثنى منهم دولة واحدة بما فيهم المملكة العربية السعودية وإيران . أما الأن في عهد أوباما يبدو أن الخارطة لم تعد تصلح لأنها قائمة على التقسيم لأرضاء البعض سواء من الناحية الدينية مثل الأقليات المسيحية أو الشيعية ، أو على أساس العرق والجنس مثل الأكراد وما شابه ذلك وأيضا لإضعاف هذه الدول لحماية إسرائيل أولا ، وسهولة الإستيلاء على الموارد الطبيعية الموجودة بها مثل الماء والبترول وغيرهما مما هو عند تلك الدول .
لا أظن أن إدارة أوباما الحالية تفكر في إحياء خارطة الطريق ، لكنها رسمت خارطة أخرى عمادها الأساسي الدين الأسلامي الذي تدين به نسبة كبيرة من شعوب هذه الدول قد تصل في الأجمالي العام إلى %95 من السكان والتى يتطلع رجال الدين والدعاة والزعماء الدينيين إلى إعادة الخلافة الأسلامية إلى سالف عهدها . وطبيعي تكون لهم إمبراطورية وقوة تحل بهما ما كان يعرف بالإتحاد السوفيتي ولا تترك الهيمنة والسيطرة إلى أميركا التي يحكمها الصهاينة المسيحيين الكفرة . ويمكن لأميركا أن تستعين بهم إذا إقتضى الحال في مواجهة التنين الأصفر الصين القوة الحقيقية الموجودة على الساحة دون بروبوجاندا أو حب الظهور .
الديمقراطية والدين لا يجتمعان ولا يمكن خلطهما ببعض مثل الماء والزيت أو الماء والبنزين . ومع ذلك بدأنا نسمع إصطوانة ديمقراطية وحرية من فم الدعاة والإسلاميين والأخوان المسلمين حتى دفع بأحدهم القول بأنهم " الأخوان " سيطبقون الديمقراطية فلا تكون للغرب حجة للهيمنة أو التدخل في شئونهم .وهذا ما تريد أن تسمعه الإدارة الأمريكية .. إدارة الرئيس أوباما الحالية حتى إذا ما عضدت أي من تلك التنظيمات أو الجماعات الإسلامية لتولي الحكم " وأعتقد أنها تعضد وتؤيد بالفعل " تكون الصلة بينهما قائمة على تبادل المنفعة.
غلى هنا والرؤية مازالت يشوبها ضباب كثيف حول الأسباب الحقيقية لمقتل بن لادن وما ينوي عليه الرئيس أوباما تجاه الدول العربية والعالم الأسلامي وتنظيم القاعدة الذي مازال الرجل الثاني فيه د. الظواهري على قيد الحياة والذي كان يدير دفة الأمور مستقلا منذ فترة لسوء حالة بن لادن الصحية .
في الختام .. مقتل بن لادن " إن كان صحيحا " لن يغير من حالة التوتر القائمة في الشارع الإسلامي ، بل على العكس قد تؤجج نار الرغبة في الأنتقام لمقتله ، وإنما المستفيد الوحيد هو الرئيس أوباما حتى يجد قبولا من الشعب الأميركي وترشيحه مرة أخرى لرئاسة البلاد لوجود هذا اللغط الدائر بين الشعب الأميركي وإتهامه بعدم الولاء لأميركا والشعب الأميركي بعد نشر صورته وهو ينحني تلك الإنحناءة الملفته للنظر لملك السعودية .كما أن تنظيم القاعدة الذي له وجود فعلي في جميع أنحاء الأرض لا أظن أنه سيتغاضى عن الحدث بل سيعمل على إثبات وجوده بشكل أو بأخر .
ويبقى سؤالنا : هل سينتهى تنظيم القاعدة بمقتل بن لادن ؟؟؟!!!
أنا لا أعرف .. فهل تعرفون ؟؟؟!!!
0 comments:
إرسال تعليق