في مثل هذه الأيام وبالتحديد في شهر رمضان الماضي تسمر الفلسطينيون أمام شاشة فضائية فلسطين والتقطوا أنفاسهم وهم يشاهدون برنامج أرزة وزيتونة للزميل الإعلامي ماهر الشلبي الذي تجول في أزقة مخيمات لبنان يحاول انتزاع أسماء مدن وقرى فلسطين التاريخية دون جدوى
وقتها خرج المتربصون بقضيتنا وحقنا في العودة باحتفالية قميئة ليقولوا انظروا..... هؤلاء هم اللاجئون...... إنهم لا يعرفون حيفا ويافا والقدس..... وبالطبع ذُرفت دموع التماسيح من قبل أنصار التفريط بحق العودة الذين انقضوا علينا تمهيداً لاجتثاثنا والتعامل معنا كتجمعات عشوائية متناسين عامل الوعي الوطني المرتبط بالجذور ووصايا الأجداد الذين عاشوا التيه والخيمة وظلم ذوي القربى.
المشهد كان واضحاً للأعمى، عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين انبعثوا من جديد ومشوا إليها ليجددوا العهد والوعد، مشوا في طريق الجلجلة وعلى رؤوسهم أكاليل الغار ليعلنوا للعالم اجمع بان فلسطين للفلسطينيين، وان سنوات التيه في صحراء اللجوء لم تنسيهم عكا وبحرها، وان ارض البرتقال الحزين ماثلة في القلوب والعقول، وان عظام ألموتى الذين لم تتكحل عيونهم برؤيتها تنطق باسمها.
جاؤوا إلى فلسطين، منهم من وقف والقي التحية عليها، ومنهم من عقد العزم على تقبيل أرضها، أنة حسن حجازي العائد إلى يافا، وهنا أحاول أن أتحسس الشعور الحقيقي لهذا الفلسطيني الذي قرر العودة بعيدة عن الاتفاقيات والتسويات التي تنتقص حقه في أرضة ووطنه، هكذا تكون العودة إليها، وبهذه الطريقة نقبل أرضها المقدسة ونتسم هواء بحرها.
هي رسالة من ثمانية ملايين لأجيء فلسطيني، رسالة واضحة لا تحتاج الى فتاوى سياسية، سنعود إليها يوما ما، حتما سنعود ونحقق الحلم، لسنا بالقتلة ولا بالطارئين على هذه الدنيا وهدفنا من مهدنا إلى لحدنا أن نعود لأنها لنا، والرسالة لم تكتب على طاولات التسوية ولا في الفنادق، كتبوا رسالتهم بالدم على حدودها، كتبوا رسالتهم وحلقت أرواحهم لتعانق كرملها وترسم بالدم أبجديتها التي لا تموت.
رسالة أخرى لدولة الاحتلال الإسرائيلي وقد وصلت، ومفادها أننا لن ننسى، وان رهانهم على عامل الزمن فشل، لان عامل الزمن لصالح اللاجئين الفلسطينيين، والذين اقتحموا حدود فلسطين التاريخية من الجيل الثالث والرابع، وما حصل عبارة عن بروفة لما سيحصل في المستقبل، ومن تابع رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستطيع أن يجزم بحتمية العودة حتى لو وضع على كل متر جندي فلن يمنعوا الفلسطينيين من عودتهم إلى أرضهم.
رسالة ثالثة إلى العالم تقول نحن نعيش لهدفنا، صحيح أننا بصدد حقبة مظلمة، ولكن التاريخ يثبت أن المستقبل للشعوب، فكما تحررت الشعوب الأوروبية من الاحتلال النازي سنتحرر، وكما حطم شعب جنوب أفريقيا نظام الابرتهايد سندمر الجدار الذي لن يعمر أكثر من جدار برلين، وهذا يتطلب من كافة دولة العالم شعوباً وحكومات التوقف أمام حقوق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته وعودة لاجئيه إلى أراضيهم التي هجروا منها، وكما أسلفت فان عامل الزمن لصالحنا.
ان التطرف اليميني الرسمي والشعبي الذي يجتاح دولة الاحتلال الإسرائيلي هو إلا تأكيد على القلق المزمن الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي، وما الفتاوى التي تطالب بطرد الشعب الفلسطيني وتصفيته عرقياً إلا انتصاراً لحقنا، ولو شعر الإسرائيليين مجرد الشعور أن شعبنا تنازل عن حقوقه لما عشنا المعاناة، إنهم يريدون الأرض والشعب، الأرض لبناء المستعمرات للمستجلبين والشعب ليمارس العمل الأسود عندهم، لذلك ستعلو وتيرة الفكر اليميني في دولة الكيان، ولكن مقابل ذلك ستتعمق الفكري التي تنادي باسترجاع الحقوق الفلسطينية والعربية.
لقد كان للمصالحة الفلسطينية وانتصار الثورات الشعبية في العالم العربي دور هام في المشهد الفلسطيني المتعلق بإحياء ذكرى النكبة أل 63 ، وتكمن الأهمية في تلك المحطة ان حرقت مراحل ومهدت الطريق لمرحلة لها روافعها وميزاتها، ألا وهي عودة الوعي للشعوب العربية والشعب الفلسطيني، والتأكيد على قدرة الشعوب في أحداث التغيير وعدم التعويل على الأنظمة التي ثبت إنها تابعة للامبريالية الامريكية التي تتلاعب بمستقبل شعوبنا العربية وتستغل ثرواتنا من خلال فزاعات صنعت لتعميق حالة الخوف في داخل المواطن العربي.
هي مرحلة نهوض لا محالة، مرحلة أسقطت كل الشعارات الديماغوجية التي تنادي بما يسمى بالواقعية والتطلع لموازين القوى من قبل بعض الشرائح التي تحسب نفسها على المثقفين الذي غادر الكثيرين منهم السفينة لينخرطوا في ظاهرة الانجزة التي تبشر بالديمقراطية وحقوق الإنسان كذباً ودجلاً، صحيح ان هناك بعض الاستثناءات ولكن المشهد العام لهؤلاء واضح، ومنهم من انخرط في الحركة الماسونية ليكون خادما للفكر الصهيوني وأهدافه البعيدة المدى.
إن الدم الذي سال على الحدود مع فلسطين التاريخية والجولان السوري المحتل له لون آخر ومعنى أخر، هو دم مختلف عن شلال الدم المتدفق في الضفة وغزة، هذا الدم يعبر عن الإرادة والموقف والحنين وعدم التفريط، هو رسالة لكل من يفكر مجرد التفكير بالتنازل عن حقوق اللاجئين مفادها أن حق العودة حق مقدس غير قابل للتفريط، وهي كلمات كتبت ولا زالت تكتب بدماء لتؤكد أن شعبنا الفلسطيني كما الفنييق ينبعث مع الشمس ومن الشمس وان الشباب الفلسطيني كما دموع الفنييق التي تشفي جراح المعذبين وتعيد الأمل للذين تاهوا عن الهدف وفقدوا البوصلة.
0 comments:
إرسال تعليق