......... يساور أهالي أسرى القدس والداخل والأسرى أنفسهم المزيد من القلق والشكوك حول وعلى مصير أبنائهم ومصيرهم، وهذا القلق وتلك الشكوك نابعة من أحاديث دارت وتصريحات خرجت على لسان العديد من قادة حماس حول قرب إتمام صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل،والأحاديث والتصريحات تلك،أشارت وتحدثت عن أنه من الممكن أن تتم الصفقة متجاوزة هؤلاء الأسرى وبالذات القدماء منهم،والذي يشكلون ما نسبته 37% من مجموع الأسرى القدماء الذين قضوا عشرين عاماً فما فوق في سجون الاحتلال( 136 ) أسير،والحديث هنا ليس في إطار التكهنات أو التوقعات،بل وصلت رسائل من السجون تشير إلى تلك الإمكانية،وهذا استدعى تصريحات وعقد مؤتمرات صحفية لأهالي أسرى القدس والداخل حول هذه القضية تحذر من إتمام صفقة التبادل بدون أسرى القدس والداخل.
وإذا ما صحت تلك التكهنات والتوقعات بقرب إتمام الصفقة بدون هؤلاء الأسرى،فهذا سيشكل كارثة حقيقية،فإذا كان أوسلو والذين وقعوا عليه قد ارتكبوا خطيئة بحق هؤلاء الأسرى،فإتمام الصفقة بدون أسرى القدس والداخل سيشكل قمة الخطايا وسيوجه طعنة غادرة الى نضالات وتضحيات هؤلاء الأسرى،وستكون لذلك تداعيات كبيرة وخطيرة على أهالي هؤلاء الأسرى والأسرى أنفسهم،فعدا عن كون ذلك استجابة للشروط والاملاءات والتقسيمات الإسرائيلية التي فرضتها على المفاوض الفلسطيني،بالتخلي الطوعي عن تمثيل هؤلاء الأسرى باعتبارهم من حملة الجنسية والهوية الإسرائيلية قسراً ،فهو أيضاً استجابة أخرى للمعايير الإسرائيلية بعدم إطلاق سراح أسرى من القدس والداخل- مناطق 48- للاعتبارات تلك،والجميع يدرك تماماً أن نافذة الحرية بعزة وكرامة لمثل هؤلاء الأسرى وتحديداً الذين قضوا عشرين عاماً فما فوق،متوفرة لهم من خلال تلك الصفقة فقط ،أو صفقات شبيهة فقط،وخصوصاً أن حكومة الاحتلال ترفض إطلاق سراح أي أسير مقدسي أو من الداخل الفلسطيني من خلال ما يسمى بحسن النوايا أو صفقات الإفراج أحادية الجانب،وهذا بالملموس يعني أن جزء كبير من هؤلاء الأسرى سيتحولون من شهداء مع وقف التنفيذ إلى شهداء فعليين،وخاصة أن الكثيرين منهم مع طول فترة الاعتقال وظروفه وشروطه القاسية واللا إنسانية،يعانون الكثير من الأمراض،هذه الأمراض في ظل غياب الرعاية الطبية وتوفير العلاجات اللازمة، تحولت إلى أمراض مزمنة وخطيرة،دفع عدد من هؤلاء الأسرى حياتهم ثمناً لها،وأيضاً فهؤلاء الأسرى الذين دفعوا ثمناً باهظاً على الصعيد الشخصي والاجتماعي والوطني،ستتولد عندهم حالة كبيرة من الإحباط واليأس وعدم الثقة بالثورة وفصائل العمل الوطني والإسلامي،وبالهدف الذي من أجله ناضلوا وضحوا،على نحو أكبر وأوسع وأعمق وأشمل من الحالة التي تركها أوسلو عليهم،وهذا سيترك بصماته بشكل عميق على وحدة الحركة الأسيرة وصلابتها وتماسكها وبنيتها وهياكلها التنظيمية والاعتقالية،وخاصة أن الاحتلال وإدارات سجونه وأجهزة مخابراته،لم تترك فرصة من أجل شق وحدة الحركة الأسيرة،ودفع أسرى الداخل للتخلي عن تنظيماتهم وفصائلهم،مقابل منحهم العديد من الامتيازات الشكلية،تلك الخطوة التي لعب أسرى الداخل دوراً كبيراً في التصدي لها وإفشالها،والتداعيات والمخاطر تلك ستتعدى وتتجاوز الحركة الأسيرة الفلسطينية،إلى ضرب وحدة النضال الوطني الفلسطيني،والمزيد من التآكل في النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وكذلك فهناك مسألة خطيرة قد تنشأ عن مثل هذه القضية،أي إتمام صفقة التبادل بدون أسرى القدس والداخل،وهي زيادة الضغوط على أسرى القدس من قبل دائرة السجون وأجهزة مخابراتها وبعض الأسرى ممن تضعف عزائمهم وهممهم إلى تقديم "استرحامات" إلى رئيس دولة الاحتلال من أجل النظر في قضاياهم وتخفيض فترة محكوميتهم أو تسهيل شروط وظروف اعتقالهم.
إن أسرى القدس والداخل جزء صميمي من الحركة الأسيرة الفلسطينية،وهم ناضلوا وضحوا من أجل نفس الأهداف التي ناضل وضحى من أجلها باقي أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية والأسرى العرب،وبالتالي لا يحق لأي سلطة أو فصيل فلسطيني وطني أو إسلامي،أن يتخلى عنهم أو يتنازل عن قضيتهم،وبدون مواربة أو اختلاق للحجج والأعذار،فإن تنفيذ أي صفقة تبادل متجاوزة لهم، يرتقي إلى درجة الطعن والغدر والخيانة الوطنية لنضالات وتضحيات ومعانيات هؤلاء الأسرى.
وخصوصاً وأننا نعلم علم اليقين،أن الشروط والمعايير الإسرائيلية،حول هؤلاء الأسرى،تم كسرها في أكثر من صفقة تبادل،لعل أشهرها صفقة التبادل التي نفذتها الجبهة الشعبية- القيادة العامة- في أيار/1985،والتي تحرر بموجبها (1150 ) أسير فلسطيني وعربي من أصحاب الأحكام المؤبدة والعالية،ومنهم العشرات من أبناء الحركة الأسيرة الفلسطينية من القدس والداخل،ودون أية شروط أو قيود على حركتهم أو العودة إلى أماكن سكنهم وإقامتهم،ولذلك فلا حجج أو أعذار أو مبررات،لتنفيذ أو إتمام أي صفقة تبادل كانت ب"شاليط" أو غير "شاليط" يستثنى منها أسرى القدس والداخل،فالمهم الثبات على الموقف والشروط والمطالب،وحتى لو طالت او تأخرت تلك الصفقة،فالاحتلال في النهاية سيستجيب ويوافق على المطالب،فتأخر الصفقة وشمولها على أسرى القدس والداخل وكسرها للمعايير الإسرائيلية،أفضل مليون مرة من إتمامها وفقاً للشروط والمعايير الإسرائيلية.
أنا عشت مع هؤلاء الأسرى وتفاعلت وتجادلت وتناقشت مهم معهم،وأدرك حجم الأضرار والمخاطر التي ستترتب على التخلي عنهم،وتركهم وحيدين بدون أي حاضنة أو عنوان وأمل وهدف،وربما ستكون ردات فعلهم أعنف وأشد مما قد يتصوره البعض،ومن ذاق مرارة وقساوة السجن وطول البقاء فيه،مع انعدام أي بارقة أمل،قد يندفع نحو خيارات غير محسوبة وقد تكون مدمرة.وخصوصاً أن إدارات السجون وأجهزة مخابراتها والمتسلحة بعقلية الانتقام والثأرية والإذلال،ترفض الإفراج عن الأسرى حتى الذين يعانون منهم من أمراض خطيرة كالسرطان وأمراض القلب والفشل الكلوي وغيرها،وكذلك الذين يعانون من أمراض نفسية وعصبية خطيرة أيضاً،إلا بعد أن تكون متيقنة انه لا أمل لهم بالشفاء،وقد استشهد العديد من هؤلاء الأسرى بعد فترات قصيرة من إطلاق سراحهم،من أمثال الأسرى الشهداء هايل ابو زيد ومراد ابو سكوت وسيطان الولي وغيرهم.
ونحن لا نريد لأسرى القدس والداخل وتحديداً القدماء منهم،أن يواجهوا ويلقوا نفس المصير،فعلى السلطة الفلسطينية والأحزاب والفصائل،أن تتجه نحو تحريم أية صفقة تبادل لا تشتمل على أسرى القدس او الداخل،وعدم التسليم أو التعاطي مع أية شروط إسرائيلية ترفض التفاوض مع الطرف الفلسطيني حول أسرى القدس والداخل من أجل إطلاق سرحهم أسوة بأسرى الضفة والقطاع.
0 comments:
إرسال تعليق