في ذكرى النكبة 63 : مش مستعجلين/ عطا مناع

مش عارف ليش كثير من "القادة" الفلسطينيين مستعجلين على عودتنا إلى قرانا التي هجرنا منها أو بالأحرى حل قضيتنا حل "عادل"، وأحاول أن أجد حلاً لثقافة الطلاسم التي تعتبر أن العودة لأراضي السلطة الفلسطينية معتقدين أن فلسطين بالنسبة لنا ارض وحجر، وللحقيقة اعذر هؤلاء الذين لا يروا الصورة مكتملة لأنهم لم تتكحل عيونهم ولم يعايشوا لحظات الحلم والألم الأخيرة للاجئ عاش النكبة بكل تفاصيلها، وقد نجد لهؤلاء عذراً لأنهم لم يعيشوا الوطن واقعاً وحكاية وجيل حاول أن يقرع جدران الخزان في ممالك الصمت المتآمرة علينا وعلى حقنا.
لسنا بحاجة لعطف أي كان، فنحن أبناء النكبة نتوارث حلمنا غير أبهين لصعوبة المرحلة لأننا نؤمن بالمتغير، نحن نؤمن أن قضيتنا هي الثابت وكل ما يحيط بنا هو المتغير، كنا نؤمن أن الرجعية العربية متغير وبالفعل ثبت هذا من خلال كنس جماهيرنا العربية اعتى الأنظمة والحبل على الجرار، وإيماننا مطلق بننا الثابت ودولة الاحتلال هي المتغير، ونحن نؤمن أن أصحاب المبادرات السيئة الصيت متغيرون ونحن ثابتون ثبات من ماتوا في صحراء التيه وكلهم أمل بالعودة إلى حيث كانوا.
مش مستعجلين على العودة إلى قرانا ومدننا التي هجرنا منها، نحن نعرف المتاعب التي نحن بصددها، ونحن ندرك أن عدونا يريد استئصالنا ثقافيا وجسدياً، ونعرف أن عدونا يراهن على عامل النسيان بعد موت الجيل الأول من اللاجئين، لكن سيفشل كما فشل في الكثير من المحاولات المسمومة لتفريغ قضيتنا من مضمونها الإنساني والحقوقي والوطني باستخدام أشباه السياسيين وأنصاف الوطنيين الذي تحولوا لأدوات في يد دولة الاحتلال الإسرائيلي وبلاد العم سام.
نحن نعرف أننا نشكل منجم ذهب لحفنة من المنحرفين الذي ينفذون سياسات عدائية ممنهجة بأمر سيدهم، هؤلاء لا يعرفون ما معنى الحتمية وما معنى الجينات، هؤلاء يجهلوا ماذا يعني برد اللجوء الذي يرافقك من مهدك إلى لحدك، ولا يعوا معنى أن تكون بلا قضية وهدف وان تتحول للحم مكدس في المخيمات، ونحن نعرف أنهم يستغلون جوعنا وتجهيلنا غير عارفين أن ثقافة اللجوء لا تقتصر على الكتب والأكاديميين لأنها واقع معاش رغم المتغيرات التي أحدثتها مجموعات الانجزة في المخيمات.
مش مستعجلين على العودة ولسنا خائفين من عدم تحقق الحلم، نحن نخاف من بعض أبناء جلدتنا الذين يستغلون كل فرصة لتوجيه الطعنة كل الطعنة لحلما المقدس، هذا الحلم الذي لم يتحقق في زمن آباءنا وأجدادنا وقد لا يتحقق في زمن أولادنا ولكن الأكيد أن أحفادنا سيعودون، هي حتمية لا مناص منها أننا سنعود من خلال الأحفاد، وقد يكون هذا بعد ثلاثة أجيال أو أربعة أجيال أو عشرة المهم أننا سنعود.
نحن سنعود، حتما سنعود، وحتى يكون لعودتنا معنى يفترض أن نحافظ على ثقافتنا كلاجئين عاشوا وماتوا في الحلم وللحلم بعيداً عن التلاعب بالكلمات وقلب الحقائق وتيئيس الناس من خلال الأدوات التي تعتقد إنها نمور ونحن نعرف إنها نمور من ورق حالها كحال الفراشة السوداء التي يحرقها نور الحقيقة.
مش مستعجلين على العودة إليها، لأننا نعتنق الحقيقة، ومقتنعين بان الإنسان قضية وموقف وخزان، لكننا لا نرتكن إلى الحقيقة والقضية فقط، ولا نعتمد على الحتمية والمتغيرات الموضوعية، فالقضية بحاجة إلى فعل، والفعل بحاجة إلى أدوات لا تهاب من يمتلكون إمكانيات التخريب الثقافي، نحن نراهم يتحدثون عن حق العودة وهم كاذبون مضللون يهدفون إلى تمرير الخراب وبيع البلاد والعباد.
في الذكرى أل 63 لنكبتنا لا بد من المكاشفة وبعض الحقيقة، وخاصة أنني شاركت في مسرة العودة مع أكثر من خمسة الآلاف من أبناء المحافظة، وأنا اعتقد أن المكاشفة هي نصف العلاج، والنصف الأخر هو طرح الحقيقة كل الحقيقة، ففي الذكرى أل 60 لنكبة الشعب الفلسطيني قرر بعض اللاجئين عمل اكبر مفتاح ليكون ضمن بوابة العودة على مدخل مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم، ولم يكن المقصود اكبر أو اصغر، لكن الهدف كان المفتاح الذي يشكل رمزا.
كان على رأس هذا العمل الضخم اللاجئ منذرة عميرة الناشط في قضايا اللاجئين، وللحقيقة تابعت تفاصيل المفتاح والبوابة وخاصة أنها لا تبعد عن معسكر جيش الاحتلال الإسرائيلي سوى عشرات الأمتار، كان الخوف من إجراءات الاحتلال الإسرائيلي الذين لا يفوتون فرصة إلا ويستغلونها للتنغيص علينا، غير أن الطعنة جاءت من أبناء جلدتنا الذين حاولوا تحريك البلدية لمنع تصب البوابة والمفتاح لكنهم فشلوا، هؤلاء نصبوا أنفسهم زعامات ومخاتير للاجئين، لكنهم بعيدين بعيدون كل البعض عن قضيتنا وهدفهم هو مصالحهم وجيوبهم.
هذا العام كان حافلا في محافظة بيت لحم، حيث تداعت الفعاليات والمؤسسات للنهوض بالذكرى، وتم إقرار تشكيل لجان حق العودة التي تعمل على تعزيز وتكثيف النشاطات الجماهيرية التي تعزز ثقافة النكبة، وأنا هنا لا أتحدث عن الثقافة المسطحة التي حالها حال الوجبة الجاهزة، انأ أتحدث عن ديمومة التعاطي مع قضيتنا، وهذا يتطلب انخراط اكبر عدد ممكن من الناس في لجان حق العودة بعيداً عن مؤسسات الانجزة التي تعتقد أنها تمتلك القوة السحرية في استقطاب الناس طالما أنها تمتلك المال.
كم هو مخيف المال الوسخ، وكم هو مخيف أن نتعامل مع شعبنا وجماهير مخيماتنا ككم بشري يجتمعون بضربة نرد، فشتان ما بين الانجزة والعمل الجماهيري الذي هو العمود الفقري لنشر الوعي بقضيتنا، فالا نجزه والوعي والفعل ضدان لا يلتقيان، حتى لو شاهدنا مظاهر الحمل الكاذب الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقد يكون أن الأوان لقول كلمة الحق التي نرددها دائما في وجه الظلم والظلام بان يكفي أن تسير الأمور على رأسها لان الوضع الطبيعي أن نمشي على أقدامنا

CONVERSATION

0 comments: