يقوم رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب الليكود اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو بدور الناصح الأمين للشعب الفلسطيني، ولرئيس السلطة الفلسطينية، مبدياً حرصه على الشعب الفلسطيني، واهتمامه بمشاكله وهمومه، وقلقه على مستقبله ومصالحه، وخوفه من المصير المجهول الذي يتهدده، وكأنه ليس مصدر الخطر الذي يحدق بالفلسطينيين، وأنه ليس صانع الموت الذي يلاحقهم، وأنه ليس المغتصب لأرضهم، والمعتدي على حقوقهم وحياتهم وممتلكاتهم، وأنه وكيانه ليسوا السبب في كل ما يتعرض له الفلسطينيون من محنٍ ومصائبٍ وابتلاءات، إنه يذكرنا بقصة الثعلب الذي تقمص يوماً ثياب الصالحين، ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين، ويحذر فريسته من كيد المخادعين، وينبهها من مغبة الوقوع في شراك الأشرار والخائنين، بينما نسي أسنانه التي يسيل منها دم ضحاياه.
ينصح نتنياهو السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بعدم الاتفاق مع حركة حماس، وعدم تنفيذ بنود المصالحة معها، فهي حركةٌ إرهابية، تتطلع إلى تحرير فلسطين، وإقامة دولةٍ فلسطينية سيدة حرة ومستقلة، فوق كامل التراب الوطني الفلسطيني من البحر إلى النهر، وهي تتمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم ومتلكاتهم، وترفض حلول التعويض والتوطين واستبدال الأوطان، وتؤمن بحتمية زوال دولة إسرائيل، ورحيل المستوطنين عن أرض فلسطين، وتؤمن بالمقاومة المسلحة طريقاً لتحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، وتعتقد بأن زمن الهيمنة الإسرائيلية قد ولى، وأن إمكانية هزيمتها وتحقيق النصر عليها أصبح ممكناً، وهي حركةٌ ترفض الاعتراف بشرعية الدولة العبرية، وتنكر كافة الاتفاقيات التي وقعت معها، ولا تعترف بمفاعيل الإتفاقيات الأمنية والسياسية، وهي حركةٌ تتعاظم قوتها العسكرية، وتتضاعف أعداد مناصريها ومؤيديها، ولهذا فإن الاتفاق معها سيعرض السلطة الفلسطينية إلى الخطر، وسيخلق لها مشاكل كثيرة مع المجتمع الدولي، التي ستمتنع عن التعاون معها ومساندتها، وربما يزيد اتفاقها مع حركة حماس من أزمتها المالية، وسيعرض مؤسساتها ومرافقها الإقتصادية إلى مخاطر عديدة.
وينصح نتنياهو الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية بضرورة الحفاظ على حال الفرقة والإنقسام، ويحذره من النتائج السلبية التي ستترتب عليه نتيجة المصالحة الفلسطينية، إذ ليس من صالح السلطة الفلسطينية أن تعود اللحمة والتواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، بل إن من صالح السلطة الفلسطينية أن تحافظ على حالة الفصل القائمة، وأن تحول دون إعادة الوحدة إلى صفوف الشعب الفلسطيني، فحركة حماس حركةٌ قوية متجددة، وهي حركةٌ متشعبة وممتدة، ومؤيدوها ينتشرون في كل مدن الضفة الغربية، وهم كالخلايا النائمة، ينتظرون فرصة الاتفاق لينطلقوا من جديد، ويستعيدوا قوتهم التي ضبطتها أجهزة أمن السلطة، ومنعت انتشارها وامتدادها، وقد يكونون في الضفة الغربية أقوى من نظرائهم في قطاع غزة، عدداً وقدراتٍ مالية وإمكاناتٍ عسكرية، بما قد يشكل خطراً على قوة ونفوذ السلطة الفلسطينية.
وينصح نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية بعدم تشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وأن يحافظ على الحكومة الفلسطينية الحالية، وأن يبقي رئيسها سلام فياض رئيساً لها، فهو القادر على جلب الاعتراف الدولي بالحكومة الفلسطينية، وهو القادر على استدرار أموال الدعم والمساعدة الدولية، وهو القادر على استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، ويحذره من مغبة تشكيل حكومةٍ فلسطينية تضم بين أعضاءها وزراء من حركة حماس، إذ من شأن حكومة الوحدة الفلسطينية أن تجر الويلات على الشعب الفلسطيني، وأن تدفع المجتمع الدولي إلى مقاطعة السلطة الفلسطينية، وتشديد الحصار عليها، والامتناع عن التعاون معها، وتضيق الخناق على الشعب الفلسطيني كله، إذ أنها لن تكون حكومة سلام، ولن تستطيع أن تكون شريكاً حقيقياً على طاولة المفاوضات، في الوقت الذي تستمر أطرافها في إطلاق الصواريخ على المستوطنات والبلدات الإسرائيلية، ولهذا فهو ينصح رئيس السلطة الفلسطينية بأن ينحاز له، وأن يفضل السلام معه، وأن يدير ظهره إلى حركة حماس، إذ أن المستقبل معه واعدٌ وزاهر، بينما سيكون مدمراً له ولسلطته إن هو فضل المصالحة مع حماس على خيار السلام مع إسرائيل.
ويحذر نتنياهو من أن حكومة الوحدة الفلسطينية لن تتمكن من إعادة إعمار قطاع غزة، فإسرائيل لن تسمح لأي حكومةٍ فلسطينية تكون حركة حماس جزءاً منها، من إدخال مواد البناء والتعمير إلى غزة، وأنها ستقف بالمرصاد لكل من يحاول المباشرة في البناء والإعمار دون موافقة حكومته، محذراً من مغبة اختبار جدية نواياه، أو اختبار قدرات جيشه العسكرية، فهو جادٌ في تهديداته، وجيشه قادرٌ على تنفيذ مخططاته وأهدافه، وحماية أمن كيانه وحياة مواطنيه.
الإسرائيليون جميعاً لا يحبون الخير لنا، ولا يسعون لمصالحنا، ولا يهتمون بقضايانا، ولا يألمون لنا، ولا يحزنون لحزننا، إنهم يفرحون لمعاناتنا، ويخططون لأذيتنا والإساءة لنا، إنهم لن يرضوا عنا حتى ولو اتبعنا ملتهم، وأصبحنا مثلهم، أو عملاء لهم، أو خدماً لمشاريعهم، إن جل همهم أن يستولوا على أرضنا، وأن يحوزوا على خيراتنا، وأن يخضعونا لنفوذهم، لننسى أرضنا، ونفرط في حقوقنا، وألا نشكل خطراً على كيانهم ومستقبل وجودهم، ويخطئ كل من يركن إلى الإسرائيليين ويظن بهم خيراً، فالمفاوضات معهم وهمٌ وسراب، والطريق معهم تشردٌ وضياع، والثقة بهم خبل، وتجربتهم من جديد سخافةٌ وقلة عقل، والاعتقاد بصدقهم سذاجة، وانتظار عدلهم كتوقع ظلٍ في رابعة نهار صيفٍ في صحراء قاحلة، إنهم بالمفاوضات لن يمنحونا حقنا، ولن يخرجوا من أرضنا، ولن يخضعوا للقوانين ولا للشرائع الدولية، ولن يتوقفوا عن ظلمنا وقتلنا واعتقالنا وطردنا وتشريدنا ومصادرة أرضنا وسلب المزيد من حقوقنا، ولهذا فإن الأمل أن يدرك رئيس السلطة الفلسطينية أن المصالحة الوطنية هي الخيار الأصح، وهي الرهان الصحيح على الحصان الرابح، وهي خيار الشعب الفلسطيني، وأمنية الأمة العربية والإسلامية، وطموح الخيرين والصادقين في هذه الأمة، أما الرهان على المفاوضات مع العدو والركون إلى وعوده، فهو رهانٌ على حصانٍ معقورٍ خاسر.
0 comments:
إرسال تعليق