‫فساد ذات البين/ نرمين كحيلة

من أبشع الوسائل التى يلجأ إليها الانقلاب هو إفساد ذات البين فى المجتمع المصرى وهذا ما نلاحظه بوضوح فى البيت الواحد ، بين الزوج وزوجته فهذه زوجة تطلب الخلع من زوجها بعد زواج استمر عشر سنوات لأنه يؤيد الشرعية وهذا أخ يعادى أخاه لأنه مع الشرعية وهذا أب يغضب على ابنه وربما يقاطعه أو يطرده من البيت لأنه يختلف معه سياسيا ، أصبح هناك خلاف وتناحر وصراع بين أبناء الأسرة الواحدة وهذا هو أسلوب الاحتلال فى كل زمان ومكان فلنتذكر معا الاحتلال الانجليزى حين حاول التفريق بين المسلمين والأقباط فكان الشعب المصرى ذكيا إلى حد أنه أفسد مخططاته بأنه نادى بشعار:عاش الهلال مع الصليب ، وكان القسيس يذهب إلى المسجد ويده فى يد أخيه المسلم ويخطب فى المسلمين بضرورة الاتحاد فى مواجهة الاحتلال ويذهب الشيخ المسلم إلى الكنيسة ليخطب فى المسيحيين .. 

إن أسلوب فرق تسد هو ما يتبعه سارقو الوطن الآن. جاهدوا بكل ما أوتوا من قوة للتفريق بين عنصرى الأمة المسلمين والمسيحيين عن طريق حرق الكنائس ونسبتها إلى الاخوان ولإزكاء روح الكراهية للتفريق بين المؤيدين والمعارضين عن طريق الأغانى أنتم شعب ونحن شعب لنا رب ولكم رب ، وتفويض المؤيدين للبطش بالمعارضين والتفريق بين الفصائل المختلفة ليبراليين ، يساريين ، علمانيين ، سلفيين ، إخوان ....إلخ. وعندما تتناحر كل هذه الفرق يسود هو ويستغل كل فصيل لمصلحته.

ليتنا نكون بمستوى ذكاء أجدادنا فى عهد الاحتلال الانجليزى ونفهم اللعبة ونفوِّت الفرصة عليهم لتفتيت الشعب المصرى. 
إن المحبة والأخوة أساس التكافل الاجتماعي، وبناء المجتمعات، وإن قوتها، ومتانتها، وعظمتها، إنما يكمن في الأخوة، وإصلاح ذات البين، ولهذا المعنى العظيم ضرب لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة، ليس كلاماً فحسب، بل فعلاً وتطبيقاً على واقع الحياة، ذلك المثل الذي ضربه عندما هاجر إلى المدينة المنورة، حيث عمل بهذا المعنى العظيم، وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، تلك القبيلتين المتناحرتين؛ لأنه علم- صلى الله عليه وسلم- أن فساد ذات البين هي السبب في تشتت المجتمعات، وتفرقها، وضعفها، وتخلفها، ولهذا المعنى السيء حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- من فساد ذات البين، وبيَّن خطرها، وأنها تحلِق الدين، الذي هو أعظم شيء عند المسلم، فعن أبى هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تسلموا ولا تسلموا حتى تحابوا، أفشوا السلام تحابوا، وإياكم والبغضة فهي الحالقة، لا أقول لكم تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين) وعند الترمذي:(إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة) قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ومعنى قوله: "وسوء ذات البين" إنما يعني العداوة والبغضاء، وقوله الحالقة يقول:" إنها تحلق الدين".
و عن أبي الدرداء-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة؟. قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة"
قال المناوي: "إياكم وسوء ذات البين" أي التسبب في المخاصمة والمشاجرة بين اثنين، أو قبيلتين بحيث يحصل بينهما فرقة أو فساد، فإنها أي: الفعلة أو الخصلة المذكورة، الحالقة أي تحلق الدين. قوله: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة" المراد بهذه المذكورات النوافل دون الفرائض. قال القاري والله أعلم بالمراد: "إذ قد يتصور أن يكون الإصلاح في فساد يتفرع عليه سفك الدماء، ونهب الأموال، وهتك الحرم أفضل من فرائض هذه العبادات، وقيل المراد بذات البين المخاصمة والمهاجرة بين اثنين بحيث يحصل بينهما بين فرقة والبين من الأضداد الوصل، والفرق وفساد ذات البين الحالقة أي هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين وتستأصله كما يستأصل الموس الشعر.قضائها على فرض تركها فهي من حقوق الله التي هي أهون عنده سبحانه من حقوق العباد"
وفي الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها؛ لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق بين المسلمين. قال تعالى:"ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" 
يقول سلمان بن يحي المالكي: لا ريب أن الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة الَّتي يوغر بها صدور الخلق ، لينفصلوا بعد اتحاد ، ويتنافروا بعد اتفاق ، ويتعادوا بعد أُخوَّة ، وقد اهتمَّ الإسلام بمسألة احتمال وقوع الخلاف بين المؤمنين وأخذها بعين الاعتبار ؛ وذلك لأن المؤمنين بَشَر يخطئون ويصيبون ، ويعسر أن تتَّفق آراؤهم أو تتوحَّد اتجاهاتهم دائماً ، ولهذا عالج الإسلام مسألة الخلاف على اختلاف مستوياتها بدءاً من مرحلة المشاحنة والمجادلة ، ومروراً بالهجر والتباعد ، وانتهاءً بمرحلة الاعتداء والقتال ، والإسلام دين يحث على الصلح ويسعى له وينادي إليه ، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين ، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة . 

إن الإصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو خير كله " والصلح خير " [ النساء : 128 ]
الإصلاح عنوان الإيمان "إنما الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ " [ الحجرات : 10 ] 
والذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه وخبثت نيته وساء خلقه وغلظت كبده فهو إلى الشر أقرب وعن الخير أبعد . 
والمصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها ، نفسه تواقة للخير مشتاقة ، يبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح هلكت الشعوب والأمم وفسدت البيوت والأسر وتبددت الثروات وانتهكت الحرمات. 
ومن عظيم رحمة الله وعفوه ورحمته أنه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي ؟ فقال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال أحدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من أخي ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ للطالب : فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري ، قال : وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال : إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يحمل عنهم من أوزارهم ، فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا ؟ أو لأي صديق هذا ؟ أو لأي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن أعطى الثمن ، قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه ، قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن أخيك ، قال : يا رب فإنى قد عفوت عنه ، قال الله عز وجل : فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك " اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإن الله يصلح بين المؤمنين " [ رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ] 

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ " (رواه البخاري)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا " [ رواه البخاري ] 
فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا " [ الحجرات : 9 ]
" لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاح بَيْنَ النَّاسِ " [النساء :114]

قال تعالى " فمن خاف من موصٍ جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم " [ البقرة : 182 ] 
* قال تعالى " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم " [ البقرة : 224 ] 
* قال تعالى " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما " [ النساء : 114 ] 
* قال تعالى " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " [ النساء : 128 ] 
* قال تعالى " ... فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما " [ النساء : 129 ] 
* قال تعالى" إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون " [ الحجرات : 10 ] 

" وأًصلحوا ذات بينكم ". ومعنى ذات البين : صاحبة البين ، والبين في كلام العرب يأتي على وجهين متضادين : 
1. الفراق والفرقة ومعناه : إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين بإزالة أسباب الخصام والتسامح والعفو ، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحل عقدة الفرقة . 
2. الوصل ومعناه : ومعناه : إصلاح صاحبة الوصل والتحابب والتآلف بين المسلمين ، وإصلاحها يكون برأب ما تصدع منها وإزالة الفساد الذي دبّ إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا " [ الأخلاق الإسلامية للميداني 2/230 ] 

قال تعالى " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين " [ الأعراف : 170 ] 
قال تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين " 
* " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال : صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة " [ رواه أبو داود ] 
* " كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار على أن يعقلوا معاقلهم ، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف [ العاني الأسير ] والإصلاح بين المسلمين " [ رواه أحمد ] 
" تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا شريك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا " [ رواه مسلم ] 
" ما عمل ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة , وصلاح ذات البين , وخلقِ حسن " ، "كل سلامي من الناس عليه صدقة ، كل يوم يعدل بين الناس صدقة " [ رواه البخاري ] 
قال أنس رضي الله عنه " من أصلح بين اثنين أعطـاه الله بكل كلمة عتق رقبة " 

نحن مأمورون بالصلح بين المتخاصمين حتى ولو بالكذب ورغم أن الكذب حرام فى الإسلام إلا أنه أباح لنا الكذب فى ثلاثة مواضع أحدهم إصلاح ذات البين أى يذهب الشخص المصلح لأحد المتخاصمين فيقول له:فلان يذكرك بالخير ويذهب للطرف الآخر فيقول فلان يذكرك بالخير حتى يصلح بينهما حتى أنه يجوز للرجل أن يكذب على زوجته يقول لهان انه يحبها ليصالحها وتستقيم الحياة بينهما.. عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول " لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي [ بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وصلاح وبالتشديد الإفساد ] خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا " [ رواه البخاري ] 

قال بن شهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها " [ رواه البخاري ] 

قال بن القيم رحمه الله " فالصلح الجائز بين المسلمين هو يعتمد فيه رضي الله سبحانه ورضي الخصمين ، فهذا أعدل الصلح وأحقه ، وهو يعتمد العلم والعدل ، فيكون المصلح عالما بالوقائع ، عارفا بالواجب ، قاصدا العدل ، فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم " 
وكما يقول الشاعر:
إن المكـارم كلها لو حصلت ...... رجـعت جمـلتها إلى شـيئين 
تعظيم أمر الله جـل جـلاله ...... والسعي في إصلاح ذات البيـن 
فيا ليتنا ننتبه قبل فوات الأوان ونبدأفى إصلاح ذات بيننا.

CONVERSATION

0 comments: