قوانين الإرهاب، الديمقراطية والحريات/ عباس علي مراد

يعتبر الِأمن القومي من المسائل الحساسة حتى انه في معظم الأحيان تُتخذ إجراءات وتُعدّل قوانين بدون العودة للناخبين وبعيداً عن اللعبة الديمقراطية، حيث ان الحكومات تعتبر نفسها مسؤولة امام موطنيها عن حمايتهم  وامنهم،لكن الى اي مدى يستطيع المواطنون التنازل عن حرياتهم وخصوصياتهم ؟
أعلنت حكومة رئيس الوزراء طوني أبوت الثلثاء 05/08/2014 عن تخصيص مبلغ 630 مليون دولار للأجهزة الأمنية على اربع سنوات لمحاربة نمو ظاهرة الإرهاب المحلّي، بالإضافة الى الدعم المالي أعلن رئيس الوزراء عن منح صلاحيات اضافية للأجهزة الامنية لتوقيف واستجواب الجهاديين الذين يحاربون مع الجماعات الإرهابية في الخارج كسوريا والعراق بدون امر قضائي، ومن ضمن الإجراءات يعتبر السفر الى دول معينة (سوريا العراق)حيث تنشط الجماعات الإرهابية جريمة إلا اذا كان هناك سبب قانوني وسيطلب من الشخص المعني اثبات قرينة البراءة عن عدم  القيام باعمال ارهابية في حال زيارته تلك الدول، وقد شملت التعديلات المقترحة على قوانين الإرهاب الطلب من شركات الإتصالات الإحتفاظ الإلزامي بالمعلومات بما يعرف ب (ميتاداتا) * لمدة عامين. إعطاء صلاحيات اضافية لوزير الخارجية لإلغاء جوازات السفر لإشخاص مشتبه بهم، وتتضمن الصلاحيات الجديدة تعزيز التعاون مع أجهزة الإستخبارات الأجنبية لجمع الأدلة عن جرائم ترتكب في الخارج.
رئيس الوزراء اعتبر أن كل ما تقوم به الحكومة من اجل الحفاظ على سلامة المواطنين (س م ه 06/08/2014 ص 5) وحسب نفس المصدر اعتبرت وزيرة الخارجية جوليا بيشوب ان هذه الإجراءات ضرورية بسبب نمو ظاهرة الإرهابيين المحليين المتشددين والذين قد يلجأون لإستعمال مهاراتهم للقيام بهجوم في استراليا.
الناطق بإسم المعارضة الفيدرالية للشؤون القضائية مارك دريفوس قال ان المعارضة سوف تدقق بالقوانين المقترحة عندما تطلع عليها من الحكومة واعتبر ان هناك قلق عند منح صلاحيات اضافية للشرطة والأجهزة الأمنية، وعلينا التأكد ان التغييرات المقترحة على قوانين الأمن الوطني  يجب ان تتوافق مع القيم الأسترالية ومنها قيم الحرية والمجتمع الديمقراطي (صحيفة س م ه 06/08/2014 ص 5).
زعيم المعارضة الفيدرالية بيل شورتن شنّ هجوماً عنيفاً على المدعي العام الفيدرالي جورج براندس متهماً اياه بتعريض الأمن الوطني للخطر بسبب اولوياته الخاطئة، قاصداً  تركيز براندس على تعديل قوانين الذم العنصري وخصوصاً المادة 18 س والتي اعلنت الحكومة التخلّي عنها اثناء اعلانها عن القوانين الجديدة لمكافحة الإرهاب، وقال شورتن ان هناك توافق بين الحزبين العمال والأحرار في اللجنة البرلمانية لشؤون الأمن والتي قدمت 43 توصية لتعزيز قوانين الأمن الوطني في حزيران من العام الماضي (صحيفة س م ه 08/08/2014 ص 9).
تعرضت التعديلات المقترحة على قوانين الأمن الوطني لإنتقادات من بعض المجموعات الإسلامية منها مجلس الإئمة الوطني الأسترالي الذي تعهد  القيام بحملة ضد التعديلات المقترحة، وكذلك ادانت الجمعية الإسلامية اللبنانية التعديلات المقترحة معتبرة انها تستهدف الجالية الإسترالية الإسلامية (صحيفة س م ه 08/08/2014 ص 9). على ما يبدو برز تخوّف الجالية الإسلامية حيث خصّ رئيس الوزراء الجالية الإسلامية بالإسم عندما دعا للوحدة الوطينة حين قال: من أجل محاربة الإرهاب كل واحد منا يجب ان يكون جزءاً من فريق استراليا مضيفاً بأننا مصممون التعاون عن قرب والتشاور مع أبناء المجتمع بما فيهم المسلمين الأستراليين.
في مقالة لكريس بيرغ (مدير الشؤون السياسية في معهد الشأن العام) كتبها في صحيفة صن هيرالد 03/08/2014 بعنوان مشروع قانون الأمن يقوَض حريتنا معتبراً ان الإرهاب تهديد فعلّي لكنه ليس شيكاً على بياض لتشريع التغيير. وفي مقالة للكاتب وليد علي في صحيفة سدني مورنيغ هيرالد 08/08/2014 عنون مقالته ب " حرية التعبير ليست هدية للمتاجرة بها"، واعتبر جورج ويليامز مدرّس مادة القانون في جامعة نيوسوث ويلز ان تعديل قوانين مكافحة الإرهاب تشكّل خطراً على الديمقراطية خصوصاً ان القوانين المقترحة ستعمل على تثبيت القوانين المؤقتة المعمول بها من العام 2005  والتي يتوقف العمل بها تلقائيا العام 2016،ويضرب مثلاً السماح بإحتجاز الأستراليين الأبرياء في اماكن سرية واستجوابهم من قبل (آزيو) تناسب اكثر الأنظمة الدكتاتورية صحيفة سدني مورنيغ هيرالد 11/08/ 2014 ص 31 ويستشهد ويليامز بأقوال المراقب المستقل المشرف على مراقبة قوانين مكافحة الإرهاب القانوني بريت وولكار الذي اوصى بإلغاء التوقيف الأحترازي وأمر المراقبة وتطبيقها فقط على المتهمين بالإرهاب بعد إطلاق سراحهم، ويدعو بريت وولكار الى سحب صلاحيات (آزيو) الخاصة لإحتجاز المواطنين.
هنا يتبادر الى الذهن السؤال، كيف سيتم الإشراف على تطبيق القوانين المقترحة اذا كان المدعي العام الفيدرالي جورج براندس قد وجد صعوبة في شرح البنود العلنية من القوانين المقترحة، بالإضافة الى التناقض بين اقوال رئيس الوزراء والوزير برانديس فيما يتعلق بالإحتفاظ بالمعلومات (ميتا داتا)؟ وسؤال آخر لماذا تم استبعاد وزير الإتصالات مالكوم تيرنبيل وعدم اطلاعه على مشروع القانون المقترح والذي علم به من الصحف علماً انه الوزير المختص، حيث يتم عادة دعوة الوزير المختص للمشاركة في اجتماعات مجلس الأمن الوطني في حال كانت الأمور المطروحة تتعلق بوزارته، وهذا ما يطرح علامات استفهام ومخاوف عبّر عنها القانونيون والصحافيون الذين استشهدنا في اقوالهم في متن المقالة عن الحريات والدمقراطية اذا كانت الثقة مفقودة بين الفريق الحكومي فمن يطمئن المواطن العادي؟! نشير هنا الى ان الوزير مالكوم تبرنبول كان قد ابلغ زملاءه ان الحكومة تخاطر وستواجه صعوبات غير ضرورية بدفعها الى الامام بمشروع الأحتفاظ بالمعلومات (ميتاداتا)اذا لم نستطع فهم كل التفاصيل المتعلقة بالقانون المقترح صحيفة(س م ه 9-10  اب 2014 ص 33 قسم ما وراء الاخبار)
وهنا تجدر الاشارة الى ان الوزير مالكوم تيرنبول والوزير برندس اثناء وجودهما بالمعارضة في العام 2012  كانا من اشد المعارضين وبالمطلق للأحتفاظ بالميتاداتا التي اقترحتها حكومة العمال السابقة . 
واخيراً وحتى نطلع على كافة التفاصيل المتعلقة بالتعديل المقترح لقوانين الارهاب  نتساءل من سيدفع تكاليف الاحتفاظ بالمعلومات والتي تقول شركات الاتصالات انها تكلف عشرات الملايين من الدولارات وكيف يمكن للأحتفاظ بالمعلومات من منع العنف المرتقب ؟
*ميتاداتا تعني الاحتفاظ بالمدة الزمنية التي استغرقتها المكالمة الهاتفية والمكان الذي تواجد فيه الشخص اثناء المكالمة الشخص المتلقي للمكالمة وليس مضمون المكالمة

Email:abbasmorad@hotmail.com

CONVERSATION

0 comments: