مفاوضات غير مباشرة/ بهاء رحال


مفاوضات غير مباشرة كما جرى تسميتها أو كما اختير لها أن تكون بعد فشل الإدارة الأمريكية في الضغط على إسرائيل لقبول اشتراطات العودة الى المفاوضات المباشرة والتي توقفت نتيجة الممارسات الإسرائيلية ومواقف الحكومة اليمينية في إسرائيل من عملية السلام ورفضها المستمر للانصياع للاستحقاقات التي اقرها المجتمع الدولي لنجاح عملية التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وبعد أشهر طويلة وزيارات مكوكية للمبعوث الأمريكي الخاص بعملية السلام الى المنطقة والتي توجت جميعها بالفشل ، حيث لم تستطع الولايات المتحدة وإدارتها الجديدة التأثير على المواقف الإسرائيلية المتعنتة أو إقناع حكومة نتنياهو بضرورة التوقف عن وضع مزيد من العراقيل أمام العملية السلمية المتعثرة أصلاً منذ وقت طويل بسبب تلك العراقيل ، فشل لم يكن متوقع من إدارة اوباما التي أبدت تفهماً كبيراً وألقت وعوداً كثيرة في بداية عهدها ، لكن هذه الوعود سرعان ما تلاشت أمام التعنت الإسرائيلي الذي يقوده اليمين في إسرائيل بلا حدود ليكون دليلاً قاطعاً على عدم جدية الجانب الإسرائيلي في عملية السلام .


عاد من جديد ميتشل ، المبعوث الأمريكي الخاص الى المنطقة ، الذي لم ييأس من تكرار حالات الفشل التي تعرضت لها جولاته المتكررة الى المنطقة ، لكنه هذه المرة يعود على أمل النجاح وقد توصل أخيراً الى الاتفاق على شكل جديد مختلف للمفاوضات بين الجانبين ، واتفق الجميع على تسميتها بالمفاوضات غير المباشرة حيث يكون فيها الطرف الأمريكي وسيطاً لتقريب وجهات النظر حول المقترحات الأمريكية والرؤيا الخاصة بالتسوية السلمية والتي اقترحتها الحكومة الأمريكية الجديدة ، ضمن مفهوم واضح وصريح حول حل الدولتين ، ولكن أي مفاوضات هذه التي سيكون فيها الطرف الأمريكي وسيطاً وهو المنحاز دوماً لدولة الاحتلال في كل الحالات فأي وساطة هذه التي لن تجلب إلا مزيداً من الانحياز ومحاولات الضغط على الجانب الفلسطيني .


بين رام الله وتل أبيب ، تتكاثف جهود جورج ميتشل على أمل أن يستطيع هذه المرة من إقناع الجانبين بقبول إطلاق المفاوضات غير المباشرة في ظل أجواء ضبابية تلوح بالأفق خاصة مع إصرار الحكومة اليمينية في إسرائيل على مواقفها الرافضة للتوقف عن بناء الوحدات الاستيطانية بشكل كامل ومحاولاتها في تضليل الرأي العام وخداع القيادة الفلسطينية بتصريحات مختلفة بين الفينة والأخرى ، وسعيها لفرض حقائق على الأرض بالقوة والعربدة التي تمارسها ومعها قطعان المستوطنين الذين لا يتوقفون عن أعمالهم العدوانية تحت غطاء جيش الاحتلال الذي يقوم بتسهيل عملياتهم الإجرامية .


وبين هذا وذاك فان القيادة الفلسطينية قد أظهرت حنكة كبيرة في تعاملها مع العقلية الإسرائيلية المتطرفة وقد حققت انتصارات سياسية ، فضحت من خلالها السياسات التي تتبناها حكومة اليمين في إسرائيل واستطاعت أن تتعامل بذكاء كبير في مواضيع كثيرة من أبرزها المفاوضات التي لم تعد بعد اليوم تخضع للمزاجية السياسية الإسرائيلية ، ولم تعد تخضع الى جملة المطالب والاشتراطات الإسرائيلية فقط بل أن هنالك شروط متبادلة على الطرفان أن يقوموا بها ، وهذا بحد ذاته إحدى الانتصارات التي حققتها القيادة الفلسطينية ، فلم يعد بعد اليوم الطرف الفلسطيني رهينة للمطالب الكاذبة الإسرائيلية في لعبة الانحياز الأمريكي الدائم لإسرائيل وخداع المجتمع الدولي عبر مجموعة الأكاذيب التي كانت تسوقها في السابق ويصدقها العالم .


إن المفاوضات الغير مباشرة التي يسعى ميتشل لإطلاقها بعد أيام لن تفضي الى نتيجة لان المشكلة هي بالأصل ليست بشكل المفاوضات وإنما بنوايا الجانب الإسرائيلي الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وما أقرته له هيئات الأمم واعترف العالم كله بهذه الحقوق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وهنا تبدوا النتيجة واضحة قبل أن تنطلق هذه المفاوضات طالما بقيت الحكومة الحالية تتربع على عرش القرار السياسي في إسرائيل ، فليست المشكلة هنا في شكل عملية التفاوض وإنما بقدرة الوسيط الأمريكي على تقديم ضمانات حقيقية وجادة ، الى جانب استعداد الجانب الإسرائيلي لتنفيذ كافة استحقاقات عملية السلام .



وهنا وبعد سنوات طويلة من المفاوضات المباشرة والغير مباشرة وفي ظل عقلية الحكومة الإسرائيلية الحالية التي لا تؤمن بالسلام بل تؤمن بالاستيطان والتهجير وفي وقت تقف فيه الولايات المتحدة عاجزة عن إلزّام إسرائيل بتطبيق استحقاقات العملية السلمية فان شكل المفاوضات الجديد لن يغير شيئاً على الأرض بل سيزيد الوضع صعوبة وتعقيداً ، وسيمنح الاحتلال غطاءً جديداً لتنفيذ جمله من الاعتداءات التي يخطط لها في شتى المجالات وبخاصة في مدينة القدس التي يسعى جاهداً لابتلاعها وابتلاع التاريخ منها.


إذا بقيت الإدارة الأمريكية على حالها بهذا الشكل ، لن يفضي هذا النوع من المفاوضات الى نتيجة وستبقى المنطقة برمتها على حالها إذا لم تتدهور الأمور أكثر ، لهذا لابد من أن تعلم إدارة الرئيس اوباما وتتعلم من أخطاء الإدارات الأمريكية السابقة وتتوقف عن انحيازها المطلق لإسرائيل وتسعى جادة لحل الصراع على أساس القرارات الدولية بعيداً عن محاولات الضغط على القيادة الفلسطينية وإلقاء اللوم عليها في وقت يرى العالم حالة التمادي والتطرف الذي تقوم به حكومة الاحتلال .

CONVERSATION

0 comments: