من المفارقات التي يعيشها الشعب الفلسطيني سيادة ثقافة التبعية لدولة الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من مجال، والتبعية هنا تؤدي إلى غياب الوعي والاستسلام للواقع تحت شعار ما باليد حيلة، لان الشعور بالدونية الاقتصادية والسياسية والثقافية يفعل فعلة في ظل سيادة الهبوط وغياب النخبة السياسية التي توضح الرؤيا لشعبها.
لقد رفعت السلطة الفلسطينية شعارها الصائب بمقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية، والحقتة بمرسوم رئاسي يعاقب كل من يتاجر بهذه المنتجات، هذا التوجه أقام الدنيا ولم يقعدها في دولة الاحتلال الإسرائيلي التي عقدت العزم على الرد بخطوات عقابية للسلطة، وجاء التهديد خلال اجتماع عقدته اللجنة الاقتصادية التابعة للكنيست ألاحتلالي التي أوصت بإغلاق الموانئ بوجه السلطة ووقف تحويل أموال الضرائب ومخصصات التامين وتحويلها لصالح دعم الصناعة الإسرائيلية كتعويض عن الخسائر التي ستسببها المقاطعة.
إن استنجاد نائب رئيس وزراء دولة الاحتلال سلفان شالوم بتوني بلير مبعوث الرباعية الدولية بالتدخل لوقف المقاطعة يؤكد الخسارة الفادحة التي لحقت بالمستعمرات الإسرائيلية جراء المقاطعة، وان قضية المقاطعة تأخذ أبعادا تتجاوز البعد الاقتصادي لأنها ترتبط بصياغة الوعي الوطني للشعب الفلسطيني في مقاومة وكشف الخطط الممنهجه التي وضعتها دولة الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الوعي الفلسطيني وتفريغه من أسباب المقاومة والفعل الإنتاجي المقاوم لدى شعبنا.
عطفا على ما سبق لابد بد من طرح الأسئلة المشروعة من وجهة النظر الفلسطينية.
هل مقاطعة البضائع الإسرائيلية تنحصر في البعد الاقتصادي المحض؟
ما هي الأبعاد الوطنية والنفسية والثقافية للمقاطعة؟
لماذا هذا الاهتمام الإسرائيلي بإغراق السوق الفلسطينية ببضائع المستعمرات؟
هل من الصعب على الشعب الفلسطيني التخلي عن المنتج الإسرائيلي؟
لماذا المقاطعة الاقتصادية فقط؟ ماذا عن المقاطعة الأكاديمية والثقافية والإعلامية؟
كيف نمتلك المعلومة والحكمة والرؤيا الواضحة التي تؤكد أن مقتلنا كشعب يكمن في التطبيع بكل أشكاله.
ببساطة وحسب المبادرة الوطنية الفلسطينية فان السوق الفلسطيني يستهلك ما يقارب ثلاثة مليارات دولار من المنتجات الإسرائيلية، وان استهلاكنا من الأدوية الإسرائيلية يفوق أل 30 مليون دولار سنويا، هذا يعني أن شعبنا يستهلك 20 % من صادرات إسرائيل من الفواكه وبعض الصناعات الغذائية.
قد يخرج علينا بعض الأكاديميين والمنظرين ليتحفونا بمعلوماتهم حول الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها السلطة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وخاصة اتفاقية باريس الاقتصادية التي تسمح بتسويق المنتج الإسرائيلي في الضفة.
وقد يتلذذ احدهم وهو يقارن بين المنتج الفلسطيني والإسرائيلي من حيث الجودة كما قال لي يوما احدهم بان بوظة شتراوس ألذ من البوظة المحلية الصنع،أو أن البنان تنوفا لها مذاق خاص مقارنة مع البنان الجنيدي وحمودة.
الحقيقة التي لا تقبل النقاش أن الشعب الفلسطيني غير ملزم بأية اتفاقيات اقتصادية لأنة يمتلك حرية التسوق، وبحكم أننا شعب يعيش تحت الاحتلال فلا ينطبق علينا قانون العرض والطلب ولا وثقافة الألذ التي يحاول البعض قاصداً تعميها في أوساطنا.
من غير المجدي إخضاع ثقافة المقاطعة للانتقائية، كأن نقاطع بضاعة المستعمرات ولا نقاطع البضائع الإسرائيلية، وان نقاطع دولة الاحتلال اقتصادياً ولا نقاطعها ثقافياً وإعلاميا، فالمقاطعة بمثابة حلقات متصلة يبعضها ولا تخضع للانتقائية، ولا اعتقد أن السلطة الفلسطينية واذرعاها تمتلك القدرة على تعميم المقاطعة لأسباب واضحة، وقد يكون المواطن الفلسطيني هو الحلقة المركزية وصاحب الفعل الأكثر تأئيراً في مقاطعة الاحتلال في كل المجالات.
صحيح أن مؤسسات التطبيع تسرح وتمر في بلدنا، هذه المؤسسات التي تعمل ليل نهار على تفريغ مجتمعنا من مضمونة وأصالته بتنفيذها برامج تجلب الدمار لشعبنا على المدى الاستراتيجي وقد بدأت ملامح هذا الدمار في الأفق بترجمة نتائجها اجتماعيا وثقافيا وأخلاقياً، إلا أنهم سرعان ما يندثروا في ظل سيادة المقاطعة وتعميمها حزمة واحدة لا تقبل القسمة.
استخلص مقتنعا شعبنا قادر على المقاطعة الشاملة إذا امتلك البوصلة والإرادة والقيادة الجماهيرية الصادقة التي تقول وتفعل، قيادة تنادي بالمقاطعة شعارنا قابل للتطبيق، ومؤسسات تتعامل مع المقاطعة كثقافة لا كشغل واجندة للوصول الى أهداف ضيقة، فالمقاطعة كشكل من أشكال المقاومة السلمية هي القادرة على النهوض بالشعار الذي يتردد حول المقاومة السلمية، لكنهم سيواجهون صعوبات في تقبلهم إذا لم ينطلقوا من الثوابت الفلسطينية، لان هدف المقاطعة والمقاومة السلمية مرتبط بالتطلعات البعيدة المدى لشعبنا.
أرى شعبنا الفلسطيني يقاطع كل ما هو إسرائيلي ويكبد دولة الاحتلال خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، وارى شعبنا ينبذ المطبعين الذي لينسلخوا عن شعبهم وقبلوا أن يكونوا خدماً لدي المؤسسات الدولية والإسرائيلية التي تعمل على اجتثاثنا ثقافياً ووطنياً، وأعود للسؤال الذي أطرحة على نفسي وعلى القاريء والمتعلق بالمقاطعة، قد تكون ألبان تنوفا ألذ من الألبان المنتجة فلسطينياً، لكنها تعود إلينا دماً وقتلاً وحصاراً واجتثائاً.
إقرأ أيضاً
-
عالم القبائل العربية عالم الأصل وتنبثق منها فروع كثيرة والشيخ الباحث منصور بن ناصر النابتي المشعبي السبيعي ( معد وموثق قبائل سبيع ا...
-
مقدِّمة : صدَرَ هذا الكتابُ عن ( الكليَّةِ العربيَّة - حيفا - مركز أدب الأطفال - ويقعُ في 24 صفحة من الحجم الكبير، تحلّيهِ بعض...
-
يُقال أعرس الشّيء أي لزِمه وألِفه. والعرس، بحسب القاموس أيضًا: امرأة الرّجل، وعرسُ المرأة رجُلُها. وعَرَس عَرْسًا، أي أقام في الفرح. ثم...
-
انتشرت العديد من الظواهر في المجتمعات العربية والاسلامية ومنها المجتمع المصري، بعد أن ظلت لقروٍن من المحظورات، ولم يكن مسموحًا الحديث عن...
-
"الفن هو تقنية الإتصال بإمتياز، الصورة هي أفضل تقنية لجميع الوسائل الإتصال". كلايس توري أولدنبورغ/ فنان نحات من السويد، أمر...
-
اعتقدوا بأن الكتابة في عهد الإنترنت هي أسهل وأقصر الطرق لنيل الشهرة والتربع على قمم النجومية. ظنوا بأنهم يستطيعون إخفاء معالم جرائمهم الأدبي...
-
المراقب والمتابع للحركة الأدبية الفلسطينية في هذه البلاد يلحظ ثمة هبوط وتدنٍ في مستوى الكتابة الشعرية الإبداعية ، خاصة لدى الشعراء الناش...
-
كنتُ أسمع عنه واشاهد صورته عبر شاشة التلفاز العراقي، يشاركني فى ذلك آلاف المثقفين وملايين العراقيين ممن أعجبوا بفنه واهتموا بمتابعة موهب...
-
من السهل على الكثيرين من صغار النفوس الوصول الى الشهرة بسرعة بواسطة العديد من قنوات الإعلام التي يملئها صدأ الفساد و النوفس المريضة، لذ...
-
عندما يكون الشاعر عاجزا إلا من قصيدته وحزنه ** نظرة على الديوان بأقسامه الثلاث: من صفات الكاتب الجيد الانتماء لوطنه لإنسانيته، ...
0 comments:
إرسال تعليق