لماذا لا يبسط الله الرزق لعباده؟/ سعيد علم الدين

من سيحمل مشعل الحرية وينتصر لثقافة التنوير وينتشل مجتمعاتنا من مستنقعات الغفلة والعتمة والجهل، منتقلا بها الى رحاب اليقظة والنور والعقل، لتتألق مع الأمم الناجحة المزدهرة المبدعة وتعلو، بدل ان تتخبط هاوية مع انسانها الى قعر القعر، تردد أمجاد ماضيها الغابر على المنابر وتجتر؟
من سيساعد مجتمعاتنا على النهوض المتجدد بالفكر الحر، بدل الدوران بنشاط محموم حول صنم الأصنام الأكبر، الذي ما نفعها يوما، ولن ينفعها أبدا، بل ضرها وما زال يضرها كخنجر مغروس في الظهر، يدمي القلب، مكسرا الأضلاع، مخترقا الصدر، قاتلا للعقلانية، عابثاً بخلايا العقل منتصرا لثقافة التفجير والتطرف والانتحار والنحر؟
من سينتشل اهلنا من هذا البحر الهائج بأمواج الخبث والفساد والغدر والخداع والنفاق والشر حيث الحكم للبلطجية والعسكر وللقوي المسيطر، وحيث السمكة الكبيرة تبلع الصغيرة في مجتمع تتكاثر فيه الوعاظ وأصحاب الفتاوي المثيرة، والقانون يطبق فقط على الضعفاء والمساكين؟
من سيحمي اهلنا من العازة والفقر والبؤس والجوع، ومن التكاثر المليوني الأعمى تحت شعار "الله بيبعت الولد وبيبعت رزقتو معو"! تطبيقا للقول القرآني في سورة العنكبوت:
"اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ" 62
وإذا جاع الإنسان ولم يجد ما يسد به رمق طفله تبرر له الآية التالية في سورة الشورى هذا الجوع قائلة:
"وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ" 27 .
وهل هناك أروع من هكذا تبرير لأمة إرضاع الكبير، لكي تعيش مدى العمر في الفاقة والتقتير؟
أي إذا بسط لها الله الرزق فستبغي في الأرض فسادا، فالأفضل أن تهرول وراء رغيف العيش جائعة وتعيش حياتها بائسة من اليد للفم !
أي ان الفقر والفاقة والجوع والعطش والتخلف والمعاناة والألم والحرمان هي حالات عادية وتحصيل حاصل يجب أن يلتزم بها المسلم المؤمن ليكتمل ايمانه كحكمة ربانية منزلة من السماء عليه ان يتقبلها شاكرا طائعا مستسلما لها بخشوع ويصلي الخمس من اجل بقائها وتعميمها على البشرية جمعاء.
ولماذا لا يبسط الله الرزق لعباده؟
لكي يجلسوا على ابواب سفارات الدول الغربية المسيحية يستجدون تأشيرة، او يدخلونها خلسة بلا تأشيرة، او يغرقوا في البحار شهداء التأشيرة.
ولكي ينقلعوا من جذورهم فرحين مهللين، ويتهجروا من مجتمعاتهم حاملين تخلفهم وجهلهم ونقابهم وحجابهم ومشاكلهم في بقاع الأرض!
وهكذا نتكاثر بالملايين وتتكاثر مشاكلنا ولا تأتي الرزقة من الله كما هو مأمول على العكس لا نجد ما نسد به رمق اطفالنا ويحقق طموحات شبابنا سوى الهجرة بالملايين بتأشيرة او بدون تأشيرة الى آفاق بلاد الغرب الديمقراطية الناجحة او البقاء في بلادنا لمن لا يملك ثمن التأشيرة والحشر مع المحشورين في مربعات الفكر الصنمي التخديري الإلهي الغارق في مستنقع الامية والجهل.
نحن لا نحتاج الى تغيير أنظمة سياسية من فوق ليتحقق النجاح في بناء دول مدنية ديمقراطية تعددية عصرية تحترم كرامة انسانها وتصون حقوقه، بقدر ما نحتاج من المثقفين الأحرار الى العمل الفكري الجريء الشجاع الجاد الذي سيؤدي الى التغيير الثقافي الجذري ولو بعد حين وستخبو مع الزمن وتعود الى حجمها الطبيعي العقلية الاستبدادية التخديرية الدينية العقائدية البدائية المتخلفة التقليدية السائدة والمهيمنة على المجتمع والشعب والحكام والسياسيين.

CONVERSATION

0 comments: