نتنياهو متصالح مع ذاته/ راسم عبيدات

........من خطاب تنصيبه كرئيس للوزراء ومروراً بخطابه في جامعة بار أيلان وانتهاء بخطابة الأخير في الذكرى الثالثة والأربعين لاحتلال القدس الشرقية أو ما يسمونه توحيدها،و"نتنياهو" يردد نفس الشعارات والمبادئ التي جرى على أساسها انتخابه هو وحكومته،بأن القدس هي العاصمة الأبدية "لإسرائيل" والبناء سيستمر فيها ويتواصل،وبغض النظر إن كان هناك مفاوضات مع السلطة الفلسطينية أم لا،بل وفي خطابه الأخير والذي جاء بعد موافقة الطرف الفلسطيني المفاوض والنظام الرسمي العربي على العودة إلى المفاوضات غير المباشرة، رد فيه بشكل واضح لا يقبل اللبس ولا التأويل وبدون خجل أو خوف أو مهادنة أو تملق لأحد على ما يشيعه الطرفين الفلسطيني والعربي الرسمي عن موافقته على وقف أو تجميد الاستيطان في القدس تارة بشكل سري وأخرى بشكل غير معلن،بأن القدس على حد زعمه لن تعود كئيبة وحزينة ومقسمة،واستحضر كل الأساطير والميثولوجيا والروحانيات والتعبيرات التوراتية والتلمودية لتبيان مدى الارتباط اليهودي بالقدس،وتصوير تاريخ الآخرين ووجودهم في المدينة بالعابر والطارئ،وفي الوقت الذي كان يلقي فيه خطابه هذا،كان مستوطنيه يقومون بحفلات رقص وعربدة ومسيرات استفزازية في البلدة القديمة من المدينة وأحيائها العربية الشيخ جراح وسلوان والمكبر وغيرها من الأحياء العربية،وبالموازاة مع ذلك كان وزير أمنه الداخلي"يتسحاق أهرونفيتش" يعلن بأن عمليات هدم المنازل في القدس الشرقية ستستأنف كالسابق،وأيضاً تم الإعلان عن إقامة أكثر من حي استيطاني في القدس بما فيها مجمع تجاري ملاصق للأقصى الشريف،وبما يوصل رسالة للسلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي بأن القيادة الإسرائيلية ثابتة على مبادئها،وبما يكشفهم ويعريهم ويظهر مدى عجزهم وعدم صدقهم أمام شعوبهم.

إن هذه القيادة بالقدر الذي تظهر مدى عداءها وتنكرها للحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني،وعدم استعدادها لتقديم أي تنازلات فيما تعتبره جزء من إستراتيجيتها ووجودها،فهي قيادة تعبر عن احترام ذاتها وشعبها لها، وتدرك أن خيانتها أو تخليها عن البرنامج الذي جاءت على أساس إلى سدة الحكم،يعني سقوطها وإنتحارها سياسياً لأن هناك من سيحاسبها .

وفي المقابل لو نظرنا للوحة العربية والفلسطينية،لوجدنا عجب العجاب،تنازلات مستمرة ولا متناهية وخيار أوحد وحيد المفاوضات المارثوانية،تحت يافطة الواقعية والعقلانية والاعتدال وحشر إسرائيل في الزاوية كشفها وفضحها إمام العالم كدولة رافضة للسلام،وغيرها من العبارات والشعارات المستهلكة والتي ليس لها أي رصيد في الواقع العملي سوى رصيد العجز والانهيار وفقدان الإرادة.

فالعرب يدركون جيداً أن مبادرتهم العربية للسلام،مبادرة "النعش الطائر" يجري ترحيلها من قمة إلى أخرى،من قمة بيروت 2002 ولغاية قمة سرت 2010،وإسرائيل ترفض هذه المبادرة حتى بالتعديلات والشروط التي تريدها،بل وإمعاناً في إذلالهم وكشف عجزهم وفضحهم وتعريتهم،ردت عليها بحروب عدوانية على الشعبين الفلسطيني واللبناني،ولعل الجميع يذكر أنه والقمة العربية منعقدة في بيروت ويعلن فيها عن طرح المبادرة العربية،كانت دبابات شارون تجتاح الضفة الغربية وتحاصر الرئيس الراحل الشهيد أبو عمار في المقاطعة برام الله،دون ان يجرؤ أي زعيم عربي على مهاتفته،حتى أن صدر القمة لم يتسع لكلمة عبر الهاتف من أبو عمار،ومن بعدها شنت إسرائيل حروبها العدوانية على الشعبين اللبناني والفلسطيني في تموز/2006 وكانون أول/2008 .

حالة عربية وفلسطينية بائستين تمسكان بخيار بائس منذ أكثر من سبعة عشر عام،لم ينتج سوى المزيد من الضعف والانقسام في الساحة الفلسطينية،ومزيداً من الانهيار والتراجع والعجز عربياً.

لا تصالح بين القول والفعل ولا تصالح بين الشعار والتطبيق،ولا ثبات لا على المواقف ولا على المبادئ ولا بوادر لنخوة أو استعادة كرامة عربية قريبة،فالتنازلات وفقدان الإرادة والمفاوضات والأدعية والاستجداء هي سيدة الموقف العربي،وأي حديث آخر عن الصمود والمقاومة وامتلاك الإرادة،هو كفر ورجس من عمل الشيطان لا يجوز الاقتراب منه،فهو يجلب الخراب والدمار وضد المصالح القومية العربية؟؟!!،والعربي الذي يقول بخيارات النضال والمقاومة،يجب محاصرته ومحاربته،فهو بخياره هذا يعري الأنظمة الرسمية العربية،ويقوي من شوكة الشعوب ضد أنظمتها،وبالتالي يشكل خطر جدي على عزبها وإقطاعياتها ومخططاتها في التوريث والتطويب لأبنائها في الحكم.

إن الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها "نتنياهو" ماضية بقوة في مخططاتها ومشاريعها للتطهير العرقي في القدس،غير ملتفتة الى لغة الضعفاء من فلسطينيين وعرب ف"نتنياهو" الذي زرع وبني مستوطنتي "هار هاحوما " أبو غنيم و"معاليه هزيتيم" في قلب مدينة القدس،يدرك حجم الردود العربية والفلسطينية على ذلك صراخ وشعارات وبيانات شجب واستنكار ليس أكثر ولا أقل،فهو عندما تم تحذيره من أن إقامة مستوطنة "معاليه هزيتيم" في قلب سلوان،من شأنه تفجير الأوضاع في مدينة القدس،كان رده على ذلك بأن سقف الردود العربية والفلسطينية على ذلك،لن يتعدى فترة العزاء عند العرب ثلاثة أيام،ومن بعدها كأن شيء لم يحدث.

وبالفعل قامت تلك المستوطنات وغيرها عشرات الأحياء والبؤر الاستيطانية في البلدة القديمة من القدس وفي قلب أحيائها العربية،ولم يخرج الموقف الرسمي العربي عن السياق الذي طرحه "نتنياهو" من جلبة إعلامية وشعارات وبيانات استنكارية خجولة.

والسؤال الذي يجب أن نطرحه باستمرار متى ستتوفر لنا قيادات عربية وفلسطينية متصالحة مع ذاتها،تصارح شعوبها بالحقيقة،وتلتفت إلى رأيها ووجهات نظرها،ولا تتعامل معها على أنها قطيع من الأغنام،ولا تنوب عنها في كل شيء،وتصور نفسها على أنها المالك الحصري للحقيقة المطلقة والتي لا تغيب عنها لا شاردة ولا واردة،وهي التي تعرف مصالح الأمة وشعوبها،فالشعوب هي التي تقود المعارك وتصنع الانتصارات،وهي إذا ما وثقت بالقيادة واطمأنت إلى أنها،تعبر عن مصالحها وملتصقة بهمومها،فهي مستعدة للتضحية والعطاء من أجلها ومن أجل الوطن،وإذا ما رحلت مثل هذه القيادة فإنها تبكيها دموعاً ودماً.

أما راهناً فأنا على ثقة وقناعة بأن أي قيادة عربية تغادر مقاليد الحكم،وطبعاً بالموت فلا تجد من هذه الشعوب من يترحم عليها،فهي إن بكتها وترحمت عليها علناً خوفاً ورهبة ونفاقاً،فهي في سرها تلعنها صباح مساء ولا تترحم عليها.

CONVERSATION

0 comments: