الحب العذري ، في زمن " أنفلونزا الخنازير "/ علي مسعاد

للاه يا السفينة ...فين غادية بينا اا* " ، مقطع من أغنية أشهر من نار على علم ، ليس لأن المجموعة الغنائية التي قامت بأدائها ، هي أبلغ من عبر عن آلام وآمال الشعب المغربي ، في زمن سنوات الرصاص ، أو لأن كلماتها البليغة ، كانت تحمل أكثر من دلالة أو رمز، في مرحلة من مراحل المغرب الصعبة ، بل لأن الأغنية بحد ذاتها ، كانت تعني أكثر مما تقول ، في زمن الأغنية الملتزمة الجادة ، حيث كانت تحتل فيه،هذه الأخيرة ، مكانتها اللائقة بها ، في المشهد الغنائي المغربي منه والعربي و بلا منازع .

ليس ، كاليوم ، حيث لا تفتأ ،القنوات الأرضية منها والفضائية ، تفرخ لنا ما لا يحصى ، من الألقاب الرنانة والوجوه الغنائية ، التي تموت لحظة ولادتها ، ولا يكاد المشاهد المهتم بله العادي ، يلتفت إلى مرورها " الباهت " ، في كل الأوقات وبلا مناسبات ، بقنوات تجارية ، وجدت ضالتها ، في أصوات " نكرة " لا تعرف ، طريقا إلى قلوب الناس ، إلى فن العري والإغراء ، لملء فراغ بثها التلفزي ، من أجل الربح ولا شيء غير الربح .

وما كلمات الأغاني – تجاوزا- التي تؤديها ، تلك الأصوات المدفوعة بقوة الدعاية المأجورة ، إلا دليل آخر ، لفشل أصحابها ، في تجاوز الثالوث الأكثر تناولا ، في كليباتها الغنائية ، و الذي بالكاد يتجاوز : هجر الحبيب أو الحبيبة / الخيانة / الحب المستحيل / ، أغاني تتشابه مضامينها ، في كل شيء ، حتى في التفاصيل الصغيرة ، وما مشاهد لباس النوم والسرير، إلا أكثر المشاهد الإباحية تداولا و تكرارا ، في أكثر الكليبات شهرة كما في غيرها ، هي كليبات غنائية – إن شئنا التحديد - أقرب إلى "البورنو" منه إلى الفن ، فهي منه براء .

فيما ، ظلت الأغنية الملتزمة ، رغم الحصار الإعلامي ، الذي يحول دونها ودون عشاقها ، سببا لانتشارها ، بين من يؤمنون بالكلمة سلاحا ، للكشف عن عورات المجتمع ، التي تتفنن ، الأغاني " الماجنة " بإخفائه ، بشتى المساحيق ، التي سرعان ما تمحي مع أول هبة ريح ، فالحب في زمن " أنفلونزا الخنازير" ، الأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية القاهرة ، لا يعرف طريقا إلى قلوب شابات وشابات اليوم .

شابات اليوم ، يستيقظن في الصباح الباكر ، للحاق بأول حافلة مهترئة ، إلى حيث لقمة خبز ممزوجة بالذل والمهانة والتحرش الجنسي ، ولم يعد ينتظرن فارس الأحلام ، بل هي من تنتظرها أفواه جائعة ، لا تتقن إلا فن الأخذ دون عطاء ، فارس الأحلام بدوره ، ضاقت به كل الطرق والسبل ولم يجد غير كراسي المقاهي ، لقتل الوقت والنفس ، بكل أشكال الإدمان ، هروبا من الحقيقة .

الحقيقة العارية ،التي تخيف حتى كتاب الأغاني الشبابية الجديدة ، التي تتحدث في الحب والهيام ، في زمن أصبحت تطالعنا فيه ، الصفحات الأولى ، لأكثر الجرائد رصانة ، في المغرب كما المشرق ، بأخبار تتعلق ب " السرقة ، القتل ، الانتحار، الاغتصاب ، الاعتداء ، النصب والاحتيال ..." وما خفي ، كان أعظم .

وهل ، يعتقد هؤلاء للحظة ، أنه في زمن صعب ، فقدت فيه الأشياء بريقها ، من الممكن أن نتحدث عن الحب العذري والمستحيل ؟ا وأن تنتظر البكر ، فارسا ، جيوبه فارغة إلا من شواهده ، التي لم يعد لها ثمن ، في مجتمع مادي ، لا قيمة فيه للقيم والأخلاق ، في مجتمع أصبحت تهرول فيه ، العذراوات إلى بلاد الخليج والعرب ، لبيع آخر ما تبقى لديهن ، في زمن الذل والمهانة .

وهل ، في هذا الزمن الأغبر ، يليق بأصحابها القفز على الواقع ، للحديث عن الوهم والخيال ؟ا

للاه يا السفينة فين غادية بينا

مواج لبحر هاجت علينا

السكنى فيك حركة وغبينة

يا السفينة ..راه عينا وتهدينا

قولي للاه فين غادية تدينا *

* مقطع من أغنية "ناس الغيوان " المجموعة الغنائية ، الأكثر شهرة ،

على الإطلاق ، في المغرب


CONVERSATION

0 comments: