الإغتراب اللبناني وضرورة تشكيل حكومة منفى/ الياس بجاني

رغم انسحاب الجيش السوري من لبنان رسمياً سنة 2005 إلا أن البلد بقي محتلاً بكل ما للكلمة من معنى وهو حتى يومنا هذا مغلوب على أمره ولم يستعد بعد لا سيادته ولا حريته ولا استقلاله، وجل ما حصل أنه بانسحاب الجيش السوري النظامي مرغماً نتيجة الضغط الدولي وانتفاضة ثورة الأرز حل مكانه وفي نفس اليوم جيش حزب الله الإيراني والسوري المرجعية والقرار والتمويل والقيادة وبسطت دويلة الحزب وغرفة عملياته المذهبية والأصولية سلطتها ونفوذها على كل مؤسسات الدولة اللبنانية من القمة حتى القاعدة وتحكمت بكل مفاصل الحكم وبحرية وقرارات كل المسؤولين السياسيين والعسكريين.

لقد بات جلياً وحسب الواقع المرير المعاش أن حزب الله مباشرة أو مواربة يهيمن كلياً وبشكل خاص على رئاسة الجمهورية ومجلس النواب وقيادة الجيش ووزارة الخارجية والحدود مع سوريا، في حين أنه ورغم وجود القوات الدولية في الجنوب إلا أن الحزب هو السيد المطلق هناك وقد أثبتت الأحداث التي شهدها الجنوب منذ عام 2006 وحتى تاريخه أن وضعية سلاح وقواعد ومسلحي ومخازن أسلحة ونفوذ الحزب لا تزال كما كانت عليه قبل حرب 2006 ، وربما تعاظمت أكثر.

ورغم أن ثورة الأرز حصلت على أكثرية نيابية في الانتخابات التي جرت عامي 2005 و2009 إلا أنها لم تتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية ولا رئيس لمجلس النواب من خيارها كما أنها لم تتمكن من تشكيل أي حكومة بعد الانسحاب السوري ليس فيها قرار تعطيل بيد حزب الله، كما فشلت كل الحكومات في عدم تبني سلاح الحزب في كافة بياناتها الوزارية، ويوم حاولت حكومة الرئيس السنيورة اتخاذ قرار بنقل مسؤول الأمن في مطار بيروت التابع مباشرة للحزب ووضع اليد على شبكة اتصالاته غير الشرعية سنة 2008 رد الحزب عسكرياً بغزو بيروت والجبل ونجح بعد ذلك بفرض معادلة جديدة من خلال اتفاق الدوحة له فيها أحادية القرار الرسمي على كافة المستويات.

من هنا لم يعد لبنان بلداً مستقلاً وصاحب سيادة على أرضه وممسكاً بقراره ومصيره، كما أن طاقمه الحاكم لا يمثل إرادة شعبه المتعدد الإثنيات والحضارات والأديان، بل أمسى الحُكام والمسؤولين فيه محكومين "وفزاعات" "وخيالات صحرا" ودمى يتبارون بذمية فاقعة في مديح وتبجيل حزب الله والتغني ببطولاته وانتصاراته الوهمية بعد أن تنازلوا عن واجباتهم والتزاماتهم الدستورية والوطنية والأخلاقية. فلا رئاسة الجمهورية حامية للدستور، ولا الحكومة قادرة على الحكم، ولا القوى العسكرية لها حصرية امتلاك السلاح وصون الحدود، ولا القوى الأمنية قادرة أن تحمى المواطنين، ولا القضاء منزهاً وعادلاً، ولا العلاقات مع الدول تحكمها الأعراف، ولا كل من يعارض هذا الوضع الشاذ من الأحزاب السيادية والقيادات والسياسيين والمثقفين قادرون على وقف انفلاش سلطة وهيمنة حزب الله على حساب الدولة ومؤسساتها.

ترحم على الدولة اللبنانية وعلى استقلال الوطن كل من سمع من الغياري على لبنان حسن نصرالله في 25 من الشهر الجاري وهو باستكبار مرضي يُسوّق لثقافة القتل والدمار والخراب والحروب والعداء والكراهية ويتبجح بتعاظم ترسانة حزبه الصاروخية ويهدد بضرب كل السفن التي تتجه إلى إسرائيل في حال وقوع الحرب.� وبدلاً من المطالبة بمحاكمته بجرم تنفيذ الغزوات والتسبب بالحروب ومصادرة قرار الدولة وإقامة دويلة وارتكاب المجازر والتطاول على الأشراف وقيادة جيش إيراني في لبنان وخدمة دول غير دولة لبنان وتعريض اللبنانيين للإخطار، بدلاً من كل هذا يهلل له الحكام ويستعطفه المسؤولون ويخطب وده أهل السياسة.

عطفاً على كل ما ورد ولأن الوضع داخل لبنان بات مأساوياً نتيجة التغلغل السوري والإيراني العسكري والمالي السرطاني والإرهابي، وبسبب تبعية الحكام اللبنانيين المطلقة لسوريا وإيران، ونتيجة هيمنة حزب الله التابع مباشرة للحرس الثوري الإيراني على كل مؤسسات الدولة وعلى قرارات المسؤولين فيها، أصبح من الضروري أن يهب الاغتراب اللبناني في كافة بلاد الانتشار لنجدة وطنه الأم وتخليصه من فك التنين الإيراني السوري المفترس قبل فوات الأوان.

بداية المطلوب من الاغتراب تشكيل هيئة إنقاذ تتمثل فيها كل الشرائح اللبنانية الاغترابية السيادية على أن تكون أولى مهماتها البحث قانونياً في قدرات وإمكانيات لبنان العملية والواقعية على حكم نفسه بنفسه طبقاً لشرعة الأمم المتحدة التي تلزم كل الدول الأعضاء فيها التقيد بها والخضوع لها، ومن ثم الطلب من هذه المنظمة الدولية إصدار قرار دولي عن طريق مجلس الأمن يأتي تحت البند السابع الملزم يقضي بإرسال قوات دولية لا تشارك فيها سوريا، تتمركز على الحدود اللبنانية السورية، على أن يوضع الجيش اللبناني تحت أمرة هذه القوات وتتولي معه تجريد حزب الله والفلسطينيين من سلاحهم وحصر كل السلاح بالسلطة اللبنانية الشرعية.

وفي حال كان الوضع اللبناني المأساوي والفوضوي المتفلت يطابق ما تنص عليه بنود قوانين الأمم المتحدة لجهة عجز الدول عن حكم نفسها، تسعى عندها هيئة الإنقاذ الاغترابية لتحقيق هذا الأمر وتعمل من خلال دول العالم الحر على إعلان لبنان دولة عاجزة عن حكم نفسها، فتتسلم �عندها الأمم المتحدة حكم لبنان مؤقتاً وتقوم بتأهيله ليتمكن مستقبلاً من حكم نفسه بنفسه. المطلوب أيضاً من هيئة الإنقاذ المقترحة إجراء كل الاتصالات الضرورية مع فعاليات الاغتراب اللبناني والأمم المتحدة ودول العالم كافة لتشكيل حكومة لبنانية في المنفى في حال كان هذا الأمر ضرورة تقتضيها الظروف في حينه.

من حق الاغتراب اللبناني القانوني والأخلاقي، لا بل من واجبه المقدس أن يمنع انهيار لبنان وتحويله إلى دولة مذهبية وإرهابية على شاكلة دولتي محور الشر سوريا وإيران. إن في لبنان أربعة ملايين لبناني، أما في بلاد الانتشار فيوجد ما يزيد عن 16 ميلون لبناني المطلوب منهم جميعاً اليوم وبسرعة نجدة وطن أجدادهم المقدس وصون استقلاله والحفاظ على رسالته وهويته والحريات.

CONVERSATION

0 comments: