مصر بين وهم الخديعة والكذب والإرهاب/ مجدى نجيب وهبة

** سؤال يطرح نفسه فى هذه الأيام على الساحة السياسية والشعبية فى مصر وهو "مصر إلى أين" .. هناك من يجيد لعب الثلاث ورقات ليخدعنا بينما نبحث عن الورقة الرابحة .. وهناك من يدمن سرد القصص والأساطير والأخبار المضللة الكاذبة .. وهناك حملة مستميتة من بعض الصحف الخاصة والمستقلة والتى تدعمها الحكومة بأموال الشعب لتلميع الإخوان المسلمين كما تدعمها بعض الشركات الخاصة بالإعلانات ، هذا بجانب الإستعانة بأسماء بعض الشخصيات العامة لتمرير مبادئ وفكر الإخوان فى إصرار وعناد بصفتهم الحل الوحيد والمنقذ الذى أرسلته العناية الإلهية للبشر بصفتهم الحل لإنقاذ الوطن من براثن الفساد ، ومن ثم العودة لحكم تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن وحكومة طالبان ،ومن ثم العودة للإرهاب .
** الخديعة : لقد خدعنا أنفسنا وكذبنا حتى تحول الكذب إلى حقيقة ، وتحولت الخديعة إلى بطولة فقد خدعنا أنفسنا منذ بناء السد العالى .. نعم حمينا القرى والنجوع من الغرق .. هللنا لمخزون المياه وتجاهلنا طمى النيل الذى هو سر الحياة .. تجاهلنا تدفق النيل من دول المنبع والمحملة بالطمى وبالخيرات .. حولنا النيل إلى بركة راكدة إمتلئت بالفطريات والجراثيم .. كنا أعظم دولة فى العالم فى زراعة القمح والقطن وجميع الفواكه التى تصدر والخضروات والأن أصبحنا نستورد كل شئ ولم نعد نسمع عن قطن طويل التيلة أو قصير التيلة ، وأغلقت معظم مصانع المحلة الكبرى للغزل والنسيج وغداً فى القريب سوف نجد زجاجات مياه مستوردة تباع فى المحلات يكتب عليها "صنع فى الصين" .. تحولت عقول بعض المسئولين إلى عقول صماء "لا أفهم .. لا أرى .. لا أسمع .. لا أتكلم" .. تجاهل بعض المسئولين والوزراء عذرية النيل وهتك عرضه وردمت بعض أراضى النيل لإقامة الفيلات والقصور ولم يراعوا هؤلاء اللصوص حرمة النيل ، بل أن مجرى النيل وصل إلى أدنى مستوى له فظهرت الجزر برمالها الصفراء وسط نهر النيل لترفع راية النصر على النهر الخالد .. فرحنا بالسد وبمخزون المياه ولم نفكر فى الطمى .. لم يعد النيل كما كان عروس يزهو بجماله بل تحول إلى بركة صامتة صمت القبور وكانت النتيجة تدمير معظم الأراضى الزراعية وبوارها ، بل ولجوء المزارعين إلى الأسمدة الكيماوية المسرطنة والتى حولت الزراعات إلى مسخ ليس له طعم ولا لون ولا رائحة .. تحولنا إلى مد الأراضى بالكيماويات وزرعنا الصوبابات ولأول مره نسمع عن لحوم المزارع.. وتجاهلنا أو تناسينا اللحوم البلدى .. تجاهل الجميع أن الأرض بدون الطمى المتدفق مثل الحياة فى جسد الأرض بلا روح .. تحولت الفاكهة والخضروات إلى شئ فاسد ربما قد يصيبك بالأمراض المسرطنة أو الفشل الكلوى أو الوباء الكبدى ولم يكلف أحد نفسه البحث عن سر إصابة هذا الكم الرهيب من المواطنين بهذه الأمراض ... لم يعد هناك نيل حتى الترع جفت وتحولت إلى برك للمستنقعات والأوبئة وصارت هذه البرك والمستنقعات هى مأكل ومشرب المواشى بل والإنسان أحيانا كثيرة .. لم يعد هناك نيل بل تحول إلى برك مليئة بملايين الفيروسات ولم نسأل أنفسنا إلى أين نحن ذاهبون ؟ .. وهانحن الأن نصرخ فقد بدأت المؤامرات على مصر بإقامة السدود لتخدم دول المنبع التى بدأت تعيد فكرة توزيع حصص النيل والتى قطعا ستكون مثل القشة التى قسمت ظهر البعير ، وسنظل نحن فى حالة إسترخاء وفقدان ذاكرة وترهل ولا مبالاة .. فمتى نفيق "الله أعلم" .
** الكذب : صرح سمير زاهر رئيس إتحاد الكرة عقب قرار لجنة الإنضباط بـ "الفيفا" بتغريم مصر 100 ألف فرانك ونقل مباراتين دوليتين خارج القاهرة وهو ما إعتبره إنجازا كبيرا لإتحاده ولعصره ، وقد عبر عن إحساسه بالرضا عن هذه العقوبة التى لا تعد أى شئ أمام ما كان متوقعا مستندا على تقارير مراقبى مباراة مصر والجزائر والتى جرت بالقاهرة 14 نوفمبر الماضى وهما السودانى "كمال شداد" والمغربى "محمد باحو" والمنسق للمباراة .. لقد تعايشنا مع كذبة كبيرة أسوأ من كذبة إبريل حينما أطلق بعض المسئولين المصريين عن إتحاد الكرة إشاعة أن الفريق الجزائرى هو الذى أحدث بنفسه هذه الإصابات بالأتوبيس وإستشهدنا بذلك عن عدم وجود كسر زجاج داخل السيارة مما يعنى أنه قد تم قذف الزجاج من الداخل وليس من الخارج .. لقد وصف رئيس إتحاد الكرة المصرى العقوبات حسب أهوائه ، فمصر أدانتها الفيفا بـ 100 ألف فرانك سويسرى على سبيل الغرامة فهى تعتبر إدانه حتى لو بفرانك واحد وهو ما إعتبره سمير زاهر إنتصار أكبر من نصر أكتوبر وتناسى رئيس الإتحاد أنها "خيبة قوية" تأتى بعد حالة شحن معنوى لمشاعر الجماهير مثل التى كان يذيعها مروجى النصر الزائف "بسقوط الطائرات من السماء وكأنهم عصافير حتى بلغت فى ساعة زمنية مائة طائرة للعدو" .. كذبنا على أنفسنا حتى صدقناها ، ثم ماذا عن العلقة الساخنة التى طالت كل من ذهب للسودان لمشاهدة المباراة الفاصلة بين الفريق المصرى والجزائرى والتى أطلق عليها "موقعة أم درمان" ، بل أن البعض وصل إلى حد السجود والشكر لله أننا إنهزمنا فى موقعة أم درمان فى المباراة الفاصلة وإلا لكان قد ذبح جميع المصريين فهو على أرض أم درمان ليس لهم دية فى دولة لا تستطيع أن تدير ماتش للكرة الشراب ، فهل سيظل سمير زاهر يزهو بأكاذيبه وإنتصاراته الوهمية ولتذهب كرامة الشعب المصرى إلى الجحيم ؟! .
** أما عن أبواق الإرهاب : فهنا أخص بالذات جريدة المصرى اليوم والتى دأبت على نشر وتلميع فكر الإخوان المسلمين فلم تترك عددا إلا ونشرت أخبارهم حتى عن قضايا الذبح التى يمارسها تنظيم القاعدة فى العراق فقد نشرت الحادثة فى سطرين رغم أنها تحوى جريمة قتل بشعة حيث مثّل بعض أفراد تنظيم القاعدة بجثة مواطن عراقى وتم فصل رأسه عن جسده وتعليق الرأس ولأن القتل كان "بسلاح صديقه" فالخبر لم يعلق عليه أحد بإعتبار أن تنظيم القاعدة يطبق شرع الله فى العراق وعلى رأى المثل "ضرب الحبيب زى أكل الزبيب" وهو عكس رد فعل الإعلام المصرى مع قضية مقتل "محمد" والذى قتل فى الجنوب اللبنانى فى قرية كترمايا وهو مصرى الجنسية وتم التمثيل بجثته .
خبراً أخر نشرته المصرى اليوم فى 19 مايو 2010 بعنوان "الإخوان يرفعون شعار الإسلام هو الحل" ويؤكدون أنه دستوى وقانونى وطبعا المقصود من نشر الخبر هو خلق أرضية إعلامية لفكر الإخوان وشركائهم لتحسين صورتهم كما أكد بعض مرشحى الإخوان إن شعار الإسلام هو الحل شعار مشرف لمرشحى الجماعة ويتفق مع القانون والمادة الثانية من الدستور ، كما ان هذا الشعار هو من أجل خدمة الوطن فالجماعة لديهم مرونة شديدة فى التعامل مع الشعارات والدعاية ورغم أنها تسمى جماعة محظورة إلا أنهم يرددون البيانات الفاشينكية والمضللة "أن الجماعة لا يوجد مانع لديهم من تجنب أى دعاية إذا ماصدرت تعليمات بتجريمها" ، وهو ما يتضح معه أن الدولة حتى الأن لم تصدر ما يجرم إستخدام الدين فى الدعاية ، وفى نفس العدد كتب المستشار محمود الخضيرى "هل يمكن أن يكون هناك حزب"عدالة وتنمية" مصرى ؟" ، والذى ظهر فى تركيا وإستطاع أن ينتشل تركيا من كبوتها التى أصبحت فى وضع يحسدها عليه كثير من البلاد الديمقراطية ، ثم يعود ويؤكد الخضيرى أنه بدون الإخوان المسلمين فلن تكون هناك قوة من يطالبون بالتغيير فجميع الأحزاب لن تستطيع تجميع عشرة ألاف يسيرون فى مظاهرة ولكن الإخوان المسلمين هم الوحيدون الذين يستطيعون جمع هذا العدد وأكثر بكثير ، لأنهم حزب واقعى له أرضية فى الشارع المصرى تفوق أرضية الحزب الوطنى الحقيقية وضرب مثالاً على ذلك بحسن البنا الذى كان يصلى خلفه خمسة ملايين إنسان وقت أن كان كل تعداد مصر تسعة عشر مليون ، وقد حدد الخضيرى القوتين اللتين يمكنهما إظهار هذه القوة على الأرض وهما الحزب الوطنى بقوة السلطان والإخوان المسلمين بقوة العقيدة والإيمان ، وهى قوة تعمل لها الحكومة ألف حساب ومن أجل ذلك تنهال عليها بين الحين والأخر بالمطرقة ورغم ذلك فهو حزب واقعى له تنظيمه وكوادره التى يستطيع تجميعها فى لحظة .. نعم هذه هى حقيقة الإخوان التى يتعمد الحزب الوطنى نسيانها وتجاهلها بل والتقليل من وجودها وهو ما يؤدى إلى خطورة الموقف وربما إشتعاله مع أحداث طائفية .. أما بالنسبة للتجربة التركية فقد تناسى الخضيرى وهو ينادى بالتجربة التركية أن الحجاب ممنوع فى تركيا "الدولة المسلمة" منذ أكثر من ستة أعوام وحينما إعترض البعض على ذلك حكمت المحكمة بحبس ثلاث طالبات عاما وثمانية أشهر بتهمة الإحتجاج والتظاهر الغير قانونى ، كما حبست صحفية ثلاث سنوات وتسعة أشهر بنفس التهمة ، ويرجع قرار منع الحجاب فى تركيا إلى عام 1997 عندما شن الجيش حملة لدعم العلمانية ... كما منعت النائبة الإسلامية "مروة قاوقجى" عضو حزب الفضيلة الإسلامى من أداء اليمين الدستورية وهى تضع الحجاب مما إضطرها إلى مغادرة البرلمان دون أداء اليمين ، أما عن فرنسا التى منعت إرتداء النقاب فى الأماكن العامة فيتعرض قرارها إلى حملة تشهير من بعض الصحف المصرية والقنوات الفضائية بإعتبارهم أوصياء على فرنسا ولهم حرية فرض ما يرونه لصالح المتأسلمون والمتطرفون حتى لو أطاحوا بالحكومة الفرنسية .
* وفى النهاية نقول أنه لا يوجد فى مصر تيار فكرى أو سياسى يجعل الأغلبية يجتمع عليه ، بل أصبحنا نرى العبث .. المبكى والمضحك من خديعة وكذب وإرهاب حتى وصل إلى حد أنه أصبح من المشاهد اليومية ، إنها حالة هيستيريا سياسية وإرتباك فكرى وإنتهازية خبيثة ورخيصة تجعل الرأى العام فى مصر صامت صمت القبور ، يتابع ما يجرى ولا يستطيع أن يشارك عجزاً أو لا مبالاة أو إنشغالا بالقوت اليومى الذى أصبح هو الأهم والضرورى ، أو أن يكون تحت "التضليل والكذب" متحركا فى أحيان بأصوات وتيارات تلعب على أوجاعه لتبيع له الوهم ، وللأسف فإن الخلطة المسمومة التى يدسها محترفوا التضليل يستخدم فيها الدين أسوأ إستخدام ... فهل نفيق من هذه الغيبوبة أو نظل مخدرين فأسلوب الحكومة فى مواجهة الإحتجاجات يعتمد على سياسة " إخبطوا رأسكم فى الحيط " .
رئيس مجلس إدارة جريدة النهر الخالد
Email:elnahr_elkhaled2009@yahoo.com

CONVERSATION

0 comments: