فلسطين بين انفاق غزة وانفاق رام الله/ سعيد الشيخ



كل شئ اليوم واكثر من اي يوم آخر، يمت للقضية الفلسطينية بصلة يرزح في النفق.بل هي انفاق منتشرة بفعل الاعداء مرة وبفعل اصحاب القضية مرة اخرى…

فيما مضى وعندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ترفع شعارات تعطي الحركة الوطنية الفلسطينية المتمثلة بالفصائل المتعددة بعض ملامح “المقاومة” انبرى القائد العام الراحل”ياسر عرفات” للقول:”ان القضية الفلسطينية تمر الآن في نفق مظلم،ولكنني ارى مآذن واجراس واسوار القدس في نهاية هذا النفق”.وهذا القول معروف للمراقبين والمتابعين بنهاية ديباجته عندما شدد القائد العام على ان شبلا من اشبال فلسطين او زهرة من زهرات فلسطين سيرفعون العلم الفلسطيني فوق المآذن والاجراس والقباب.

اين القضية الفلسطينية اليوم من هذا الكلام الرومانسي الجميل؟

اتفاقيات اوسلو المبرمة مابين م.ت.ف ودولة الكيان الصهيوني في 13 سبتمبر 1993، لم تكن نهاية النفق,بل بدايته التي ستفضي الى أنفاق وأنفاق ودهاليز تبتلع القضية الفلسطينية بكل مضامين حقوق الشعب الفلسطيني المقيم منه فوق ترابه الوطني والمشرد في اصقاع الارض.

وكأن “السلطة” هي ما كان يصبو اليها المفاوض الفلسطيني من كل جولات المفاوضات مع العدو… وهذا ما اكدته مجريات الاحداث بعد ذلك وبشكل تراجيدي عندما اقدمت حركة حماس التي لم تكن طرفا في الوفد الفلسطيني المشارك في المفاوضات أساسا على الانقضاض على السلطة والانفراد بها في قطاع عزة، ليصبح هناك سلطتين ليس فيهما اي معنى من معاني الوطن وبالمفهوم الوجودي كهوية وانتماء لمجموع الشعب الفلسطيني الذي اراد من م.ت.ف تأكيد هويته ووجوده بشكل ينفي الايدولوجيا الصهيونية القائمة على نفي وشطب الشعب الفلسطيني من الوجود.

تبريرات حركة حماس التي تسوقها في معرض دفاعها عن استئثارها بالسلطة في غزة تبدو غير مقنعة، خاصة وهي تمارس نفس ممارسات السلطة التي يقودها محمود عباس وتحديدا فيما يتعلق باعمال المقاومة ضد العدو والتي تمانعها كلتا السلطتين على حد سواء. وذلك بحجة المحافظة على المصلحة الوطنية، وهي الحجة المضحكة-المبكية في آن واحد. اذ السؤال البديهي هنا:هل حفظ أمن الاحتلال هو مصلحة وطنية فلسطينية؟

وانطلاقا من هذا السؤال نستطيع ان نجد مسوغا لقناعتنا بأن ايجاد السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع مع دعم امريكي واوروبي هو افضل انتاج انتجته السياسة الاسرائيلية للحفاظ على امن كيانها ولتكريس اغتصابها لفلسطين المحتلة عام 1948… وباستنتاج سريع نستطيع القول ان وجود سلطة فلسطينية واحدة خلعت ثياب الثورة كان عبأ على النضال الفلسطيني برمته،فكيف الحال مع سلطتين متنازعتين تتأثران بالخلافات الاقليمية؟ واحدى هاتان السلطتان يقتصر فعل المقاومة لديها بالفاظ كلامية ما هي الا مجرد شعارات تدخل من باب المزايدة على السلطة الاخرى.

هذا هو النفق العميق الذي حفرته القوى المعادية للقضية الفلسطينية، وذهب اليه اصحاب القرار الفلسطيني بطواعية مستندين على العجز العربي الذي لا “لاء” له امام الامر الامريكي المستبد بشؤون منطقتنا كأمبراطورية وحيدة في الشرق الاوسط .

ان التعنت الاسرائيلي امام متطلبات شروط السلام لم تفلح في اقناع سلطة رام الله بوقف المفاوضات والكف عن الانجرار خلف سراب واوهام السلام ،وهي مدعوة اليوم الى جولة اخرى غير مباشرة يقودها الموفد الامريكي جورج ميتشل. اذ تذهب السلطة بغطاء عربي ،وهو الغطاء الذي لا يغطي وجه الذل والمهانة العربية امام الأمر الامريكي والغطرسة الصهيونية… وما تكاد تنفيدية منظمة التحرير تعلن عن موافقتها على المشاركة في المفاوصات حتى يعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ان هذه المفاوضات غير كافية لإحقاق السلام ويطالب باجراء مفاوضات مباشرة دون اية شروط مسبقة وطبعا في ظل عجلة بناء المستوطنات التي لم تتوقف ولا لحظة واحدة، وهو الشرط الذي وضعه رئيس سلطة رام الله لمعاودة المفاوضات.ولم تكن المفاوصات قد بدأت حتى اعلنت “حركة السلام الآن” ان السلطات الاسرائيلية تنوي بناء 14 وحدة استيطانية جديدة في باب العامود بالقدس…وهذا مؤشر على عبثية اي شكل من اشكال المفاوضات التي تجريها سلطة رام الله مع حكومة اليمين المتطرف في كيان العدو. وفي الاثناء تكشف يصحيفة “يدعوت احرونوت” الاسرائيلية ان حركة حماس قد راسلت الادارة الامريكية من خلال رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية .
وذكرت الصحيفة نقلا عن مسؤولين في الإدارة الأميركية أن الرسالتين تتضمنتا اقتراحات لإيجاد تسوية في الشرق الأوسط والتوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين، معتبرة أن هاتان الرسالتين تعتبران محاولة أخرى من جانب حركة “حماس” لكسر العزلة السياسية التي تخضع لها.

مهما يكن من امر هذه الرسائل او الاتصالات الاخرى مع الادارة الامريكية او حتى الاسرائيلية المعلنة والمخفية منها، فأن حركة حماس تقحم نفسها في “بازار” سياسي مع الادارتين تهدف من خلاله تأمين نفوذها وسلطتها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني..تماما كما تقدم سلطة رام الله التنازلات تلو الاخرى وذلك لحصد المزيد من الامتيازات السلطوية .

للخروج من هذه الانفاق ان نضالا شاقا ومريرا ينتظر القوى الوطنية الديمقراطية الفلسطينية الحية والتي تؤمن بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. وأول الخطوات هو إستعادة القضية المرهونة بين ايدي نخبتين واحدة سياسية في رام الله فاقدة للشرعية واخرى دينية في غزة غير مؤهلة للبث في قضايا مصيرية توقف أنين الشعب الفلسطيني وتعيد له حقوقه السليبة.

كاتب وشاعر فلسطيني

http://www.alwanarabiya.com/





CONVERSATION

0 comments: