تأثر منظومة الأخلاق والقيم بالأزمة السورية ودور الخطاب الناري المضاد في إنقاذ من سقطوا في مستنقع الذنوب/ كميل العيد

 قبل أن تعصف الأزمة في سورية كان السلم الاجتماعي قاعدة وأصلا ، والمخالفات والجرائم التي ترهب المجتمع  كانت استثناءً ، إلا أن الوضع انقلب وأصبحت الجرائم قاعدة وأصلا ، والسلم استثناءً. فلا يمر يوم دون أن يتحدث الناس عن حوادث وجرائم ترتكب على كافة بقاع الوطن السوري أقلها الخطف والتشليح والسلب والنهب ورشاوى التزوير ، حوادث وذنوب تدق مضاجع المجتمع وتصيبه بالهلع.
  لقد أفرزت الأزمة مصطلحات جديدة لم يكن احد يتجرأ على الخوض فيها  قبل الأحداث كالتعفيش والتكفير والسبي والخطف وسرقة الملكيات ... وغيرها. وانتشرت في أرجاء الوطن المافيات بشماعاتها المختلفة لتخرب النسيج الاجتماعي وتلحق الأذى بالناس مستغلة انشغال الدولة والمؤسسات المعنية بالحرب من جهة  وخروج جزء من القرى والمدن خارج سلطة الدولة من جهة اخرى .     
 لقد انخرط في هذه العصابات الكثير من الأفراد ممن ليس لهم سوابق أفراد جرفتهم تداعيات الأزمة فسقطوا في مستنقعها .
 وما يعنيني في هذا المقال هو العمل مع الجميع من سياسيين ومثقفين وأحزاب وفعاليات مدنية ودينية وباحثين بعلم الاجتماع  أقول ما يعنيني هو الوصول إلى التحليل الدقيق والعلمي والموضوعي لظاهرة كثرة الذنوب وأسبابها وتأثيراتها وآليات معالجتها ، وكيف نجعل ممن فقدوا القيم وسقطوا في مستنقع الذنوب أشخاصا" عاشقين لقيم الجمال والمحبة والحداثة.
 قد لا يكون توصيف الذنوب وأسبابها صعب الاكتشاف ، إلا أن المعضلة هي آليات المعالجة فالقتل والسرقة والخطف والتزوير وغيرها من أفعال لا تحتاج إلى عمق استدلال لتبيان موقعها في المنظومة الأخلاقية لكن مسلمة الخير والشرّ لا تبدو في واقعنا الراهن قانونًا ، فنظرية الحلال والحرام وضعت على الرف ، والكبائر أصبحت صغائر وتماهت وتراجعت الحدود الفاصلة بين الخير والشر وأصبح الكل شعاره " اللهـم نفســي " 
 أولى مظاهر الذنوب هم تجار الحروب فهؤلاء كثر يتلونون كالديدان ويتحركون بالخفاء  فمنهم تجار الأزمات الصغار كمن يبيع قطعة المائة ليرة بالف ليرة  وكصاحب الكازية الذي يتلاعب بعداد الضخ وصاحب الفرن الذي يتلاعب بالكمية والمكيال وكذلك الذين يقومون بعمليات التعفيش ونهب المنازل والممتلكات وسرقة السيارات وتفكيكها وبيع قطعها . اما العصابات وتجار الحروب الكبار كالذين يقومون بتزوير ملكية العقارات واعادة بيعها , والذين يقومون بعمليات الخطف وقبض الفدية , ويرتكبون أشنع الجرائم بحق الناس فهؤلاء وأمثالهم ليسوا أقل خطرا" من الذين  يبيعون السلاح والذخائر لأعداء الوطن ، فهؤلاء هم أخطر أنواع تجار الحروب. كما أني أصنف المسؤولين وأصحاب الشأن الذين لا يبادرون لإنقاذ مؤسساتهم ولا يبادرون لتحسين واقعها والذين لا نراهم الا في المناسبات وعلى شاشة التلفزيونات وفي الفنادق الفاخرة ضمن خانة تجار الحروب.
ان تداعيات ومخاطر هبوط القيم الايجابية في هذه المرحلة سيكون لها نتائج سيئة على التشكيل الاجتماعي المستقبلي وعلى الأجيال القادمة لذلك ومن أجل التخفيف من تداعيات هذا الهيوط ومن أجل تفعيل القيم والمبادىء لا بد من المبادرة من المعنيين يالشأن العام ووسائل الاعلام أولا" ومن النخب السياسية والاجتماعية والفكرية والدينية ثانيا" ومن كافة الأحزاب وقوى المجتمع المدني بما فيهم الأفراد الى:
أ‌- استحضار القيم والمبادىء في الأذهان والوجدان وفي النشاطات والنقاشات المختلفة وابراز مخاطر ابتعاد الانسان عن القيم والمبادىء على السكينة وراحة البال.
ب‌- تفعيل هذه القيم من خلال ممارسة النخب السياسية والعلمية والفكرية والدينية والقادة والمسؤولين والوزراء والمدراء لمهامهم وأن يكونوا قدوة لمرؤوسيهم وجماهيرهم في الممارسة اليومية لكل ما يتعلق بالشأن العام.
ت‌- تحويل هذا الاستحضار للقيم وممارستها لخطب نارية تتكلم عن الأحداث المشابهة في التاريخ والحروب الأهلية وتأثيرها على الأوطان وفضح الدور الذي يلعبه الاستعمار فيها وكذلك كيف تمكن الفرنسيون والاسبان والألمان وغيرهم من الخروج من مستنقع الحروب الأهلية والانتصار على الخلاف وإعادة بناء الأوطان. وتجعل الناس يستمرؤون الفعل الايجابي وفعل الخير ويخجلون من الأفعال المخزية.
ث‌- استهداف المجرمين الكبار من تجار الحروب والحاق الضرر بهم وبمن يستفيد من اجرامهم وبخاصة ذويهم لأن المجرم لا يخشى على نفسه ولكنه يخاف على ذويه وناسه. 
 ان تفعيل القيم ورفع شأنها ضرورة تفرضها المرحلة الحالية من الحرب لتحقيق التكامل والوحدة المعرفية بين مختلف الفئات الشعبية والتي هي محك الخروج من هذه الأزمة وتداعياتها.   

CONVERSATION

0 comments: