نحن أمام أوسلو ( 2 )/ راسم عبيدات


....... المتتبع والمراقب للتحركات السياسية الأمريكية في المنطقة،وبعدما فشلت في إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان بشكل جزئي وشكلي ومسقوف المدة،يرى أنها تريد أن تتدارك هذا الفشل من خلال الاستمرار في إدارة الأزمة،وبما يمنع من تدهور الأوضاع الى حالة من الفوضى ربما يكون من تداعياتها فقدان السيطرة على المنطقة،وهي في هذه الفترة بالذات بحاجة الى أوسع اصطفاف عربي رسمي ضد أية خطوات عسكرية قد تقدم عليها هي وحليفتها إسرائيل ضد حزب الله وسوريا وإيران أو المقاومة الفلسطينية،وخصوصاً أن القرار الظني باغتيال الحريري سيتضمن تجريماً لحزب الله وسوريا،كما أن من شأن تلك الفوضى والتداعيات أن تقود الى انهيار وسقوط العديد من أنظمة الاعتدال الرسمي العربي وكذلك ربما انهيار السلطة الفلسطينية أو حلها.

ومن هنا جاءت تحركات ولقاءات وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون مع قيادات السلطة الفلسطينية وقيادات إسرائيلية في واشنطن،لكي تؤكد لهم بأن الإدارة الأمريكية لن تتخلى عن مساعيها لدفع العملية السلمية في الشرق الأوسط،كما أن عودة ميتشل إلى المنطقة مجدداً،تشير إلى أن ما سيحمله في جعبته هو القفز عن قضية تجميد الاستيطان،والانتقال مباشرة إلى قضايا الحل النهائي حدود،قدس،لاجئين وغيرها،ومحاولة بلورة اتفاق إطار خلال عام،والوصول لاتفاق مرحلي انتقالي طويل الأجل على غرار ما يطرحه موفاز احد أقطاب كاديما،وبمعنى أدق الدولة ذات الحدود المؤقتة والتي تتفق حولها كل ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي،أي الاستجابة والرضوخ للبرنامج والرؤيا الإسرائيلية والتي تتبنها الحكومة الإسرائيلية وبالتحديد رئيس وزرائها نتنياهو السلام الاقتصادي،أي تأبيد وشرعنة الاحتلال مقابل تحسين الشروط والظروف الاقتصادية ليس للشعب الفلسطيني،بل للتجمعات السكانية غير اليهودية التي تعيش على جزء من أرض إسرائيل.

كما انه من الواضح جداً أن الدفع الأمريكي لدفع القيادة والسلطة الفلسطينية إلى الموافقة على اتفاق أوسلو 2 ،يجري طبخه بموافقة رسمية عربية وبالذات من ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي،حيث أن اللجنة العربية التي انبثقت عن القمة العربية الأخيرة في سرت 9/ تشرين أول الماضي لمتابعة قضية المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية،والتي أعطت الإدارة الأمريكية مهلت شهر ومددتها لاحقاً لشهر آخر من أجل إقناع إسرائيل بالموافقة على تجميد الاستيطان بشكل جزئي ومؤقت،ورغم عدم نجاح الإدارة الأمريكية في ذلك،فاللجنة العربية أجلت اجتماعاتها أكثر من مرة،وذلك من أجل ما يسمى بالمزيد من التشاور وإتاحة الفرصة للمساعي والجهود الأمريكية والأوروبية للوصول الى تخريجة جديدة على ضوء الرفض الإسرائيلي بالموافقة على التجميد المؤقت للاستيطان .

وحقيقة الأمر هي ان حالة العجز وفقدان الإرادة والخيارات للنظام الرسمي العربي وعدم القدرة على ترجمة مواقفها وقراراتها الى خطوات عملية على الأرض،يجعلها تستمر في الاستجداء والطلب من أمريكا مواصلة جهودها ومساعيها.

إن أي موافقة فلسطينية على حل انتقال طويل الأمد ،أو دولة بحدود مؤقتة من شأنه أن يعيدنا إلى متاهات أوسلو،ولكن بشكل أكثر خطورة،حيث أن إسرائيل من خلال هذا الاتفاق تكون قد ثبتت ورسمت الكثير من الوقائع والحقائق الجديدة على أرض الواقع،وتحديداً في موضوعة القدس حيث تستكمل السيطرة عليها بشكل نهائي وتخرجها من أي عملية تفاوضية،وكذلك ستقوم بتسمين وتوسيع المستوطنات المحيطة بالقدس مثل "بسجات زئيف و"جيلو" و"معاليه ادوميم" و"موديعين" وغيرها وكذلك الكتل الاستيطانية الكبرى في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية.

ومثل هذا الاتفاق الأوسلوي الجديد من شأنه ان يعمق من حالة الانقسام والتفكك في المجتمع الفلسطيني أفقياً وعمودياً،وبما يشكل خطر داهم وجدي على وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته وهويته وحقوقه ومشروعه الوطني وكل منجزاته ومكتسباته.

إذا كان الرئيس نفسه يقول بأن السلطة القائمة هي سلطة وهمية ولا تمتلك أية صلاحيات،وأن هذا الاحتلال هو أقل الاحتلالات كلفة في التاريخ،وهو يرى على أرض الواقع أن هذا الاحتلال لا يريد سلاماً ولا يريد أن يقدم أية تنازلات لا جدية ولا مؤلمة كما يتشدق نتنياهو دائماً بهذه الأسطوانة المشروخة،فلماذا استمرار الدوران في نفس الحلقة المفرغة،أي التفاوض من أجل التفاوض،ألم يحن الوقت لدفن هذا الخيار الذي لا نستفيد منه سوى المزيد من النزف والضعف فلسطينياً؟،أو ليس الخيارات الأخرى المطروحة فلسطينياً وعربياً بحاجة إلى بناء إستراتيجية جديدة تقوم على الصمود والمقاومة عمادها الأساس فلسطينياً انهاء الانقسام والوحدة والشراكة السياسية الحقيقية وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية،ونقل ملف القضية برمته الى هيئة الأمم لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية مع طلب الحماية الدولية لشعبنا،اما أن نقفز قفزات في الهواء ونهرب الى الأمام ونتحدث عن مجموعة من الخيارات لا تمتلك من الحظوظ للنجاح أو التطبيق قدراً كبيراً،بفضل معرفتنا الدقيقة بان هناك مظلة أمريكية وأوروبية لهذا الكيان في المؤسسات الدولية، من شانها تعطيل هذه الخيارات وعلى أقل تقدير تحويلها إلى ماراثونات شبيهة بالمارثون التفاوضي،والأهم من ذلك غياب الآليات والحوامل الموحدة لتك الخيارات،وإذا كان من خيار جدي وعملي،يكون خيار حل السلطة الأجدى والذي يجعل من الاحتلال ليس بالاحتلال الأقل كلفة،فالاحتلال مرتاح جداً،وخصوصاً فيما يتعلق بتوفير الأمن والحماية له ولمستوطنيه من خلال التنسيق الأمني.

بات من الواضح جداً طبيعة الرؤيا والحل الأمريكي للقضية الفلسطينية،انحيازات وتطابق كلي مع الرؤيا الإسرائيلية،حيث لمسنا منذ مجيء اوباما للحكم وحتى اللحظة الراهنة،تراجع إدارته عن خطتها ومبادرتها استجابة للتعنت الإسرائيلي،من التجميد الكلي والشامل للاستيطان مقابل التطبيع العربي،إلى التجميد الجزئي أو السري إلى التجميد الجزئي والشكلي ومحدود المدة ولمرة واحدة غير قابلة للتجديد مع سلة كبيرة من المغريات السياسية والأمنية والعسكرية إلى القبول بالرفض الإسرائيلي للتجميد.

إذا ما سيحمله ميتشل في جولته الجديدة هو بشكل واضح اتفاق أوسلو جديد قائم على رؤية نتنياهو للحل سلام اقتصادي يشرعن ويأبد الاحتلال،مع تحسين شروط وظروف التجمعات السكانية تحت الاحتلال والمقصود هنا الشعب الفلسطيني،مع اتفاق إطار خلال عام يجري تطبيقه على مراحل تمتد لعشرين عام أخرى،أي قبر ودفن المشروع الوطني الفلسطيني وتصفية حقوقه وقضيته.


CONVERSATION

0 comments: