انكشف المستور.. وظهر التحالف السلفي المتطرف مع تيار المستقبل/ جوزيف أبو فاضل


أصبح شبه مؤكد أن القرار الاتهامي لن يصدر هذه السنة 2010، وقد يمتد هذا التأخير إلى أبواب الربيع المقبل، ما يعيد خلط الأوراق على كل الصعد، وإيجاد واقع جديد في لبنان. وعليه، من المفترض أن يحيل المحقق الدولي المدعي العام لدى المحكمة الخاصة بلبنان دانيال بلمار، قراره الاتهامي في حال أصدره إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، وربما قبل العشرين من شهر كانون الأول الحالي، أي بعد أيام معدودة، لكن عليه قبل ذلك حسم التباينات الحاصلة والاختلافات داخل فريقه إزاء الأدلة والإثباتات، التي سيضمها مع القرار الاتهامي.

الاختلافات أثرت على بيلمار.. وأخّرت القرار الاتهامي

فالتباينات الكبيرة أثّرت، لا بل أخرت صدور القرار الاتهامي، إذ يعتبر بلمار أن الأدلة التي توصّل إليها بعد تحقيقاته حول الجهات الضالعة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليست أدلة صلبة وقوية، في ظل المستجدات والحقائق والقرائن التي تكشف حول التلاعب بموضوع الاتصالات، وسهولة دخول الاستخبارات الإسرائيلية إلى قلب (الداتا) اللبنانية، والتلاعب بالأرقام والأصوات، بحيث قد لا تصمد أدلة بلمار أمامها وأمام البحث والاستقصاء القضائية الدولية.

في حين أن القسم الآخر من فريق التحقيق الدولي، ووسط صرخة أسترالية، وقد تكون إلى جانبها بلجيكية، يعتبر هذا القسم أن الأدلة والمستندات التي أصبحت بحوزة المدعي العام رئيس فريق التحقيق الدولي دانيال بلمار هي أدلة صلبة وقوية، تشكل أساساً كافياً لإعداد القرار الاتهامي وإحالته إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرنسين.

أما في حال تجاوز فريق التحقيق الدولي هذا التباين، وتمت إحالة القرار الاتهامي إلى القاضي البلجيكي دانيال فرانسين وفق نص المادة 68 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سيدقق قاضي الإجراءات التمهيدية في كل تهمة من التُّهم الواردة في قرار الاتهام، وفي العناصر المؤيدة التي قدّمها المدعي العام، ليقرر إذا كانت هناك بصورة أولية أدلة كافية لملاحقة المشتبه به.

ونتيجة لما أسلفنا، ونظراً إلى جدية قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين، كذلك أعطاه قانون ونظام "المحكمة الدولية الخاصة بلبنان" صلاحيات كثيرة بالنسبة إلى القرار الاتهامي ونظرته إليه وإلى مضمونه، وفي هذه الحال يجوز له نتيجة التدقيق أن يطلب من المدعي العام أو أن يسمح له بتقديم عناصر إضافية مؤيدة لإحدى التهم أو لجميعها.

كذلك أن يسمح له بتقديم مواد إضافية مؤيدة للطلب المتعلق بتلازم الدعوى، أن يصدق تهمة أو أكثر من التهم أو أن يرد تهمة أو أكثر من التهم، أو أن يصدق على القرار الاتهامي بكامله، أو أن يرد القرار الاتهامي بكامله.

لذلك فإن القاضي فرانسين سيعكف على دراسة هذا القرار الاتهامي وما يتضمنه من أدلة ومستندات، من دون أن يكون ملزَماً بمهلة زمنية يرجحها البعض استناداً إلى تجارب المحاكم الدولية، إلى ما بين 6 إلى 11 أسبوعاً.

أما نحن فنعتقد أن فرانسين قد يستغرق وقتاً أطول للبت بالقرار الاتهامي، مع ترجيح أمر أساسي وأكيد في ضوء المعلومات التي توفرت لنا عن مجريات التحقيق الدولي؛ أن فرانسين لن يصدق على القرار الاتهامي الذي سيُعرض عليه، كما أن فرانسين لن يرد القرار الاتهامي أو يرفضه، بل سيعمد إلى الطلب من رئيس فريق التحقيق الدولي دانيال بلمار الاستمرار في التحقيق، والتوسع فيه بصورة جدية أكثر، للوصول إلى أدلة دامغة وثابتة.

إذا عدنا إلى كلام رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان؛ هرمان فون هايبل، الهولندي الجنسية، الذي كان بالوكالة في منصبه هذا، وهو صاحب باع طويل في مجال عمله، فنرى أن كلامنا الذي أسلفناه يأتي متجانساً مع تصريحه الذي أدلى به منذ مدة قصيرة لا تتجاوز الأسبوع.

لذلك فإن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أصبحت بحكم المؤجلة، ولم تعد موضوعاً داهماً وآنياً، كما كان الحال منذ شهر آب الماضي 2010، بل أصبح الكلام الجدي حولها والصادر عن المحكمة أو عن مقربين منها أو عن متتبعين لشؤونها بأن الموضوع الآني للمحكمة قد انتقل إلى أواخر شهر أيلول، أو تحديداً منتصف شهر تشرين الأول من العام المقبل 2011.

المعارضة التزمت الهدوء.. والحريري عقّد الأمور

هذا الأمر ينقلنا للبحث إلى موضوع آخر متلازم معه، وهو موضوع داخلي، أي شهود الزور، إذ كان من المفترض أن تتم معالجة هادئة لـ(شهود الزور)، تحقق الغاية الأساسية من ورائه، بعيداً عن ضغط المواعيد وتواريخ صدور القرار الاتهامي، وهذا ما يسمح لمجلس الوزراء بمعاودة اجتماعاته لبحث قضايا المواطنين اللبنانيين الحياتية والمعيشية التي يرزح تحت عبئها أبناء هذا الوطن.

لقد تم الاتفاق على معالجة قضية (شهود الزور) وفق خطة ترضي جميع الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة، بحيث لا يشكل ذلك إحراجاً لأي فريق، سواء أُحيل الموضوع إلى القضاء العدلي أو المجلس العدلي أو إلى لجنة قضائية.. وعلى هذا الأساس تم توجيه الدعوات إلى الوزراء لعقد جلسة الحكومة يوم الأربعاء في 15/12/2010، وكذلك استجابة للتمنيات الإقليمية وربما الدولية بضرورة فك الارتباط مرحلياً بين عمل الحكومة وانتظار المحكمة، لأن في ذلك تعطيل للبلاد لا طائل منه.

لذلك اعتبرت المعارضة أن موافقتها على عقد جلسة للحكومة هو تأكيد على مدى التزامها بالعمل الحكومي ومصالح الناس، لكن هذه الإيجابية بالتعاطي والانفتاح من قبل المعارضة فهمه رئيس الحكومة سعد الحريري بأنه تراجع وضعف من قبل المعارضة، حتى كان "الفاوْل" السياسي الكبير الذي ارتكبه سعد الحريري بتنظيمه ورعايته غير المعلنيْن لمهرجان أقامته القوى السلفية الإسلامية السُّنية في طرابلس، بمناسبة ذكرى السنة الهجرية، وذلك يوم الأحد الماضي في 12/12/2010.

غاب الشك وظهرت "الحقيقة".. وكأننا في مسلخ

في هذا المهرجان ظهرت "الحقيقة" وغاب الشك، فشاهد اللبنانيون جنباً إلى جنب قادة التيار السلفي الإسلامي الأصولي السُّني، وقادة ونواب تيار المستقبل الحريري يجمعهم الخطاب الواحد والشعار الواحد والتوجه الواحد، فكانوا جسماً واحداً يؤدون دوراً وخططاً رسمها لهم سعد الحريري.

إزاء هذا الخطاب الطائفي السيئ والمتشنج، والذي يدعو إلى القتل والفتنة واقتلاع الأعين وقطع الأصابع، حتى خُيِّل للمرء أنه يعيش في "ملحمة" أو "مسلخ"، يديره (أبو العبد)؛ النائب محمد كبارة، أو زميله (أبو صطيف)؛ النائب السابق مصطفى علوش، أو بطل مجزرة حلبا بحق شباب من الحزب السوري القومي الاجتماعي؛ زميلهم النائب السلفي خالد الضاهر، الذي قال: "بدأنا بتشكيل تكتل عسكري يواجه حزب الله"..

اللافت كان الشيخ داعي الإسلام الشهال؛ رئيس ومؤسس السلفيين في لبنان، حيث بدا صاحب الكلام الأقل حدّية، وكأنه راح يهدئ من روعهم وخواطرهم، فهو من شبه المؤكد أنه لم يكن يعلم ماذا ينتظره من (أبو العبد) و(أبو صطيف)، ومن الذي فضل النوم مع آخرين في علية منزله خوفاً من انكشاف أمره..

إزاء هذا المشهد الطائفي البغيض، لم يصدر عن سعد الحريري أو عن سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني، أو عن الرئيس فؤاد السنيورة، أي استنكار أو نفي أو امتعاض.. أو في أحلك الأحوال حتى محاولة بسيطة للتوضيح.. وطال الانتظار ساعات وأيام ولم يأت شي في هذا القبيل.

خالد الضاهر عند فخامته

فهذا خالد الضاهر يأتي زائر إلى القصر الجمهوري في بعبدا في اليوم الثاني متسلحاً بالكلام الذي قاله في طرابلس، وفخامة الرئيس ميشال سليمان (الرئيس التوافقي) يستقبله على الرحب والسعة، من دون أن يصدر أي بيان أن "فخامته" سأله أو استنكر موقفه في أفغانستان، عفواً عفوا في طرابلس ـ لبنان.. طرابلس الإخاء.. طرابلس الحقيقة.. الفيحاء وحسن الجوار..

كما تمّ تسريب معلومات من قبل أوساط الرئيس سعد الدين الحريري أن ما قاله زعماء التيار السلفي وقيادات تيار المستقبل في الشمال اللبناني هو رد فعل على ما دأب نواب وقيادات حزب الله على قوله منذ بدايات عاشوراء في الأول في محرم، أي منذ مساء يوم الاثنين في 6 كانون الأول 2010، من تهديدات وتحديد مهل ومواعيد..

فكلام طرابلس الطائفي لم يجد فيه رئيس حكومة لبنان، "كل لبنان"، سعد الحريري، ما يستوجب النفي والاستنكار.

كيف سيصل أبو العبد وأبو صطيف إلى العاصمة؟

هنا توقف الراسخون في العلم أمام هذا المشهد السريالي واطمأنوا إلى حال الناس والأموال والبلاد لدى سماعهم عقاب صقر النائب والمستشار والناطق باسم الحريري من بكركي، بأن "الموالاة هم أم الصبي وأب الصبي"!

الراسخون في العلم طرحوا الأسئلة القليلة أمام الرأي العام اللبناني، وأمام المسؤولين في طرابلس، التي هي عزيزة على كل اللبنانيين دون استثناء:

1ـ ماذا لو اجتمع فريق من المسيحيين الذي رأوا هذا المشهد في طرابلس والكلام المسيء والمذهبي، وتجمهروا في زغرتا أو في جزين أو في زحلة، أو في الأشرفية وفرن الشباك وعين الرمانة وبدارو، أو في جبيل، أو في البترون، أو في الكورة، أو في المتن، وبدأوا يصرخون لا سمح الله ذات الصراخ المذهبي؟!

2ـ ماذا لو تجمهر الموحدون الدروز في الشويفات وبدأوا يصرخون لا سمح الله نفس الصراخ المذهبي؟!

3ـ لن نسأل عن حزب الله وحركة أمل في حال تجمهرا ماذا سيكون رد فعل الحريري، وكيف سيصل (أبو العبد) و(أبو صطيف) إلى بيروت..

وعليه.. وإزاء هذا الموقف المتهوّر وغير المسؤول للرئيس الحريري، أو الموقف الذي يخبئ شيئاً ما، أصيبت المعارضة بنوع من الحذر والشك، ما لجم من اندفاعتها وموافقتها على انعقاد جلسة لمجلس الوزراء.

وجاء تساهل المعارضة وتعاونها يقابله التشدد والانغلاق، وسعيها للاهتمام بقضايا الناس يقابل باللامبالاة، وعاد البحث بجلسة الوزراء وموضوع شهود الزور إلى نقطة الصفر. فالمعارضة التي لُدغت مراراً في الماضي لن تُلدغ هذه المرة، وعليها الحصول على ضمانات حول موضوع شهود الزور والتحقيق الدولي، وعلى وعود حريرية لم تكن صادقة في أي يوم من الأيام.

وكذلك لم تعد المعارضة تقبل بأي تأجيل أو لفلفة مع موضوع (شهود الزور) كما قبلت منذ طرح هذا الموضوع بصورة جدية منذ أواخر شهر آب الماضي 2010.

إن التعيينات الإدارية على أهميتها، والاهتمام بالقضايا المعيشية الصعبة للمواطنين، لا يمكن بعد اليوم مقايضتهم بـ(شهود الزور)، ولم يعد الموضوع قابلاً لمماطلة حريرية جديدة، فالرئيس الحريري في تصريحه لصحيفة الشرق الأوسط في 6 أيلول 2010 هو من قال: شهود الزور ألحقوا الأذى بنا كعائلة الرئيس الشهيد الحريري، وخربوا العلاقة بين سوريا ولبنان، وسيّسوا الاغتيال..

وهنا رب سائل يسأل:

1ـ هل كان الرئيس الحريري على قناعة بما قاله؟

2ـ هل كان يريد الرئيس الحريري أن يمرر الوقت بانتظار أحداث لم تقع؟

3ـ هل صحيح أن الرئيس الحريري هو الذي صرّح هذا التصريح؟ مع احترامنا وتقديرنا وثقتنا بجريدة (الشرق الأوسط).

نحن نرجح الأمر الثاني، كون مسيرة الرئيس سعد الحريري منذ توليه الحكم في 9 تشرين الثاني 2009 لا تبشر بالخير الموعود، كونه يلعب لعبة خطرة جداً، تنعكس على لبنان بكل أطيافه ومناطقه، فطرابلس الفيحاء عاصمة الشرفاء وكل الطيبين المؤمنين بديمومة لبنان منذ أيام إعلان دولة لبنان الكبير.

أن أساس هذه اللعبة الحريرية، المماطلة والتسويف والهروب من مواجهة الاستحقاقات..

لذلك، التسويف لم يعد ممكناً بعد اليوم، والمطلوب من الحريري خطوة صريحة قبل أن تكون جريئة، فتضع الأمور في نصابها، وإلا فإن المعارضة لن تسمح له بالاستمرار في تعطيل وطن الأرز، ورهنه بجدول مواعيد إقليمي ودولي لا يحمل إلى اللبنانيين إلا الضرر والشر والمصائب، فوقت اللعب قد انتهى، ودقت ساعة الحقيقة، وعلى الرئيس الحريري أن يستجيب لها، إذا كان صادقاً في أنه يريد "الحقيقة" التي مجّها اللبنانيون، وإلا فإن صورة الوضع لن تبقى طويلاً كما هي الحال عليه اليوم، فمن غير المسموح أن يستمر الحريري بأخذ الوطن والطائفة السُّنية الكريمة، رهينة لمصالحة ومطامحه ومطامعه، فالحريري الأب كان رئيس حكومة لكل اللبنانيين، ولا يمكن للرئيس سعد الحريري أن يحتكر بنوة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إذ إنه يعتبر نفسه الزعيم السُّني الأول، ولم يعمل طيلة عمله السياسي الأعلى الوتر السني ـ الشيعي، فكان من المستغرب أن تكتفي الزعامات السنية حتى غير الموالية لسعد الحريري، ببيانات وتصاريح استنكار خجولة إزاء الخطاب السيئ الذي صدر من طرابلس، باستثناء ما قاله الرئيس عمر كرامي من أن طرابلس ليست عاصمة للسُّنة، بل هي قلعة للعروبة والقومية.

فاللعب على الوتر السُّني الذي خدم الحريري الابن منذ اغتيال والده حتى اليوم لم يعد مسموحاً الاستمرار فيه، لأن البلاد والعباد بدأت تتفلت منها زمام الأمور.. وعلى الرئيس سعد الحريري أن يخرج من المذهبية إلى الدين الإسلامي الكريم، و"يصلي على النبي"، فيحفظ وطنه ومستقبله السياسي.


CONVERSATION

0 comments: