"كورنت" 30 كيلو غرام يدمر دبابة 100 طن من يحتاج إلى حروب بعد اليوم؟/ نبيل عودة


" حماس استعملت سرحاً استراتيجياً يخل بالتوازن"
هذا ما طرحه قائد الأركان في اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، كما ورد في الإعلام الإسرائيلي: "سلاحاً استراتيجياً يخل بالتوازن"
ظننت لوهلة أن "ولاية حماستان" في غزة، انضمت إلى نادي الدول النووية أو باتت تملك على الأقل.... طائرات أف- 35 (الشبح) الإستراتيجية، أو طورت أساليب عسكرية ومعدات تجعلها قوة عالمية لتطوير وسائل القتال، تتجاوز إسرائيل التي تعتبر من أهم مطوري تكنلوجيات السلاح في العالم وثالث أكبر دولة مصدرة للسلاح في العالم.
بقية حديث الجنرال قائد الأركان جاء فيه توضيح أن حماس استعملت صاروخ مضاد للدبابات من نوع "كورنت" وأنه بالصدفة لم تقع إصابات بأفراد الدبابة التي أصيبت بالصاروخ، والحادثة وقعت قبل أسبوعين عندما توغلت قوة عسكرية داخل قطاع غزة "المستقل"!!
والكورنت هو صاروخ روسي صغير مضاد للدرع قادر على اختراق دروع الدبابات مهما كانت سميكة، تم ينفجر بعد الاختراق، مدمرا المدرعة من الداخل، وبالصدفة اخترق درع دبابة إسرائيلية ولم ينفجر.
لا أفهم في السلاح، حتى في أبسط قطع السلاح، المسدسات، بالنسبة لي كلها أسلحة إستراتيجية، اذا ما قورنت بقدراتي الجسدية على مواجهتها.
أما كيف يمكن أن نسمي صاروخ يزن أقل من 30 كيلو غرام بمواجهة دبابة تزن عشرات الأطنان، مسلحة بما يتفوق على الصاروخ من حيث كثافة النيران والقدرة على التدمير والقتل، الى جانب صواريخ كما أظن، تنطلق أبعد مدى من "الكورنت" تلك اللعبة الروسية الصغيرة بالمقارنة مع تسليح دبابة، صوت محركها لوحدها يدب الرعب في الإنسان.
إذن من يحتاج الدبابات التي تدمرها لعبة صاروخ روسية ، اعتبرتها اسرائيل استراتيجية وتخل بالتوازن العسكري او توازن الرعب..؟!
ربما حان الوقت للتخلص منها وتحويل حديدها الى حديد لبناء المصانع والمساكن والمدارس وسكك الحديد، وبالطبع الوصول الى قناعة أنه لا يوجد سلاح جبار رهيب، الا ويوجد أسلوب "استراتيجي بدائي" لمواجهته!!
لعل في ذلك درساً سياسياً لمخططي السياسة، من منطلق أن الحرب هي استمرار للسياسة بلغة القوة وبما أن الحرب أضحت غير مضمونة لأنه يوجد "كورنت" روسي صغير يزن 0.1% أو أقل من وزن الدبابة، قادر على تدميرها هي وطاقمها.
وعليه لكل أداة عسكرية يوجد " الكورنت" الملائم لمواجهتها، حتى لو كانت أف 35 كما آمل.. أو غواصة. ولم ننسى بعد الضجة حول الصواريخ الروسية التي اشترتها سوريا، والتي قيل أنها قادرة على إصابة أي قطعة عسكرية بحرية من مسافة 300 كيلو متر، ولا أعرف هل الصاروخ المضاد للقطع البحرية هو السلاح الاستراتيجي الرهيب، أم الغواصة القادرة على إطلاق صواريخ نووية وغير نووية (وهذا يتعلق بمن يملكها) إلى مسافات تقاس بآلاف الكيلومترات؟!
إذن حان الوقت لوقف استعمال الأساطيل العسكرية أيضا لأن لها "كورنت يخل بالتوازن".
التاريخ لا يعرف التوقف. لن يتوقف أمام إصرار إسرائيل على الحفاظ على تفوقها، أو ما تسميه "إخلال بالتوازن".
التوازن الوحيد الذي يعرفه التاريخ، هو عدم الاستهتار بقدرات الشعوب، حتى الفقيرة المسحوقة والتي لا تملك ما يسمى أسلحة إستراتيجية مخلة بالتوازن. التطوير العسكري جعل استعمال السلاح ميسرا حتى للأغبياء الأميين !!
ويبدو أن صاروخ "الكورنت" الذي وصف بأنه "سلاح استراتيجي" وهو سلاح بسيط جداً بالمقارنة مع الأسلحة الصاروخية الإستراتيجية بيد إسرائيل، وكل قدراته أن يدمر دبابة بينما أسلحة إسرائيل قادرة على تدمير دول كاملة وإعادتها الى العصر الحجري، ولكنهم لا يحبون دفع الثمن!!
مشكلة إسرائيل، أنها تريد حروباً على نسق حرب العام 1967- صفعة مدوية وانتهينا.
والمشكلة الأكثر خطورة، أنها لا تخطط لحل سلمي ومستقبل من التعاون والتطور المشترك لكل منطقة الشرق الأوسط، أو المسافة الجغرافية المحيطة بها، إنما تخطط لحرب، تكون فيها يدها الأطول، ولا تريد أن تدفع الثمن المكلف نتيجة ما تسميه "إخلال بالتوازن"، خاصة الثمن الانساني والأمني الداخلي.
نحن لا نريد لأي كان أن يدفع أي قطرة دم، في حرب مدمرة جديدة، نشم رائحتها الرهيبة في كل كلمة تصدر عن الجهاز السياسي والأمني في اسرائيل.
أقول بوضوح، من حق حماس، رغم أني أرفض كل فكرها وكل ما قامت به من خطوات سياسية، أن تتسلح بأي سلاح يشكل عائقا على التفكير بغزوة عسكرية جديدة. وأن تمتلك على الأقل ما يجعل أي عدوان جديد مكلفاً جداً، لعل ذلك يمنع المعتدي من حرب جديدة مأساوية.
لم تنشأ حماس ولم ينشأ حزب الله في فراغ. لم يقوموا في فجر أحد الأيام ليقرروا أن لهم عدواً يجب ردعه. هناك طريق واضحة للخروج من حلقة الدم المفزعة، لم تعد الحرب سلاحاً ينفع في اخضاع الشعوب واللعب بمصيرها واوطانها ومستقبلها. الدول الاستعمارية الكبرى استوعبت الدرس في اوائل منتصف القرن الماضي، ولكن اسرائيل ما زالت تتوهم انها أشطر من جميع السابقين في التاريخ الاستعماري!!

نبيل عودة – رئيس تحرير المساء – www.almsaa.net

CONVERSATION

0 comments: