في القدس انفلات وتعدي على الحقوق والكرامات/ راسم عبيدات



.......في ظل غياب أي شكل من أشكال السلطة في مدينة القدس،وما يشهده المجتمع المقدسي من انهيار قيمي وأخلاقي وتفكك وتحلل مجتمعي وأسري،وغياب أي دور مؤثر وفاعل للسلطة الفلسطينية والقوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي،تصبح الزعرنة والبلطجة والتسكع في الشوارع لشباب طائش بلا هدف هي سيدة الموقف،حيث تتنامى بشكل لافت للنظر الكثير من المظاهر والظواهر الخطيرة، ونشهد بشكل غير مسبوق قيام عصابات ومليشيات مشبوهة بالتعدي على ممتلكات وحقوق الناس من أراضي وعقارات وأيضاً على كراماتهم،حيث تقوم تلك العصابات المأجورة والمشبوهة بوضع يدها على تلك الممتلكات من أراضي وعقارات في وضح النهار بعقود مزورة وبدعم وتغطية من أناس مشبوهين وبائعي ضمير نافذين يغذونهم بالمعلومات حول الأراضي والعقارات التي يتواجد أهلها خارج البلاد،أو التي هي محط خلاف بين أفراد العائلة أو الأسرة ،والمسألة لا تقف عند هذا الحد، بل تصل الى حد فرض الأتاوات والخاوات على الناس بما فيهم أصحاب العقارات والأراضي نفسهم،وبما يدفع الناس الى الكفر ليس بالحركة الوطنية والوطن،بل ودفعهم الى خيارات سيئة قد تكون منها الاستعانة بالاحتلال وأعوانه للمساهمة في حل المشكلة أو الخلاف ،والتي قد يترتب عليها بيع وتسريب الأرض أو العقار الى جمعيات استيطانية ،وهناك أكثر من حادثة وقضية في هذا الجانب،والمأساة هنا أن جزء من هذه الزمر والعصابات باتت واضحة ومعروفة ومكشوفة،وهي تصرح وتمرح دون أي حسيب أو رقيب،وفي العديد من الأحيان تجد من يحضنها ويدافع عنها ويجعلها تتصدر الصفوف والحل والربط في قضايا عشائرية وأكبر وأبعد من ذلك،كذلك نلاحظ أن حالة الدمار والانهيار القيمي والأخلاقي،تجد تجلياتها من خلال المشاهدة اليومية لعشرات المجموعات من الشباب تتسكع في الشوارع هائمة على وجهها بدون هدف،سوى مطاردة وملاحقة بنات المدارس من شارع لآخر ومضايقتهن لفظاً وحتى فعلاً بألفاظ وأفعال وإشارات ماسة بالكرامة وخادشة للحياء،ناهيك عن أنك تشعر بأن هؤلاء الشباب في أشد حالة الضياع،وأخشى أن تتحول الأمور عندنا كما هو الحال في مصر،حيث يجري التحرش بالبنات في الساحات والمتنزهات العامة،والتحرش يطال المرأة كأنثى بغض النظر إن كانت سافرة أو محجبة،وبما يؤشر إلى عمق الأزمات الاجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية،وغياب الوعي والتربية والنظرة الدونية والقاصرة تجاه المرأة والنظر إليها من زاوية النهم والجوع الجنسي،وهنا أود الإشارة إلى أن الأمور تتطور سلباً في هذا الاتجاه،حيث قامت مجموعة من الشباب المقدسي المتسكع في ليلة العيد بالاعتداء على فتاتين عربيتين من يافا،وهذا بحد ذاته مؤشر على درجة عالية من الخطورة ودلالة واضحة على حجم حالة الضياع والتوهان التي يعيشها الشباب المقدسي،في ظل غياب وانعدام دور السلطة والفصائل والمؤسسات الأهلية والمجتمعية،والتي من المفترض أن يكون من صلب أهدافها وبرامجها وخططها الاهتمام وتوعية وتثقيف واحتضان واستقطاب هذه الفئات الشبابية،بحيث توجه طاقاتها وجهدها نحو ما ينفع ويفيد المجتمع،من خلال إقامة مؤسسات شبابية وأنشطة وفعاليات ثقافية واجتماعية وترويحية وتراثية،وبما يخدم ويعزز وجودنا وصمودنا في المدينة المقدسة،ومقارعة ومقاومة الاحتلال الذي يسعى الى تدمير هذه الفئة الحية من المجتمع الفلسطيني عبر دفعها نحو سوق المخدرات وممارسة الرذيلة وافتعال المشاكل والخلافات الاجتماعية والتسرب من المدارس وغيرها،وبما يضمن تحييدها او إخراجها كلياً من دائرة الفعل والعمل الوطني ضد ما يقوم به الاحتلال من إجراءات أسرلة وتهويد وتطهير عرقي بحق القدس وسكانها العرب والتي تتصاعد وتتكثف يوماً بعد يوم.

ولعل الخطورة تكمن هنا في تدمير الجيل الشاب وتفريغه من محتواه الوطني وإضعاف انتماءه وارتباطه بالوطن،لصالح تعزيز الانتماءات العشائرية والقبلية والجهوية،وغرس قيم وأفكار ومفاهيم غربية عن واقعنا ومجتمعنا،مفاهيم وقيم وأفكار تمجد المصلحة الخاصة والخيار الفردي،وتنأى بنفسها عن الوطن وهمومه .

وعلينا أن لا نبقى كالنعامة ندفن رؤوسنا في الرمل أو لا نرى أبعد من أرنبة أنفنا فالأمور والأوضاع في القدس ليست وردية أو على ما يرام،بل تتفاقم بشكل خطير جداً،حيث أن هناك فئة تعمل بشكل منظم وممنهج على تخريب النسيج المجتمعي المقدسي،وتنفذ وتخدم سياسة الاحتلال في هذا الجانب،فهي تشغل الناس في قضايا جانبية وجزئية وفرعية وتدخله في دوامة من الهموم والمشاكل الاجتماعية والقضايا المطلبية بشكل دائم وشبه يومي،ولا تترك له أي فرصة أو مجال للتصدي ومواجهة سياسات الاحتلال،بل وربما دفعه للقول بأن وجود الاحتلال "نعمة" أو اللجوء للاحتلال من أجل توفير الحماية له والمساعدة في حل مشاكله وقضاياه الاجتماعية وحتى الأسرية،ويقال في أنباء غير مؤكدة أن الاحتلال نجح في تجنيد العديد من الشبان المقدسيين للتنجند والخدمة في إطار ما يسمى الخدمة المدنية في جيش الاحتلال،بعد أن سجل اختراقات ونجاحات في تشكيل أجسام ولجان عشائرية مرتبطة مع شرطة الاحتلال تتولى الحل والربط والتقرير بشأن الخلافات العشائرية بين أبناء المدينة.

وكل هذا الذي يحدث وما يمارس بحق المقدسيين من بلطجة وزعرنة وانفلات وتعدي على الحقوق والممتلكات والكرامة وغيره،لا يلمس المواطن المقدسي أي دور وحضور جدي للسلطة الفلسطينية وأجهزتها وعناوينها ومرجعياتها وبغض النظر عن تسمياتها في توفير الحماية والمساهمة في حل قضاياه الاجتماعية وهمومه الاقتصادية،لذلك من هنا نرى تآكل مستمر في عوامل ثقة المواطن في السلطة وفصائل العمل الوطني والإسلامي التي يتراجع دورها وحضورها بين الجماهير،ويجد نفسه كما الغريق الذي يتعلق بالقشة،وفي ظل انعدام التوعية والتثقيف يبحث عن خيارات وعناوين قد تكلفه دفع ثمن غال على صعيد كرامته وسمعته الوطنية أو ضياع عقاره وممتلكاته،إما بيعاً أو تسريباً لجهات مشبوهة.

وبعد فعملية التدمير والتخريب في المجتمع المقدسي،في كل مفاصله وقطاعاته وفئاته يشرف عليها ويخطط لها ويوجها الاحتلال،ولكن في العديد بل ربما في الكثير من الأعمال والممارسات من بلطجة وزعرنة وفرض الأتاويات والخاوات والسيطرة على الأراضي والعقارات والممتلكات ونشر الفساد والرذيلة والأمراض الاجتماعية،هناك أدوات فلسطينية مأجورة ومشبوهة تساهم في عملية التخريب والتدمير تلك.


CONVERSATION

0 comments: