التجربة الآسيوية قراءة في شخصياتها وشخوصها/ سعيد الحمد


في مجالسنا ومدارسنا وفي أحاديثنا اليومية العابرة كثيراً ما نبدي اعجابنا وكثيراً ما نضرب الأمثال في المثابرة في العمل والجد والاجتهاد في الانتاج والكشف والابتكار وفي الانضباط بالتجربة الآسيوية وبرغم ذلك لم نبذل محاولات معرفية جادة للتعرف على دقائق وتفاصيل وخلفيات تلك التجربة المهمة بالنسبة لنا.

اللافت ان علاقتنا نحن العرب بالشرق الأقصى ليست جديدة او طارئة كما تخيل البعض فمنذ عهد محمد علي في مصر بدأت تلك العلاقة تنسج شيئاً من الخيوط التي تقطعت ولم تتقاطع حتى فاجأتنا النمور الآسيوية بتجربة أدهشتنا كما أدهشت العالم لكننا إلى الآن لم نقترب من حقيقتها فنغوص في أعماق تفاصيلها معرفة وعلماً واكتفينا منها بالعناوين العريضة تأتي كمجرد استشهادات متخمة بالاعجاب دون الفهم ودون خلفيات معرفية وافرة عن هذه التجربة الرائدة على اكثر من صعيد تنموي استطاع ان يحل اشكالية الاصالة والمعاصرة هناك دون حاجة لافتعال معارك وهمية فيها كما افتعلناها فخسرنا الأصالة الحقيقية بوصفها دافعاً ومحركا للانتاج والعمل وخسرنا المعاصرة بوصفها معرفة وعلماً واضعنا الطريق إليها في احتراب عبثي استهلكنا وأهدر طاقاتنا وزج بشبابنا في دروب التيه بلا نتيجة.
فيما ظلت التجربة الآسيوية شاخصة وقريبة منا وفي الوقت نفسه ظلت هذه التجربة تقطع الطريق التنموي بنجاح مبهر لم يدفعنا إلى البدء بقراءتها على حقيقتها الحقة.. ولذا ظلت معرفتنا بها مشوشة ومرتبكة وثقافتنا عنها مجرد ثقافة عناوين لا تغادرها ولا تذهب إلى المتن والتفاصيل.
الزميل الدكتور عبدالله المدني الباحث الأكاديمي والكاتب بجريدة «الأيام» لفتت نظره هذه التجربة الغنية كما لفتت انظارنا لكنه لم يقف منها على مسافة بعيدة كما وقفنا بل استطيع القول انه غاص فيها حتى الأعماق بحثاً وتنقيباً ودرساً وتفكيكاً ومعايشة أيضاً وفهماً للغتها وكما يفعل أي باحث جاد ومجتهد «تخصص» في الشأن الآسيوي بعد سنوات من الدرس العملي والأكاديمي للتجربة فاستطاع فعلاً ان يثري معرفتنا بهذه التجربة بشواهد ومشاهد نحن أحوج ما نحتاج لها لمعرفة التجربة.
سلسلة كتاباته الاسبوعية المطولة عن الشرق الأقصى تصلح مرجعاً أكاديمياً لكل من يدرس التجربة ولكل من يود ويريد معرفة شيء عن تفاصيلها.. والجميل في عمله الكبير والأخير الذي بين أيدينا الآن «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى» انه يأتي مختزلاً بشكل مكثف تاريخ التجربة هناك عبر عرض مشوق وعميق لسيرة ومسيرة شخوصها وشخصياتها المؤثرة.
وبأسلوبه «السهل الممتنع» يقدم بالفعل لوحات أو صور اقليمية نحتت صورة التجربة الآسيوية بسبك محكم عبر هذه الصور لسيرة شخصياتها التي صنعت التجربة بسلبياتها وايجابياتها كتجربة كبيرة وثرية ومهمة بالنسبة لنا نحن العرب مع الاعداد الذي بلور لنا صورة كل شخصية وخلفيات مسيرتها في تاريخ الشرق الأقصى كان في كتاب الدكتور المدني يأخذ شكل «الرواية» بما يدفعك إلى قراءته بمتعة معرفية خاصة تتسلل إلى وجدانك وعقلك بهدوء هادئ وتمضي معها بإرادتك لكشف الزيد من هذه الشخصيات الكثيرة التي استطاع الصديق «أبوتيمور» ان يجمعها في هذا الكتاب الجميل دون ان ترتبك عنده الخيوط وخطة الإعداد برغم الخطوط المتباينة لكل شخصية آسيوية عرض لسيرتها.. لنخرج في النهاية بأننا امام كتاب لا غنىً لنا عنه إذا ما أردنا الاقتراب ليس من معرفة التجربة الآسيوية فقط ولكن إذا ما أردنا فهم الأحداث هناك وتقلباتها في البلدان التي تجهل تاريخها فجاء كتاب الدكتور عبدالله المدني ليفتح لنا نافذة كبيرة على ذلك التاريخ الذي لاشك نحتاجه إذا ما أردنا تأسيس معرفة بالتجربة الآسيوية المبهرة وإذا ما أردنا الوقوف على تاريخها من خلال تاريخ شخوصها وشخصياتها.
وجهد الباحث في كتابه «لوحات بيوغرافية من الشرق الأقصى» يرحل بنا مع سيرة ومسيرة عشرات الشخصيات الآسيوية بدءاً من اليابان وصولاً إلى كمبوديا مروراً بشخصيات وأسماء وشخوص من الصين وتايوان وهونغ كونغ والكوريتين وأندونيسيا وتيمور الشرقية وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبورما.. وهي رحلة مع شخصيات وشخوص صنعوا تاريخ التجربة الآسيوية في نجاحاتها وأيضاً في اخفاقاتها وبالنتيجة فقراءة سيرة ومسيرة هؤلاء تصبح جزءاً مهماً في قراءة التاريخ المعاصر لتلك المنطقة والمهم لتلك التجربة.الشرقية وماليزيا والفلبين وتايلاند وسنغافورة وبورما.. وهي رحلة مع شخصيات وشخوص صنعوا تاريخ التجربة الآسيوية في نجاحاتها وأيضاً في اخفاقاتها وبالنتيجة فقراءة سيرة ومسيرة هؤلاء تصبح جزءاً مهماً في قراءة التاريخ المعاصر لتلك المنطقة والمهم لتلك التجربة.


CONVERSATION

0 comments: