بعد أن استحر القتل في سورية بمراسيم طبقاً للقانون (49) الصادر عام 1980م، الذي يجرم كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين ويحكم عليه بالإعدام، وإنشاء المحاكم الميدانية العسكرية التي خُولت بإصدار عقوبة الإعدام بحق عناصر الإخوان المسلمين وتنفيذها، الأمر الذي دفع الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين وأقربائهم وأصدقائهم على الفرار إلى دول الجوار القريبة أو البلاد البعيدة.
فقد استقبلت تركيا والعراق ولبنان والأردن والسعودية ودول الخليج الآلاف ممن تمكنوا من الفرار، وكان نصيب الأردن الحظ الأوفر من هؤلاء الفارين والنازحين لسهولة الانتقال إليه، إذ لم يكن السوري بحاجة إلى تأشيرة دخول من جهة، ولطول الحدود بين البلدين وسهولة عبورها، فتجمع في الأردن أعداد كبيرة جداً طلباً للنجاة من الموت والقتل على الهوية.
ورحب الأردن بالإخوان ملكاً وحكومة وشعباً، وعوملوا كما يعامل أبناء الأردن سواء بسواء، وسهلت الحكومة، بأوامر من جلالة الملك الحسين، الإقامة للوافدين السوريين، فوجدوا كل رعاية كريمة وحسن ضيافة، ومُكنوا من مزاولة الأعمال الحرة في البلاد، حتى غدا العديد من السوريين يملكون محلات تجارية مميزة ومؤسسات تجارية وعقارية، ومكاتب هندسية، وورشات حرفية، وعيادات طبية، وأكثر ما ميزهم محلات الحلويات والمعجنات الشامية المشهورة، التي لا يخلوا منها مكان سواء في العاصمة أو المدن الأردنية الأخرى. إضافة إلى اشتهار العديد منهم بتبني الإنشاد الديني، وظهورهم في الإذاعة والتلفزيون والمهرجانات العامة والحفلات الخاصة. وعلى سبيل المثال (أبو محمود الترمذي، وأبو راتب، وأبو الهدى).. وحتى بعد وفاة الملك الحسين رحمه الله فإن جلالة الملك عبد الله سار على نفس خطى والده، حيث شمل الإخوان السوريين بمزيد من الرعاية وحسن الضيافة، وكان الإخوان الأردنيين على قدر كبير من المسؤولية تجاه إخوانهم السوريين، فقد كانوا لهم كما كان الأنصار في المدينة للمهاجرين إليهم من مكة.
ولم يكن العراق أقل ترحيباً من الأردن بالإخوان السوريين، فقد فتحت لهم بغداد ذراعيها واستقبلتهم أحسن استقبال، وأقامت لهم معسكرات التدريب، والتحق العديد بالجامعات في مختلف المحافظات العراقية، وسهلت لهم الحركة داخل البلاد، وخارجها ومنحت العديد منهم الجوازات العراقية لاستخدامها في أسفارهم سواء من أجل عمل تنظيمي أو من أجل استكمال الدراسات العليا، وتخرج من الجامعات العراقية الآلاف من الطلبة السوريين في جميع الاختصاصات العلمية والإنسانية.
كذلك استقبلت السعودية ودول الخليج واليمن الآلاف من السوريين الفارين ومكنتهم من الإقامة والعمل ويسرت لهم سبل العيش حتى غدا العديد منهم من أصحاب اليسار والغنى.
وتمكن العديد من الإخوان السوريين أن يعبروا البحار ويقيموا في دول أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، وأن يعملوا في مختلف الأعمال المهنية والعلمية، وكان منهم من وصل إلى أن يكون عالماً متخصصاً يشار إليه بالبنان، أو أستاذاً في أرقى جامعات أمريكا وكندا وأستراليا والغرب بشكل عام. أيضاً فإن الآلاف منهم شاركوا في الجهاد في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، وكان منهم قادة ومدربين وموجهين. كذلك استقبلت باكستان وماليزيا وأندونيسيا المئات منهم.
جماعة الإخوان المسلمين وحزب البعث
يجهل العديد من الناس أن الإخوان – رغم اختلافهم مع إيديولوجية حزب البعث – قد تعاونا في بعض الفترات في المجال السياسي الوطني، حيث التقت وجهات نظر الطرفين في التصدي لمشروع (سورية الكبرى) والأحلاف الغربية في المنطقة وقضية فلسطين والإصلاح الزراعي.
ولعل أبرز تعاون قام بين الطرفين كان في 12 أيلول عام 1947م حين نظمت الجماعة مؤتمراً شعبياً في المسجد الأموي الكبير بدمشق تنديداً بقرار تقسيم فلسطين الذي اتخذه مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أصدر المؤتمر (ميثاقاً) تشكلت بنتيجته (اللجنة المؤقتة للدفاع عن فلسطين). وكان صلاح البيطار ممثل البعث في هذه اللجنة. كذلك في خلال صدام الجماعة الأم في مصر مع ضباط انقلاب23 يوليو/تموز عام 1952م، حيث وقف البعث إلى جانب الجماعة في محنتهم، وندد بما أقدم عليه عبد الناصر من إعدام ثلة من قادة الجماعة في مصر، إضافة إلى التحالف غير المعلن في التصدي للشيوعية.
الطليعة المقاتلة تُصاب بانتكاسة ميدانية
وجه عدنان عقلة رسالة داخلية بصوته في تموز عام 1980م، عبر فيها عن انتكاسة أصابت الطليعة في ميدان عملها، إذ اعترف بـ(الخسائر الفادحة) و(المحنة الثقيلة) إلا أنه هوّن منها واعتبرها (محنة عابرة) ودعا أولئك الذين وقفوا (مع الثورة في أوج صعودها) - على حد تعبيره - إلى تجديد التفافهم حولها، و(إلا فإنهم كانوا يخدعون أنفسهم) وتوعد عقلة كل أعوان السلطة الذين حددهم (بالمهيمنين والحزبيين والشيوعيين البكداشيين والمخبرين والجواسيس) بالانتقام والتصفية.
وراحت الطليعة توجه رصاصها إلى أهداف اعتبرتها معادية لها. وهذا تحول في إيديولوجية الطليعة، فراحت تغتال عناصر عادية وبسيطة وسهلة، بحجة أن هذه الأهداف هي عيون السلطة مدسوسة في صفوف الجماهير وتمثل خطراً على الطليعة، مما أثار سخط الناس عليها، وجعل حلفاء الأمس يبتعدون عنها.
وعلق الشيخ سعيد حوى (رحمه الله) على الحال التي وصلت إليه الطليعة قائلاً: (وكثر في ضوء ملاحظاتنا الميدانية لهذه الفترة معدل الأهداف البسيطة والسهلة مما دفع إلى تقلص مد الثورة والشعور بذبولها، وهذا دفع فصائل الإخوان المسلمين إلى الوفاق).
يتبع
0 comments:
إرسال تعليق