نظرة في انتخابات السلطات المحلية/ شاكر فريد حسن

يفصلنا حوالي شهر ونصف عن انتخابات السلطات المحلية ، التي من المقرر أن تجري في الثاني والعشرين من تشرين الثاني القادم . وتشهد ساحات قرانا ومدننا وبلداتنا العربية مع اقتراب موعد هذه الانتخابات حراكاً انتخابياً عائلياً وشعبياً يتمثل في اعلان العديد من الشخصيات الاجتماعية والاعتبارية خوض المنافسة على رئاسة السلطة المحلية .
ورغم اهمية الانتخابات المحلية ، التي أخذت تفوق الانتخابات البرلمانية ، الا انها للأسف تحمل في طياتها وثناياها مظاهر العنف، واصبحت أداة لزيادة الاستقطاب العائلي والتصدع الاجتماعي والممارسات اللاأخلاقية ، وتحقيقاً للغايات الشخصية والنفعية والانتهازية ، باعتبارالسلطة المحلية منصة استعراضية للوجاهة والمخترة، والصراع على المصالح، وساحة للتأثير الفعلي الحقيقي ،  واثبات للذات ، وتصفية للحسابات الشخصية .
ما يميز هذه الانتخابات هو كثرة المرشحين المتنافسين الطامحين بالوصول لرئاسة السلطة المحلية ، حيث نجد في كل قرية وبلدة ومدينة عربية أكثر من تسعة أو عشرة مرشحين ، وهذا ان دل على شيء فيدل على الطموحات والمطامع الشخصية والمكاسب الذاتية التي يرنو كل مرشح جنيها بعد تسلم السلطة .
في الماضي كانت المنافسة تجري بين الأحزاب الوطنية والقوى السياسية الفاعلة في الشارع العربي وبين رجالات السلطة وأحزابها ، لكن للأسف الشديد ان التنافس في العديد من بلداتنا العربية اصبح بين كتل ومجموعات عائلية وطائفية،  بدلاً من التنافس بين قوائم وتنظيمات وقوى حزبية تتصارع على  برامج سياسية وفكرية ومشاريع مستقبلية واضحة المعالم والآفاق . 
لا اجافي الحقيقة اذا قلت ، انه في العقد الأخير اختفى النقاش والجدل السياسي والفكري والايديولوجي ، وغابت الأحزاب لصالح العائلية والطائفية ، حتى أن العائلات انقسمت على ذاتها ونفسها ، وتغلبت المصلحة الشخصية على المصالح العامة ، وصارت كل الوسائل مباحة وغير محرمة، من القذف والتشهير والشتائم الى تزوير ارادة الناخب وصولاً الى استخدام السلاح الناري واطلاق الرصاص . باختصار يمكن القول ، هنالك سيطرة وهيمنة للعائلية والحمائلية وتراجع ونكوص للحزبية السياسية .
لقد كنا نصبو ونتطلع في قريتنا العامرة الشامخة "مصمص" الى تحقيق وانتصار المشروع الوحدوي المستقبلي ، الذي يصون النسيج الاجتماعي العام ، ويمنع الشرخ والتصدع والخلاف العائلي ، لكن يبدو ان ذلك يبقى حلماً في الخيال  بعيد المنال، كالوحدة العربية الشاملة ، فلم يتحقق على أرض الواقع بسبب اختلاف الرؤى ووجهات النظر والمواقف ، ونتيجة الوسواس القهري والاحساس بوهم "المؤامرة"  الذي يلازم البعض فضلاً عن روح الثأر والانتقام وعدم نسيان وتجاوز جراح الماضي. ويصدق في ذلك قول الشاعراحمد ابن الحسين ابو الطيب المتننبي  : 
ما كل ما يتمنى المرء يدركه      تجري الرياح بما لا تشتهي السفن 
اننا نريد بأن تكون المنافسة الانتخابية ، ولا أقول معركة انتخابية ، منافسة ديمقراطية عقلانية وحضارية هادئة ، بعيدة عن التجريح الشخصي ، وعلى الجميع المحافظة على الأجواء الديمقراطية الراقية والعلاقات الأخوية التي تجمع بين الأهل جميعاً ، واستخلاص العبر والدروس من تجارب الماضي ، والتحلي بالمسؤولية الأخلاقية التي تفرض الالتزام بميثاق شرف  يضمن الحفاظ على أصول وقوانين اللعبة الديمقراطية .  فالانتخابات يوم ونحن دوم ، وسنواصل معاً مسيرة ودرب الحياة لما فيه صالح مجتمعنا ومستقبل اجيالنا الناشة والقادمة . 

CONVERSATION

0 comments: