نعم المشكلة في الفكر الإسلامي/ سعيد علم الدين

اذا اردنا ان نُسطح الامور المعقدة منذ قرون بِخفةٍ، ونُحَلِّقَ مع عقدها الْمُلْتفَّة حول اعناق شعوبنا كحبل المشنقة، اختيالا في الفضاء العالي على بساط الريح المريح، فلا بد ان تَسْطَحنَا الحياة وترمينا من علو الى اسفل متخبطين على ارض الواقع، وفي الحالة العربية والاسلامية، كالنسر الجريح الذي امتد بجناحيه يوما ما من اوروبا الى الصين ويقف اليوم دولا وشعوبا ومجاهدين عاجزا امام ضياع فلسطين واستشراس الصهاينة في تهويد القدس العربية امام اعين مئات الملايين.
واذا اردنا ان نسطحَ الامور الشائكة بلا مبالاة وننام على اشواكها نوم السعداء دون الشعور بوخزها، حيث العادة تقتل الم الوخزة، فلا بد ان تَسْطَحَنَا الحياة بعد ان تُعرِّينا على حقيقتنا الواهية امام الآخرين، لا حول لنا ولا قوة، وتسحقَنا تحت عجلاتها العملاقة التي لا تنفك تدور رحاها مع دوران الكرة الأرضية على من فيها، طاحنة في دورانها الامم المتخلفة الجاهلة المريضة بمرض الغرور والتي تقف بصبيانية كمراهقة بلهاء، معاندة مكابرة غبية حمقاء في طريق دورانها.
فالزمن فارس الحياة وخيَّالُها: لا يرحم! لا يتوقف! ولا يعود الى الوراء! وفرسان العصر الشجعان هم من يحولوه الى مطية يصعدون عليها غزوا للفضاء، ونزولا الى اعماق البحار، وكشفا لأسرار الأكوان في انتصار لثقافة الحياة في خدمة الانسان:
علما ونورا، خيرا ورفاهية، اختراعا وابداعا، حداثة وسعادة، تقدما وحضارة، حرية وديمقراطية.
وكل ذلك ضمن دولة مدنية عصرية تحترم حقوق انسانها، تمارس فصل السلطات، تحكمها قدسية العدالة ونزاهتها من خلال الدستور والقوانين، التي تطبق بالتساوي على الحاكم قبل المحكوم،
وليس وليس وليس .... من خلال دعاء ومواعظ وابتهالات رجال الدين المسلمين المهللين الفرحين المرحين المستبشرين المرحبين المنشرحين الصدور، المستسلمين المكبرين المعظمين الساجدين الراكعين المنسحقين بسرور للحاكم المستبد المتسلط الدموي الشرير الطاغية الفاجر التافه الظالم على حساب الشعب المُقْعد المسلوب الإرادة، المغلوب على امره المستعبد المنهك المظلوم.
وسلب ارادة الشعوب العربية والاسلامية وتخديرها يتحمل مسؤوليتها رجل الدين المسلم بالدرجة الاولى. كيف لا، وهو مُعمَّمٌ ومقدسٌ ومقدمٌ ومهندسٌ للفتاوي العصرية بمختلف الأحجام والأنواع والمقاييس والموازين وقتل ميكي ماوس الحزين، والتي لا تقبل حق النقض، ويجب اطاعته طاعة عمياء من عامة الشعب المسكين.
كيف لا، وهو الممثل الشرعي لسلطة الله الغيبية على الكرة الأرضية!
واذا كان الله غائبا في كيانه، فرجل الدين المسلم حاضرا مكانه.
تصديقا لما نقول: قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} (البقرة 3).
ولا عجب بعد ذلك ان يصيبنا هذا العجز الكامل في مواجهة التحديات المصيرية المتمادية من كل الجهات، وفي حل مشاكلنا المتفاقمة يوما بعد يوم ومن سيء الى أسوأ. العراق يشهد. الصومال تشهد. غزة المحاصرة تشهد. اليمن يشهد. فلسطين المنكوبة تشهد. السودان يشهد. مجازر الجزائر تشهد. باكستان تشهد. افغانستان تشهد. لبنان لولا حكمة وصبر وديمقراطية وحضارة وسلمية قوى 14 اذار ومرور شعبه بتجارب الحرب الاهلية المرة المريرة لكان اليوم صومالا او عراقا او يمنا او ربما شيشانا ابتلعته الشقيقة الكبرى.
كل الدول والمجتمعات الاسلامية المنكوبة بحروب او بدون حروب وبلا استثناء هي اليوم عالة على باقي الامم وفي عجز امام تحديات الحياة العصرية وتعقيداتها ومتطلبات شعوبها وطموحات شبابها.
اما اذا اردنا ان نتعمق في الامور لنجد المشكلة ونحللها بهدوء وعقلانية فلا بد وان نجد لها حلولا. واهم من المرض العضال الغامض هو كشف كنهه بأدوات واجهزة الطب الحديثة ليتم تشخيصه من قبل الأطباء ومعالجته. واهم من المشكلة المستعصية هي معرفتها وكشفها لكي يتم تشخيصها وايجاد الحلول لها والا فاننا سنتخبط على غير هدى خبط عشواء وكما هو حالنا اليوم.
وكنت قد نشرت مقالا بعنوان:
"لا يكفي إبطال مفعول فتوى ابن تيمية".
محمِّلا من خلاله وانطلاقا من افكار ابن تيمية الدينية المتطرفة الفكر الديني الاسلامي بشكل عام وليس المسلمين مسؤولية ما آلت اليه اوضاع المجتمعات والدول الاسلامية من ضعة وفقر وهوان.
فالمجتمعات والدول الاسلامية شعوبا وحكاما ورجال دين تحولت الى حالات شاذة وغريبة منغمسة في الرشاوي والمحسوبية والفساد، وعصية على التغيير الى الافضل، ورافضة للحداثة وعلاقتها بها وبالتطور الانساني العصري انها تغرف فقط من مادياته بشغف وعشق وتحارب روحه في الحرية وقيمه الديمقراطية بارهاب وعنف.
ولا يمكن ابدا تجميل التخلف والتطرف، والتأخر والتناحر، والفوضى والتكاثر، والتنابذ والتقاتل، وسفك دماء الأبرياء وتفجير المنازل، والا يكون الانسان يرتكب اثما عظيما بحق نفسه ووطنه وشعبه وامته.
زد على ذلك ما افرزه وصدره الفكر الديني الاسلامي مشبعا بفتاوي مشايخ التكفير والتفجير والايات ذي الاحزمة الناسفة حيث حوريات جنان النعيم بانتظار العريس القاتل المجرم المنفجر الذميم.
ما افرزه وصدره هذا الفكر من ارهاب دموي بشع جدا جدا جدا لا يجاريه بشاعة الا بشائع ووحشية القرون الوسطى الظلامية.
هذا الفكر الظلامي الاستبدادي الشمولي لا يمكن السكوت عنه. يمارسه المسلمون معبئين بفتاوي رفض الاخر واسكاته وقتله وسفك دمه واغتياله والنتيجة هجرة العقول المفكرة والادمغة المبدعة ومعها الملايين من المجتمعات العربية الاسلامية الى دول الغرب المسيحية الديمقراطية الحضارية الراقية.
المهم بعد ان نشرت المقال المذكور عن ابن تيمية علق على مقالي احدهم تحت اسم مسلم ناصح قائلا:
"نسأل الله تعالى أن يفتح عليك و يهديك اليه هديا جميلا يا مستر علم الدين. حقا غيرتك في محلها ولا يخالفك فيها أحد و لكن لا يليق بك ان تكتب كل هذه التناقضات التي جاءت في مقالك. فما شأن الفكر الديني والتخلف الذي مُنيت به الأمة العربية والإسلامية التي تُحكم بأنظمة لا تمت الى الإسلام بصلة سوى ما في غالبية دساتيرها أن دين الدولة الإسلام؟ و حتى تلك الدول التي تُعلن تطبيقها للإسلام ترانا نجد أن العادات و التقاليد الاجتماعية الخاصة بها قد غلبت على أحكامها التي لا علاقة لها بالإسلام الحنيف والتي تكاد تعصف بمجتمعاتها ببراكين من التطرف والردة على حد سواء. فمَن المسؤول إذاً عن التخلف العلمي و الحضاري و تهجير المبدعين والمفكرين والعلماء من بلادنا يا مستر علم الدين؟ الشعوب التي تتخبط بين الأفكار الدينية والعلمانية و اللادينية والمبادئ الشيوعية و الاشتراكية و الديمقراطية و غيرها التي يسعى الجميع فاشلين في تطبيقها بسبب الأنظمة المتخلفة والمليئة بقوانين مهترئة يحميها حكامٌ عملاء همهم الأول و الأخير الحفاظ على "كراسيهم" أم الأنظمة نفسها و حكامهم؟
ثم إذا كان بعض الناقمين على الذل و الهوان الذي أوصلنا حكامنا إليه قد اعتمدوا على فتاوى من هنا و هناك و حملوها على غير محملها و أطلقوا لأنفسهم العنان في القياس و الاستنباط لإيجاد مخارج شرعية لهم يبررون أعمالهم التي يرفضها غالبية المسلمين و علماؤهم فهل هذا يعطيك العذر أن تحمل عالماً من علماء المسلمين السابقين أو المعاصرين ذنوبهم أم أنه عليك أن تحمّل حكامنا الذين أوصلوا الناس ليس فقط الى التطرف في الأفكار الدينية بل الى الكفر بدين الله أيضاً واليأس من أي خير يمكن أن يجدوه في بلادهم في ظل هؤلاء الحكام و أنظمتهم الدكتاتورية؟"
مع الشكر الجزيل لأخي المسلم الناصح على تعليقه الا اني سأفند ما جاء به من افكار وما اورده من نقاط في الجزء الثاني من هذا المقال.
يتبع!

CONVERSATION

0 comments: