القرآن وحقوق العمال/ سعيد علم الدين

في البداية لا بد من توضيح كلمة حق لقطع الطريق على البعض. الذين يمطون بالحقيقة حسب الطلب ويقصرون، ويجدلونها في الفم كالعلكة وبها يثرثرون، ويطلعون منها ولا ينزلون، ويخرجون عنها ويدخلون. لماذا؟
لكي يبرروا وبأي وسيلة صحة ما يريدون، فيمتقع وجه الحق خوفا على جوهره مما يفعلون.
فحق العمال ليست كلمة عشوائية فوضوية يتم ليَّ رقبتها كما يفعل بعض الكتبة من اصحاب الحق الشمولي المطلق. حيث يتم بيع الناس:
وعظا جميلا طناناً رناناً بالأطنان، وغيوما زرقاء على مد عينك والنظر، وسمك في البحر. لا لا فكلمة حق التي نقصدها هي:
دقيقة جدا دستورية، محددة، يشرعها القانون ويجب على الدولة ان تسهر على تنفيذ بنودها، وتعاقب من يعمل عكسها او يحاول التهرب من تطبيقها.
ومن هنا عندما نقول حقوق العمال نعني نظاما مكتوبا بفقرات قانونية دقيقة وواضحة المعاني تعطي العامل حقوقا في حالات المرض والنقاهة والاستراحة والعطلة والاجازة، وتحميه من الطرد او القهر او الضرب او الاستغلال او التعسف او الاستعباد.
كيف لا وعلى اكتاف العمال البسطاء تأسست الحضارات، وانطلقت المجتمعات، ونهضت الأمم، وتوسعت الدول، ولولا عمل ومجهود وتعب العامل، لما استطاع الجندي في المعركة ان يحصل على الدعم المادي ويصمد ويقاتل، ولما استطاع القائد او الامبراطور او السلطان او الخليفة او الرئيس ان يدخل التاريخ من بابه الواسع.
ومن عرق العمال الغزير المتدفق من الأجساد على التراب استصلحت الاراضي الزراعية، وجُرَّتِ المياه وحفرت الآبار، فنبت الخضار، واثمرت الأشجار ودجنت المواشي، فشبع الناس الخبز واللحم والثمار وازدهر الاقتصاد وعم الرخاء وتكاثرت الشعوب وتبادلت البضائع والصادرات وتوسعت الامبراطوريات.
والعجيب ان هذة الطبقة الكادحة العاملة، والمهمة الفاعلة، والتي تمثل الشريحة الاوسع في المجتمع كانت دائما مسحوقة خلال التاريخ ومستغلة ابشع استغلال ومستعبدة الى درجة الرق تحت نظر رجال الدين الأفاضل.
حتى ان كل الاديان دون استثناء والتي تدعي الهبوط على جناح الغيمة الزرقاء من السماء، خذلتها، ولم تلتفت لمعاناتها، ولم تلحظ حقوقا لها في كتبها، ليس هذا فحسب، بل وتحالفت دائما السلطة الدينية مع الاقطاعيين والاغنياء من البكوات والاغوات والنبلاء واصحاب الرساميل، ومع الاقوياء كالامراء والملوك والسلاطين على تطويع العمال والفلاحين ابناء الدرجة السفلى وعلى وقع ترتيل الآيات. تصديقا للقول القرآني:
"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ" الانعام 165.
فهذه الآية هي تعبير واضح عن فكر بشري بدائي لم يخذل العمال والمستضعفين في الأرض فقط، بل وبرر بالإنزال الإلهي درجتهم الدنيا وتحكم ابناء الدرجات العليا بهم. المطلوب القول هنا:
يا ايها الناس كلكم متساوون بالحقوق والواجبات امام القانون.
ويعود الفضل الى انكلترا في بعث فكرة حقوق العمال الى الظهور لأول مرة في التاريخ البشري. حيث قامت فيها في القرون الوسطى عدة ثورات تطالب بحقوق للعمال. وفي عام 1833، مرر قانون ينص على أن أي طفل تحت سن التاسعة لا يحق له العمل، والأطفال ما بين سني 9-13 لا يفترض أن تتجاوز ساعات عملهم 12 ساعة يوميا.
الا ان بدأت مع قيام الحقبة الصناعية في اوروبا المطالبة بقيام نقابات عمالية وسن قوانين تحمي العامل من تعسف رب العمل له. وظهر هنا المفكر التاريخي كارل ماركس كابرز المناصرين لحقوق العمال ودعم مطالبهم العادلة في وجه جشع الطبقة الرأسمالية.
والعجيب هنا ان القرآن الذي يدعي انه فيه كل شيء ولم يغفل لا عن شاردة ولا عن واردة، كيف انه غفل عن هذا الموضوع الانساني المهم جدا لقيام دولة العدالة الاسلامية.
ولم يأت القرآن والذي هو دستور الدولة الاسلامية العتيدة النازلة على جناح الغيمة الزرقاء على ذكر كلمة عمال مرة واحدة.
فكيف اذن سيتم التشريع لهم من خلاله؟
ام نقتبس هنا من قوانين الغرب العمالية ونؤسلمها بالضربة القاضية!
من السهل ان يحلم الحالمون بدولة اسلامية دستورها القرآن. أي دين ودولة. وعند التطبيق يدمرون الدولة ويشوهون الدين.
ومن السهل ان يرفع الإخوان شعار الاسلام هو الحل.
ولكن ما هو الحل، وفي كل التجارب الفاشلة؟
هو لا حقوق عمال ولا نهضة للمجتمع، وانما تخلف وجمود بفرض النقاب والحجاب، وتقييد حرية الناس وتكميم افواههم والتدخل في خصوصياتهم، وقتل الابداع ومحاربة الفكر، وقطع يد السارق ومنع الخمرة وانشاء فرق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تسير في الشوارع كجيوش العاطلين عن العمل في قمع العمال.
اما حقوق العمال فليس لها أي مستقبل في الشريعة الغراء
وهكذا وجدناها كيف تعززت حقوق العمال وازدهرت تجارة المخدرات والاستغلال في دولة طالبان وغيرها من الدول التي ارادت تطبيق الشريعة كالسودان والصومال وايران وباكستان.
من السهل ان نقول ان الاسلام كفل حقوق العامل واذا بحثنا عن بنود هذه الحقوق فلن نجد لها اثرا في القرآن والفكر الاسلامي عامة، الا ما اقتبسوه من الغرب في العصر الحديث ويلصقوه بالاسلام.
ولهذا من السهل الممتنع الحصول ان نعلن على الملأ انه صالح لكل زمان ومكان، وعند الامتحان لا يكرم المواطن، بل يستعبد باسم الدين ويهان!

CONVERSATION

2 comments:

الحاج سمير ـ بلجيكا يقول...

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أخي أريد أن أسألك: هل أنت مسلم، أم أنك مرتد؟
إذا كنت مسلماً فكسف تسيء لقرآنك؟ وإذا كنت مرتداً فاترك كتاباً وشأنه؟
نحن فخورون به، وبخاتم الأنبياء فلماذا تتعب نفسك، أو بالاحرى تسيء اليها.

محمود ـ السعودية يقول...

يا حضرة الحاج الكريم
لماذا لا يحق لأي كان نقد القرآن.. فإذا كان الله سيقاصص أخانا سعيد على كتاباته فاتركوا الأمر للغلي القدير؟ أم أن تعلنون أنفسكم أوصياء على الله فهذه لن يرضى بها الله..
قد أكون ضد كتابات سعيد ولكنني احترم رأيه طالما أنه يحترم رأيي.