...... بداية لا بد من القول بأن الغرب والأمريكان قالوا مراراً وتكراراً بأنه لا صدقات دائمة لهم في المنطقة بل مصالح دائمة،وعلى هذه القاعدة جرى تبدل وتغير الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة العربية عدة مرات خدمة لهذه المصالح،فأمريكا بعد سقوط حكم الشاة في إيران وأحداث البرجين في سبتمر/2001 والدوائر الاستخبارية والمراكز البحثية الأمريكية تعكف على رسم سياسة أمريكية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط تضمن لها الحفاظ على مصالحها في المنطقة،وقد كانت سياسة المحافظين الجدد قائمة على شن حروب استباقية وغزو عسكري واحتلال عسكري مباشر،وعنون بوش الاب السياسة الأمريكية عالمياً، بأن من ليس معنا فهو ضدنا،وكل من عارض أو رفض السياسة الأمريكية فهو ضمن محور الشر،وكان غزو واحتلال أفغانستان والعراق ضمن أطار هذه السياسة،ولتأتي التطورات اللاحقة لتثبت عقم هذه السياسة وفشل هذه الإستراتيجية،ومن هنا جاء تقرير بيكر – هاملتون لينتقد تلك السياسة،ويرسم معالم إستراتيجية أمريكية جديدة جوهرها يقوم على الاحتواء ونشر الفتن الداخلية والفوضى الخلاقة في المنطقة.
وعكفت الدوائر الاستخبارية والمراكز البحثية الأمريكية على دراسة مدى قدرة الأنظمة العربية الموالية لها على تنفيذ هذا الدور والمخطط،واختبرت أمريكا مخططها عبر قيام إسرائيل بتنفيذ حرب بالوكالة عنها لإقامة وبناء ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد،عندما شنت حربها العدوانية على حزب الله في لبنان،تموز/2006 ،وبغطاء عربي من النظام الرسمي العربي(معسكر الاعتدال)،وكان هدف الحرب تحطيم وكسر وفكفكة حلقة التحالف بين حزب الله وسوريا وإيران،ولكن فشل إسرائيل في تحقيق الهدف من هذه الحرب،وشيوخ واهتراء وتعفن أنظمة الفساد والديكتاتورية العربية المعتمدة عليها من أجل حماية والدفاع عن مصالحها،جعلها تفكر بطريقة جديدة تقوم على توظيف الدين الإسلامي لخدمة سياساتها ومصالحها،من خلال تحويل الخلاف السني- الشيعي الى فتنة ومن ثم حروب أهلية إسلامية- إسلامية،عانى منها المسلمون سابقا ودفعوا ثمنها غالياً من خلال اقتتال ملوك الطوائف على الحكم والسلطة،وقد سعت أمريكا الى نقل وتحويل الصراع من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع عربي- فارسي ووظفت لتلك المهمة نظام مبارك وبن علي وأنظمة الخليج العربي وكذلك المرجعيات الدينية السنية تجندت لهذا الغرض،ولكن الدوائر الحاكمة في واشنطن وصناع القرار لم تكن راضية على النتائج المتحققة على يد تلك الأنظمة،وبالتالي رأت انه لا مناص من التضحية بهذه الأنظمة،وتبدل التحالفات،تحالفات جديدة تقوم على ضمان مصالح أمريكا في المنطقة،ولو كانت نتيجتها التحالف مع أعداء الأمس فأمريكا خلقت القاعدة وطالبان وعندما استنفذت دورها وتمردت عليها انقلبت عليها،وللجم هذا العدو وتحجيمه،وكذلك منع إيران من التحول الى قوة إقليمية تدخل على خط المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة،فلا بد من محاربة الإسلام بالإسلام،وعزل إيران في العالم العربي والإسلامي بالفتنة المذهبية،وكذلك محاربة القاعدة من خلال الإسلام المعتدل،وبالتالي كانت صفقة الإخوان المسلمين وأمريكا من اجل تحقيق هذا الغرض والهدف،والخطوط العامة للصفقة تتلخص بالاعتراف الأمريكي والغربي بالإخوان المسلمين مقابل تولي الإخوان للسلطة مع تعهد بحماية الأقليات وتطبيق معقول للشريعة الإسلامية،وأن يقف الإخوان الى جانب أمريكا ضد التمدد والتوسع الإيراني- الشيعي في المنطقة،وعدم تغير بنية الجيش،وكذلك ضمان استمرار المعاهدات والتطبيع مع إسرائيل ولا ضير ولا ضرار من اتخاذ مواقف سياسية لفظية عدائية تجاهها،وإقامة الدول الدينية المتحللة من القومية العربية،حتى يتم ضمان بقاء واستمرار الخلاف المذهبي والفتن الطائفية،حيث جرى إجهاض المشاريع القومية العربية من عهد محمد على باشا ومرورا بعبد الناصر وحتى اللحظة الراهنة،وزراعة إسرائيل في قلب الوطن العربي كانت وما زالت لهذه الغاية والهدف.
وكترجمة عملية لهذه الصفقة وجدنا وقوف الإخوان المسلمين الى جانب العسكر في مصر لقمع المحتجين في ميدان التحرير من القوى العلمانية والليبرالية والتي تطالب الجيش بتسليم السلطة الى المدنيين،وكذلك المحافظة على سلطة الجيش مقابل مواصلة المساعدة الأمريكية للحكومة المصرية والبالغة ثلاثة مليارات من الدولارات سنوياً،والإبقاء على معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل،ولعل تصريحات الزعيم السلفي يسري حماد بالتطبيع واستمرار معاهدة "كامب ديفيد" مع إسرائيل تأتي في هذا الإطار.
أما في تونس حيث حزب النهضة الإسلامي الفائز بالإنتخابات بزعامة الغنوشي،فقد تبرأ الغنوشي أثناء زيارته الى مركز سياسات الشرق الأدنى في واشنطن"معقل قوى اليمين والتطرف" من مواقفه السابقة بدعم قوى المقاومة بما فيها الإسلامية منها،وكذلك مساندته ودعمه لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين،وشدد على أن الدستور التونسي الجديد لا يتضمن أي عداء للصهيونية،ونفس الشيء حذا حذوه الشيخ مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي،والذي أعلن عن نيته إلغاء أية تشريعات تتعارض والشريعة الإسلامية،ويسعى الى تطبيع علاقاته مع امريكا والغرب من خلال فتح سفارة لإسرائيل في ليبيا،وكذلك محاربة القاعدة في منطقة المغرب العربي،وتلعب إحدى الدول الخليجية دوراً بارزاً كعراب للسياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة لتحقيق هذا الهدف،وعلى نفس الخط والمنوال أعلن احد قادة المعارضة السورية في الخارج برهان غليون انه حال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد فالمعارضة ستعمل على قطع علاقاتها مع إيران وحزب الله وحماس،ولتثبيت وتمدد حكم الإخوان الى بلدان عربية أخرى طلبت تركيا من الرئيس السوري تعين رئيس حكومة سني يأخذ صلاحيات رئيس الوزراء،ولكن رفض الرئيس السوري لذلك دفع بهم تركيا وقطر ومجلس التعاون الخليجي الى دعم المعارضة والمحتجين والمنشقين على وضد النظام السوري،والحال في الأردن ليس بالبعيد عن ذلك حيث تجري مصالحة اخوانية مع النظام،ولا يتوقع ان يرفض الملك عبد الله مشاركة اخوانية واسعة في الحكم،وكذلك يجري حديث جدي عن انتقال قيادة حماس من سوريا الى الأردن ومصر.
وعراب هذا النهج والتوجه من الخليج دعا السلطة الفلسطينية الى العودة الى المفاوضات مع إسرائيل بدون شروط مسبقة،وكذلك جرى عرض مجزوء لخارطة فلسطين (مقتصرة على الضفة الغربية وقطاع غزة) في دورة الألعاب الأولمبية في قطر،وكذلك تعهد اميرها بدفع كل تكاليف الحرب على سوريا من أجل إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد،والمرجعية الدينية الأزهرية والناطقة باسم هذا الأمير دعت الى جواز استقدام واستعانة المعارضة السورية بقوات أجنبية من أجل إسقاط النظام السوري.
ان العالم العربي، هو اليوم أمام اتفاق أميركي مع الإخوان المسلمين،وحقبة إخوانجية بنكهة أمريكية،مع موافقة أمريكية على قيام دولة الخلافة الراشدة،شريطة تعينها ورضاها عن الخليفة،وأن لا يكون شيعياً بالمطلق،وهي بذلك تسقط حجج الإخوان والسلفيين والجهاديين والتكفيريين بعدم إقامة دولة الخلافة،على أساس ان يحارب الإخوان المسلمين تنظيم القاعدة، ولا يستطيع تنظيم القاعدة المزايدة على الإخوان المسلمين, وفي ذات الوقت على الأخوان الوقوف بشكل حازم إلى جانب أمريكا من أجل منع تمدد دولة ايران الشيعية الى منطقة الخليج العربي،وتسعير الخلافات المذهبية معها،وأن يتعهد الإخوان بالمحافظة على الاتفاقيات مع إسرائيل،ويعملوا على توسيع دائرة التطبيع والعلاقات معها.
0 comments:
إرسال تعليق