عجبت لأهل مصر وثوارها ونخبها وعقلائها في اختيارهم لنبيل العربي ليكون وجه مصر في الجامعة العربية أميناً عاماً لها، فقد كان اختيارهم لهذا الرجل العاجز في وضعه في المكان العاجز أم المصائب، فما هكذا تساس الأمور يا مصر يا أم الدنيا وما هكذا يكون الاختيار، وقد تعودنا على مصر رصانة العقل وبعد الأفق وكثرة الرجال الأخيار من علماء ومثقفين ومفكرين، فقد ضيقتم باختيار العربي لهذا المنصب واسعاً ينبض محيطه بوفرة العقلاء والوطنيين والشجعان والأحرار.
الجامعة العربية تستحق من مصر رجلاً يعيد لها روح الحياة التي افتقدتها على مدار عمرها إلا في أحايين قليلة، لتأخذ دورها وتتفاعل مع المستجدات التي تعصف بالمنطقة العربية، حيث الشعوب تنتفض ثائرة على أنظمة طاغية خرقاء تريد أن تبعث هذه الأمة من رقادها الطويل، وتعتقها من القمقم الذي حبسها فيه حفنة من الطغاة والمستبدين لنحو ستين عاماً ويزيد، أفسدوا خلالها ونهبوا وبغوا وتجبروا واستكبروا ونازعو الله الحكم والإرادة والمشيئة في الأرض، سمة حكمهم قول فرعون (ما أرى لكم من إله غيري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).
وكان سبيل رشادهم الذي أرادوه لنا مخضباً بقاني الدماء، صبغ حياة الملايين في مشارق هذا الوطن المنكوب ومغاربه، وأزهق أرواح الآلاف وجوّع الملايين وعرّاهم وجهّلهم، وغيّب في السجون والمعتقلات الآلاف يرسفون بالأغلال ويحيون العذابات والقهر والإذلال، وأقصى ونفى الآلاف وضيق الأوطان على رحابتها عليهم ليعيشوا لاجئين في أرض ليست أرضهم وفي أوطان ليست أوطانهم، مجبرين غير مخيرين في التأقلم في تلك البلدان على مضض والعيش فيها على الكفاف والفاقة والمعاناة والحرمان.
وانتفضت هذه الشعوب بعد أن ظن الناس أن هذه الأمة باتت عالة على نفسها وعلى الأمم الأخرى.. انتفضت بوجه طغاتها تريد الحرية التي اغتصبت والكرامة التي ديست والعدالة التي افتقدت والثروات التي بددت والأموال التي انتهبت، وسارت عجلة هذه الثورات كالإعصار الذي لا يقف أمامه إلا الجُهال والسفهاء والحمقى، فهوت عروشهم كأنها بيت عنكبوت الواحد تلو الآخر، وكل منها أخذ نصيبه الذي يستحق، فطاغية تونس زين العابدين بن علي آثر السلامة والفرار، وطاغية مصر حسني مبارك جُرجِرَ صاغراً على سرير إلى قفص العدالة، وطاغية ليبيا معمر القذافي أراد من مجرور المياه الحماية فعاجلته إرادة السماء ونفذ فيه حكم الله، وطاغية اليمن علي عبد الله صالح ينازع الغرق دون أن يتمكن حتى الآن من الإمساك بطوق النجاة.
أما نمرود الشام وطاغيتها بشار الأسد فله نكهة تميزه عن غيره من هؤلاء الطغاة الذين، على مكرهم ودهائهم، تهاووا سريعاً الواحد بعد الآخر.. نمرود الشام هذا الذي استباح الأوطان وما فيها من إنسان وحيوان وشجر وحجر لنحو عشرة أشهر متتالية راح ضحيتها ما يزيد على ستة آلاف شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمعتقلين والنازحين والمهجرين، ولا يزال يوغل بدماء السوريين وأعراضهم ومقدساتهم وحرماتهم وهو يظن – واهماً – أنه سيحقق ما لم يتمكن من سبقه من طغاة من تحقيقه، وأنه سيبقى في حمى شبيحته ورجال أمنه وكتائب عسكره، مستفيداً من ضعف العرب ومن سوء تدبيرهم وهوان قراراتهم وخذلان رجالاتهم، وتأييد بعض الدول الذين يخيفهم هذا الإعصار الذي يضرب جنبات وطننا العربي من الانتقال إلى بلدانهم، وهذا ما حصل بالفعل حيث المظاهرات والانتفاضات تعم مدن روسيا سند النظام السوري وحليفته والمنافحة عنه في مجلس الأمن، وكذا الحال بالنسبة إلى إيران التي يهز عرش ملاليها احتقان شعبي رافض لسياستهم الداخلية والخارجية، قد يثور بركانه في أية لحظة ويدك ما أقاموا من حصون البغي وقلاع الفساد.
لقد أسعف النظام السوري ومد بعمره مواقف الجامعة العربية الهزيلة المترددة، التي ظن السوريون أن قراراتها التي اتخذتها ستوقف شلال الدم وتكبل يد النظام وتوقفه عند حده، ولكن العكس هو ما حصل فقد عرف النظام كيف يتعامل مع الجامعة بشخوص القائمين عليها وفي مقدمتهم أمينها العام نبيل العربي الذي طأطأ الرأس بخنوع لمواقف النظام وشروطه وطلباته، والتي جعلت من المبادرة العربية والبروتوكول نكتة مضحكة وأكذوبة سمجة لا تستحق حتى التوقف عندها لعدم جديتها وتفعيلها على أرض الواقع، فقد ذهب المراقبون الذين اختارتهم الجامعة إلى سورية بعد مهل ومهل أتاحت للنظام الفرصة تلو الفرصة للإيغال بدم السوريين، حيث قضى ما يزيد على ألفي شهيد بين توقيع النظام على البروتوكول ووصول المراقبين إلى دمشق، في الوقت الذي لم ينفذ النظام البنود الأساسية للمبادرة العربية التي على النظام القيام بها قبل وصول المراقبين، والتي تتلخص في: (وقف القمع والقتل، وسحب الآليات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والبلدات والقرى، وإطلاق سراح جميع السجناء والمعتقلين السوريين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والأجنبية بدخول سورية لتغطية الأحداث باستقلالية ومهنية، والسماح بالمظاهرات السلمية، والتفاوض بين النظام والمعارضة في الانتقال إلى الحكم الديمقراطي المدني)، وكل هذا لم يتحقق منه شيء، وعلى العكس فإن آلة القتل لا تزال مستمرة تحصد الناس في طول البلاد وعرضها، وكأن ما أرسلته الجامعة من مراقبين وظّفوا ليكونوا الغطاء لممارسات النظام السوري الإجرامية، فكل ما نسمعه من هؤلاء المراقبين الإشادة بالنظام وحسن تعامله مع بعثة الجامعة، في الوقت الذي كنا نشاهد في المحطات الفضائية وشاشات التلفاز كيف يمتنع أعضاء هذه البعثة من الاستماع إلى مناشدات ودعوات أبناء حمص الجريحة ليقوم هؤلاء المراقبون بزيارة أحيائها المنكوبة للاطلاع على ما يجري فيها وما هم عليه من جراحات وعذابات!!
أخيراً نناشد الشعوب الثائرة التي انتصرت على طغاتها في تونس ومصر وليبيا أن يهبوا لنجدتنا بعد أن خاب رجاؤنا في الجامعة العربية وأمينها العام وبعثة مراقبيها، وندعوهم لغضبة مضرية لأجل الحرائر والثكالى والأرامل والأيتام والشيوخ والأطفال، ويمارسوا ضغوطاً حقيقية على حكامهم الجدد ليقفوا إلى جانبنا في مواجهة فرعوننا الصغير بشار الأسد، وأعتقد أن من حق أهل الشام عليهم الوفاء لما قدمت الشام لأجلهم من دماء وشهداء.
0 comments:
إرسال تعليق