قبل ٧٩١ عاما قال الرئيس الاميركي آنذاك جون ادامس ان الشعب الاميركي هو الشعب المختار لتطهير العالم وانقاذه كما ان الشعب اليهودي شعب الله المختار... كانت اميركا في حينه تكاد تنهي إبادة الملايين من الهنود الحمر سكان البلاد الاصليين.
وعندما بدأ هتلر محرقته بقتل ملايين اليهود، حذره بعض رجال الدين من عقاب الضمير ومحاسبة الله، فضحك وقال: الضمير والله هما اختراهان يهوديان.
وتدور دورات الزمن وتتوالى الامبراطوريات البيزنطية والرومانية والبريطانية والعثمانية والعشرات قبلها وبعدها لنصل الى الامبراطورية الاميركية الخارجة من العراق مطأطأة الرأس مثخنة بالجراح مغمورة بالديون كاشفة كل يوم عن اسرار جديدة من اعمال الابادة والتمثيل بالجثث وعن فظائع لم يعلن عنه سابقاً في ابو غريب وعن حجم الخسارة المادية التي تجاوزت الثلاثة تريليونات من الدولارات وليس تريليوناً واحداً كما اشرنا الاسبوع الفائت.
وفي الوقت الذي يعلن فيه الرئيس الاميركي الاسمر انه يخرج من العراق وشعبه مرفوع الرأ،س يعلن تجمع من الحقوقيين والمفكرين الاميركيين والاوروبيي وقلة من العرب عن تحرك جديد لملاحقة المسؤولين عن عمليات القتل الجماعي واغتيال العلماء والاكاديميين في العراق ومخالفة القانون الدولي باجتياح بلد ذات سيادة وتحويله الى ركام.
ان هذا التحرك لن يحقق اي تقدم لان الامبراطورية الاميركية العجوز ما زالت تسيطر على الامم المتحدة والدوائر التابعة لها مثل المحاكم الدولية ومجلس الامن وغيرها.. ولكن مجرد رفع الصوت من قبل النخب القانونية والفكرية حول العالم يُبقي خطاً مفتوحاً على الحقيقة مهما تمر السنين.
بعدما اجمع المحللون السياسيون والمؤرخون المعاصرون على اعتبار جورج بوش الابن اسوأ رئيس في التاريخ الاميركي والاكثر غباء وجهلا بالوقائع، خلفه باراك اوباما الذي لم يجرؤ على نقض عبارة واحدة او الاشارة الى اصلاح او تغيير شواذات سلفه بل اشاد به واعتبر جرائمه انجازات تستحق التقدير.. وربما يتجاوز اوباما سياسة شريعة الغاب التي ورثها اذا قدر له التمديد لاربع سنوات جديدة العام القادم.
ومنذ اسبوعين سمع العالم »نازيّة« اميركية جديدة مصدرها احد الطامحين الى منافسة اوباما في الانتخابات القادمة. والصوت الجديد هو صوت رئيس مجلس النواب الاميركي السابق نيوت غينغرتش. لقد سمعنا الكثير من احاديث هذا الرجل الغريبة والمتوحشة قبل عشرين عاما وكنا ظنينا انه غاب عن الساحة نهائياً بعدما غادر الكونغرس.
لكنه بعث حياً ليتصدّر لائحة الهاجمين على منافسة اوباما في انتخابات ٢١٠٢.
يبدر ان شق الطريق الى البيت الابيض يبدأ بالمزايدة والتطرف والتهديد بالاجتياحات والتدمير من اجل الحفاظ على امن اسرائيل كما فعل بوش الابن ووريثه.
ولكن غينغرتش بدأ حملته باسلوب جديد هو الغاء حقيقة الشعوب وتواريخها وتزوير ما دونته الازمنة واوردته الوثائق.
قال غينغرتش في حديث لمحطة تلفزيونية، ان الشعب الفلسطيني غير موجود تاريخيا ولم يعرف التاريخ شعباً يعرف بالفلسطيني وقد تم ابتكار او اختراع فلسطين وشعبها... وبالكاد اعترف بوجود بعض العرب في فلسطين خلال الحكم العثماني والبريطاني فوصفهم بجالية عربية يمكنها ان تغادر تلك البلاد للاقامة في اي بلد تشاء.
كانت غولدا مائير تقول انها لم تسمع بشيء اسمه فلسطين او فلسطينيين. وقد اكد غينغرتش اقوالها وزاد عليها.
لقد تمنت غولدا الموت قبل ان ترى شعباً فلسطينياً ودولة فلسطينية وكان لها ما شاءت. فهل سينتحر هذا الغينغرتش اذا وفى العالم بوعوده وقامت دولة فلسطينية؟.. اعلنت ادارة اوباما ثورتها على منظمة اليونسكو الثقافية لان الاكثرية الساحقة من الاعضاء قبلت فلسطين في عضويتها فأقدمت عى وقف الدعم المالي عنها.
ماذا سيفعل اوباما وغينغرتش اذا قُبلت فلسطين في الامم المتحدة؟.. ان فلسطين عضو مراقب في المنظمة الدولية منذ ٥٣ عاماً والادارات الاميركية المتعاقبة تعد بدولة فلسطينية عاماً بعد عام. وبدلاً من الوفاء بالوعود يبدو التراجع الاكثر ترجيحاً حتى وصلنا الى زمن تلغى فيه الشعوب وتواريخها ويعتبرها غينغرتش اختراعاً وابتكاراً مثل ألعاب الورق وطاولة الزهر.
لقد أوصل بوش الابن الامبراطورية الاميركية الى حافة الافلاس المادي والاخلاقي. واذا غضب الله على اميركا ببوش آخر مثل غينغرتش، فلن نستغرب زوال آخر الامبراطوريات الاستبدادية في سنوات معدودة بعدما توقع خبراء الدفاع والمال ببقاء التسلّط الاميركي على العالم الى عشرين سنة قادمة.
في عصر السرعة والتقدم التكنولوجي قلّت القراءة ولم يعد يراجع اي مسؤول احداث التاريخ وتجاربه ليتعظ منها... عندما ترشح بوش الابن للرئاسة عام ٠٠٠٢ خضع لاختبار تلفزيوني مكوّن من ستة أسئلة، ولكنه لم يعرف اي جواب صحيح.. لم يعرف اسماء رؤساء المانيا والارجنتين واسبانيا ووزراء خارجية فرنسا وايطاليا، وقال لسائله ان مستشاريه سيقولون له اسماء المسؤولين في حال وصوله الى البيت الأبيض... هذا هو مستوى حاكم الامبراطورية الوحيدة.
0 comments:
إرسال تعليق