رومني وأوباما والرهان الخاسر/ محمد فاروق الإمام

من يراهن على نتائج الانتخابات الأمريكية لوقف شلالات الدم في سورية كمن يراهن على حصان خاسر، فكلاً من رومني وأوباما ينطلقان من سياسة واحدة وإن اختلف الخطاب عند كل منهما، فرومني وأوباما أسيران للوبي الصهيوني ومصالح إسرائيل كما تراها الحكومة العبرية في تل أبيب، وهذه حقيقة لا يختلف عليها كل المحللين والعارفين ببواطن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
وأنا هنا لا أقلل من شأن القضية السورية التي ستكون ولا شك القضية الأبرز أمام الرئيس الأمريكي المقبل، بالرغم من أن كلا المرشحين ينظران إليها بعين عبرية لكسب أصوات الناخبين الصهاينة الذين هم من يقررون نتيجة الانتخابات الرئاسية في أمريكا، كونهم قوة مالية وإعلامية مؤثرة ومنظمة، بعكس الجالية العربية والإسلامية في أمريكا المشتتة والمتباينة المشارب والانتماءات والولاءات، رغم أنها – باعتقادي – هي أكثر عدداً في الولايات المتحدة، وكان من الممكن أن تكون القوة المؤثرة الأعظم في أي انتخابات تجري لو كانت على قلب رجل واحد.
ولو قرأنا الانتقادات التي شنها رومني لأوباما قراءة جيدة لوجدنا أن رومني انتقد أوباما كونه لم تبذل إدارته "جهداً لمساعدة المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد ولكنها على العكس عملت على تقليص الامدادات للمعارضة"  كما أن رومني لم يتعهد في خطابه رسمياً بإمداد الثوار والجيش الحر بالسلاح النوعي الذي يكفل لهم إمكانية تحييد سلاح الجو الذي يستخدمه الأسد في قصف المدن وارتكاب المجازر الجماعية بحق المواطنين والعزل في كافة المدن والبلدات والقرى السورية في طول البلاد وعرضها، فقد كان واضحاً عندما تحدث عن أن إدارته "ستعمل مع شركائها الدوليين من أجل وصول الأسلحة إلى أيدي المعارضة التي يجب تسليحها بشكل كاف لمواجهة دبابات وطائرات الأسد".
وكلا المرشحان كانا واضحين بشان القضية السورية، فكلاهما يؤكدان على أنه لابد من التشاور مع حليفتهما الكبرى إسرائيل في أي عمل بشأن مستقبل سورية ما بعد سقوط الأسد، فكل الأطراف الدولية بما فيها حلفاء النظام السوري وعملائه متفقون على أن النظام يسير نحو الهاوية عاجلاً أم آجلاً، رغم مراودة البعض الأحلام السرابية في إمكانية صمود الأسد ونجاحه في وأد الثورة الشعبية، ويناطحون الصخر في محاولاتهم اليائسة ضخ الحياة في شريان الأسد التي جفت كل الدماء فيه.
إسرائيل صاحبة المصلحة الأولى في مصير الأسد ومن سيأتي من بعده تجد نفسها في موقع لا تحسد عليه، فهي لا تعرف من سيأتي بعد الأسد وشكل النظام الذي سيحل بعد سقوط نظامه، وقد عاشت سنوات العسل في عهده وعهد أبيه وتخشى أن تتذوق الحنظل ممن سيأتي بعده، وأمام حيرتها أمام القادم الجديد الذي تخشاه وتتهيبه تجد نفسها أن السليم بالنسبة لها هو إطالة عمر النظام الذي يقدم لها خدمة هي أجل وأعظم من كل ما قدمه خلال الأربعين سنة الماضية، فهو سيترك لها بلداً مدمراً محطماً مفلساً، تتناهشه الصراعات الطائفية والدينية والمذهبية التي ينفخ في رماد نارها، هذا البلد العظيم الذي كانت على الدوام تحسب له ألف حساب قبل أن تغتاله يد الضلال والإثم والفساد في الثامن من آذار عام 1963، وتجعل منه بلداً منكوباً بحكامه المستبدين الذين تناوبوا على نهش لحوم أبنائه وتخريب بنيانه وإفساد مجتمعه لنحو خمسين سنة.. هذا البلد الذي يحتاج – كما يقدر الخبراء – إلى 200 مليار دولار لإعادة بناء ما دمره هذا النظام، وإلى ما يزيد على ثلاثين سنة من الجهد والعمل لتقف سورية على قدميها معافاة مما ألحقه نظام الأسد بها من خراب ودمار وإفساد وتفكك للنسيج المجتمعي السوري.
من هنا فإننا نجد التقاعس الأمريكي والغربي في التفكير بجدية في إيجاد حل للقضية السورية ووقف نزيف الدم فيها هو الموقف الذي تريده إسرائيل وتؤيده، لأن إطالة عمر النظام السوري يعني لها المزيد من تعقيد المسألة السورية والمزيد من اتساع الجرح الذي تتلذذ بمرآه وتذرف دموع التماسيح عليه، وهي تجد الدولة التي كانت في يوم من الأيام هي من تخشاها مقطعة الأوصال محطمة البنيان منشغلة عنها في لملمة جراحها وإعادة بنيانها من الصفر يوم غادرتها القوات الفرنسية المحتلة عام 1946، وما أشبه سورية هذا اليوم بسورية الأمس الذي مضى، مع أضعاف أضعاف الجراحات والعذابات التي سيخلفها هذا النظام في الجسد السوري بعد رحيله!!   

CONVERSATION

0 comments: