الجيتو القبطى/ د. ماهر حبيب

تمر الأيام وتعود لتذكرنا بحالنا وبالمأسى التى يتعرض لها الشعب القبطى المسكين والذى يتلقى الضربات الموجعة ولا يتم تذكره إلا بمجرد كلمات العزاء ولسان حال المعزى أن يقول تعيشوا وتاكلوا غيرها أو أن يتم إستخدام الأقباط كوسيلة للوصول إلى غرض ما مستخدما غلابة الأقباط للإتجار بقضيتهم وعند إنقضاء الأمر يتم نسيانهم تماما.

أقول هذا الكلام فى ذكرى ضحايا الأقباط الذين سالت دماؤهم الطاهرة على أسفلت الشوارع شاهدا على تلك الدماء نهر النيل ومبنى تلفزيون رشا مجدى ووزير إعلامها والذين حرضوا أو أعطوا إشارة البدء لقتل وسحل الأقباط تحت جنازير مدرعات الجيش المصرى فى واقعة لم تحدث على مر التاريخ ثم ماذا ...لا شيئ لم يدن شخص ولم يتم تحقيق ولم يحال شخصا للعدالة فى حين يوضع فى السجن من يتم إصطياده واضعا صورة لا تعجب شخصا أو أن يضع لنك لمادة موضوعة على الإنترنت ويتم محاكمته بأسرع من سرعة الصوت والضوء ليغيب وراء القضبان لسنين عديدة دون أن يدافع عنه إنسان.

وأعود بالزمن لثلاثة سنوات مضت وأرى كيف تم إستغلال الأقباط لتنفيذ مؤامرة إستيلاء الإخوان على الحكم وكيف كانوا ضحايا وفى نفس الوقت فتيل إشعال الأمور لكى ما تسير الأمور والمؤامرة المحبوكة من واشنطن إلى المنامة وبغداد عبر القاهرة فأرى أن إستغلال قضية وفاء وكاميليا وإشاعة السلاح المكدس بالكنائس والأديرة عبر قناة الجزيرة القطرية كانت لإخراج المتطرفون إلى الشوارع وتحريضهم على إهانة الأقباط ورموزهم وعلى رأسهم قداسة الأنبا شنودة فى وسط تخاذل من مبارك فى صد تلك الهجمات لأنهم كانوا يلعبونها صح فلو خرج مبارك وإستخدم القوة لكبح جماح المتظاهرين تم تهييج الناس وتصويره على أنه هادم للدين ومناصرا للنصارى الكفار فتكون الثورة مبرره على مبارك أما إذا طنش مبارك وسمح بالتمادى فى الإهانة فيفقد تأييد الأقباط بل ويتم تجييشهم للثورة عليه فيفقد قطاع مهم فى المجتمع وقد إختار مبارك الخيار الثانى بعد أن بلع هو والأقباط الطعم لتسيير الأمور إلى يناير 2011.

ومع الدقائق الأولى لسنة 2011 بدأ المخطط للإنقلاب على مبارك بتنفيذ تفجير كنيسة القديسين والتى وعد بتنفيذها تنظيم القاعدة بعد مذبحة كنيسة سيدة الرجاء بالعراق لكون الحادثة هى نقطة الإنطلاق بالمظاهرات فقد خرج الأقباط بكثافة ليعبروا عن غضبهم من الحادث ويخترقوا حاجز الخوف من النظام وتسقط هيبة النظام أثناء تشييع جثامين الضحايا وبإصرار المشييعين على طرد مندوب الرئيس فى إهانة واضحة له وفى نفس الوقت إشاعة أن المحرض على الحادث هو حبيب العادلى ومبارك لكى ينعدم تأييد الأقباط لهم فى حالة الثورة عليهم وهو ما حدث تماما وتم إستدراج الأقباط بحسن نية وسوء تقدير سياسي لميدان التحرير دون النظر بمنظور أوسع لتحسس المؤامرة المنصوبة على مصر للوقوع فى يد الإخوان كما هو حادث اليوم.

وبعد أن حدث ما حدث تصور الأقباط أنهم قد أزاحوا الغمة ليخرجوا ليمارسوا دورهم الكامل كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات ولكنه وجدوا أنفسهم كالكارت المحروق قاموا بدورهم ولم يحصلوا على شيئ بل توالت الضربات لإرهابهم ولعودتهم مرة أخرى لممارسة سلبية للحياة السياسية فتم تدبير واقعة ذبح القسيس باسيوط وكنيسة صول ومذبحة إمبابة ثم التمهيد بنشر الرعب من رفح حيث تم حرق الكنيسة ومنع الأقباط من ممارسة شعائرهم إلى أسوان حيث كنيسة الماريناب والتى مهدت لمذبحة ماسبيرو والتى قضت على مشاعر الثورة للأقباط وأخافتهم ومثلت التهديد الحقيقى لردع أى محاولة للأقباط للضغط لحصولهم على حقوقهم ورأينا كيف تم التلويح للجهلة فى الصعيد والريف بخطر الأقباط على ولاية  مصر الإسلامية ونواة الخلافة الإسلامية فى تعديل الدستور ثم التخويف بأن الأقباط كانوا وراء تأهل شفيق للنهائى الرئاسى ثم رأينا كارثة نجاح مرشح المرشد وسقوط شفيق فى كل القرى والنجوع ذات الأغلبية القبطية ونجاحه فقط فى الأماكن ذات الأغلبية الساحقة للمسلمين لتعطى البرهان النهائى بأن مذبحة ماسبيرو أعادت الأقباط إلى بيوتهم معلنين إعتزالهم السياسة وخروجهم من الميدان السياسي وتعود الكنيسة هى الحزب السياسي لأقباط مصر وسيبحث الأقباط عن التقوقع داخل جيتو قبطى ليحميهم من غول السياسة الذى خرج عليهم فى ميدان التحرير فسلبهم الطاقة التى إكتسبوها للعودة كمواطنين مصريين كاملى الأهلية.