... من عهد محمد علي باشا ومرورا بالحقبة الناصرية وحتى راهن لحظتنا،القوى الإستعمارية الغربية،سعت وتسعى الى عدم قيام أي مشروع قومي عربي وحدوي ونهضوي،فهي ترى بأن هذا المشروع يشكل خطراً جدياً على اهدافها ومصالحها في المنطقة،ولذلك سعت الى تقسيم العالم العربي وتشظيته بينها،وكانت اتفاقية سايكس- بيكو،
وعندما نالت الدول العربية استقلالها بالمعنى الشكلي وليس بالمعنيين السياسي والاقتصادي،حيث الكثير منها بقيت تحت الهيمنة والسيطرة الاستعمارية والغربية وارتبطت معها باحلاف وعلاقات امنية واقتصادية،وأقيمت القواعد العسكرية على أراضيها،لكي تضمن بقاء تلك الأنظمة كمدافع عن وحامي لمصالحها،مقابل إستمرار وجودها في السلطة،
ولعل الغرب الإستعماري وامريكا،في دراستهم للواقع والبنية الاجتماعية العربية،خلصت الى انه لا يمكن الوثوق بالعرب،فأية متغيرات داخلية من شأنها ان تقود الى تهديد مصالحهم الإستراتيجية،فكان ان أقدمت على زرع الكيان الصهيوني في خاسرة الوطن العربي،ووفرت له كل وسائل الدعم والبقاء،بل كانت بمثابة المظلة والحامي والمدافع والداعم له وعنه في كل المجالات والميادين،وجعلت منه قوة عسكرية واقتصادية كبيرة جداً مالكة للسلاح النووي،هدفها ضرب أي دولة او حزب أو تنظيم عربي،يريد الخروج عن طوع أمريكا او يشكل خطر على مصالحها ومصالح أمريكا والغرب الاستعماري في المنطقة، وقد جاء تدمير العراق واحتلاله في هذا الاطار والسياق، وكذلك الحرب العدوانية التي شنتها اسرائيل على المقاومة اللبنانية وفي المقدمة منها حزب الله في تموز /2006،هي أيضا لهذا الغرض والهدف،ولكن فشل تلك الحرب،وظهور ايران كقوة اقليمية في المنطقة خارج العباءة الأمريكية وتعزز تحالفها مع سوريا المتناقضة والمتصادمة مع المشروعين الأمريكي والاسرائيلي في المنطقة،جعل امريكا واسرائيل تفكران بطريقة من شأنها حرف الصراع عن أساسه والعمل على نقل الخلافات المذهبية والطائفية والأثنية العربية والاسلامية من مستواها الرسمي الى المستوى الشعبي،وهذا يتطلب تبدل أمريكا وتخليها عن حلفائها وأصدقائها من الأنظمة العربية التي كفت قادرة على لعب هذا الدور،فهي غدت مكروه جماهيرياً،ولا يمكن لها ان تقوم بهذا الدور،وأمريكا واسرائيل تدركان جيداً بحكم الخبرة والتجربة والمعرفة بالواقع العربي،بان هناك قوى متعطشة للسلطة ومستعدة في سبيلها ان تذهب مع امريكا الى ابعد حد،وهي كذلك عندها حقد دفين على كل القوى القومية والعلمانية،وهي ترى فيها بنهجها وفكرها الاقصائي والانغلاقي عدواً رئيسياً لها أكثر من امريكا والغرب الاستعماري واسرائيل،وبالفعل بعدما جرى الاتفاق بين الحركة العالمية للاخوان المسلمين وأمريكا على تسليمها وتسهيل حصولها على السلطة في اكثر من بلد عربي،وجدنا أن تلك الأنظمة اخذت تعمل بإيقاع منسق ومشترك على الشعار الذي رفعه نتنياهو بأن الخطر على العرب ليس اسرائيل بل ايران وحزب الله وسوريا،وقد تم تجنيد فقه البداوة واموال البترودولار الخليجي لهذه الغاية وهذا الهدف،رغم ان الارهاصات لذلك قد بدأت بسعي ايران للحصول على سلاح الردع النووي وصمود حزب الله وتحقيقه انتصاراً على ترسانة الحرب الصهيونية التي كانت تفتك بالدول العربية وتستبيح اراضيها دون حسيب او رقيب.
بعد صعود القوى الاسلامية حركة الاخوان المسلمين والسلفيين والوهابيين الى الحكم وبضوء اخضر امريكي،بدأت تستعر في العالم العربي فتاوي الفتن الطائفية والمذهبية والأثنية وكذلك فتاوي التكفير والتخوين،وكذلك جرى بشكل ممنهج ومدروس شن حملات اعلامية وعمليات تحريض من قبل حكومات تلك الدول وإعلامها ومراجعها الدينية على ايران وحزب الله وسوريا،في فعل مخطط وموجهة ومدروس من أجل حرف الصراع عن اساسه وجذوره من صراع عربي- اسرائيلي الى صراع عربي – فارسي، ولتصل الامور الى تكفير الشيعة والدعوة الى محاربتهم،وليس هم فقط بل العلويين،ووجدنا تعبيرات وفتاوي المجوس والفرس والروافض والنصيرية وحزب الشيطان تستعر استعار النار في الهشيم،ولتصدر كذلك دعوات "الجهاد" في سوريا،ضد النظام السوري،في فتاوي فيها الكثير من الشبهة والريبة،كونها دعوات تهدد النسيج الاجتماعي للعالم العربي والاسلامي وتتم خدمة لمشاريع واهداف خيانية وتامرية ولا علاقة لها من قريب او بعيد بمصلحة العرب والمسلمين سوى تدمير مجتمعاتهم وتخريبها.
هذه المراجع والمؤسسات الدينية عهد اليها بان تلعب على وتر المشاعر والعواطف للجماهير،وان تقوم بخداعها وتضليلها واستغلالها،والقيام بعملية مسح وغسيل دماغي لها،لكي تستجيب لتلك الدعوات،فنحن نجد التضخيم وخلق الأعداء الوهميين والافتراضيين كخطر حزب الله وايران وسوريا على الاستقرار وامن مصر والسعودية والاردن وغيرها،وبالامس شاهدت وصعقت،بأن مجموعة ممن جرى خداعهم وتضليلهم واحتلال وعيهم لكي يتظاهروا ضد حزب الله بوصفهم حزب الشيطان،وعلى حد علمي بان حزب الله لم يحاول المس بالأمن الأردني او استقراره لا من بعيد او قريب،بينما الكثير من الجماعات السلفية والمتشددة والتكفيرية عبثت بأمن الأردن،فهل هؤلاء لا يشكلون خطراً على امن الأردن واستقراره؟ وحزب الله المقاوم يشكل هذا الخطر الافتراضي والوهمي، وهل الخطر على امن الاردن قادم من جاره الشمالي الذي جلب من اجله الباتريوت ام ممن يحتلون فلسطين ويخططون ليكون الاردن الوطن البديل؟؟،وكذلك من يحشدون العلماء وعلى رأسهم مفتي "الناتو" القرضاوي في قاهرة المعز لقيادة مظاهرة مليونية من جماعة الاخوان للدعوة الى نصرة"المجاهدين" في سوريا،فلماذا لا يقودون مليونياتهم للجهاد تجاه الأوطان المغتصبة،أم أن ذلك حرام شرعاً؟ ولماذا ولمصلحة من يجري تحريف معنى الجهاد وتشويه؟
ان عملية إسقاط الهويات القومية والوطنية،وخلق اعداء وهميين وافتراضيين،يستهدف حرف الانظار عن الاعداء الحقيقيين الداخليين والخارجيين خدمة لأجندات واهداف مشبوهة يجري رسمها في دوائر البنتاغون والاستخبارات الغربية والصهيونية وتنفذها ادوات مأجورة معادية لكل ما هو قومي ووطني ومقاوم.
0 comments:
إرسال تعليق