أكذوبة (ولاية الفقيه) ومقارعة ابن الحداد للعبيديين ومناظرتهم قبل 1200عام(2/3)/ محمد فاروق الإمام


ابن الحداد يواجه داعية العبيديين ويفضح أباطيلهم

خرج ابن الحداد لمناظرة أبي عبد الله الشيعي، وشيعه أهله وولده وهم يبكون، فقال لهم: لا تفعلوا لا يكون إلا خيراً، حسبي من له خرجت وعن دينه ذببت.
يقول ابن الحداد: أرسل ورائي الشيعي لعنة الله عليه، وما كنت آتي إليه إلا برسول، فدخلت إليه في قصر إبراهيم بن أحمد وحوله جماعة من أصحابه وجماعة ممن ينسب إليهم العلم من أهل بلدنا، فسلمت ثم جلست، فقال أبو عبد الله لإبراهيم بن يونس - وقد قيل له إن هذا الشيخ كان قاضياً على هذه المدينة - بأي شيء كنت تقضي؟
فقال له إبراهيم: بالكتاب والسنة.
فقال له أبو عبد الله: فما السنة؟
فقال له إبراهيم: السنة.. السنة…
قال أبو عثمان: فلما سمعته على قوله: السنة.. السنة…، قلت لأبي عبد الله: المجلس مشترك أو خاص؟
فقال: مشترك.
فقال أبو عثمان: أصل السنة في كلام العرب: المثال الذي يتمثل عليه، قال الشاعر:
تريك سنة وجه غير مقرفة … ملساء ليس بها خال ولا ندب
أي صورة وجه ومثاله:
والسنة محصورة في ثلاث: الائتمار بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه والإيتاء به فيما فعل.
قال الشيعي: فإن اختلف عليك فيما نقل إليك عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت السنة من طرق؟
فقلت له: أنظر إلى أصح الخبرين نقلاً فآخذ بأصحهما وأطلب الدليل على موضع الحق في أحد الحديثين ويكون الأمر في ذلك كشهود عدول اختلفوا في شهادة فلا بد من طلب الدليل على موضع الحق من الشهادتين.
فقال الشيعي: فلو استوا في الثبات؟
فقلت له: يكون أحدهما ناسخاً والآخر منسوخاً.
قال: فمن أين قلتم بالقياس؟
فقلت له: قلنا ذلك من كتاب الله عز وجل.
قال: فأين تجد ذلك؟
قلت: قال الله عز وجل في كتابه العزيز:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم). فالصيد معلومة عينه، والجزاء الذي أمرنا أن نمثله بالصيد المعلومة عينه ليس بمنصوص فعلمنا بذلك أن الله تعالى إنما أمرنا أن نمثل ما لم ينص ذكر عينه: بالقياس والاجتهاد. ومنه قول الله عز وجل: يحكم به ذوا عدل منكم). فلم يكله إلى حاكم واحد حتى جعلهما اثنين: ليقيسا ويجتهدا.
فقال أبو عبد الله الشيعي: ومن ذوا عدل؟ . وأومأ أن (ذوا عدل) إنما هم قوم مخصوصون بنص الآية.
قال: فقلت: هم الذين قال الله عز وجل فيهم في آية المراجعة: (وأشهدوا ذوي عدل منكم). ومثل ذلك في تثبيت القياس قوله عز وجل: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). والاستنباط غير منصوص.
ثم عطف على موسى القطان فقال له: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله تعالى؟
فقال له موسى: قال النبي صلى الله عليه سلم: "من شربها فاضربوه بالأردية. ثم إن عاد فاضربوه بالأيدي، ثم إن عاد فاضربوه بالجريد".
فقال له أبو عبد الله على النكير منه: ايش هذا؟ أقول لك: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله تعالى، تقول: اضربوه بالأردية ثم بالأيدي ثم بالجريد؟
قال أبو عثمان: فقلت له: إنما حد قياساً على حد القاذف لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، فوجب عليه ما يؤول أمره إليه وهو حد القذف.
فقال لموسى القطان: أولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "أقضاكم علي"، فجعل موسى وهو ينص عليه الحديث "… وأعلمكم بحلال الله وحرامه معاذ، وأرأفكم أبو بكر، وأشدكم في دين الله عمر". رضي الله عنهم أجمعين.
فقال له الشيعي: وكيف يكون أشدهم في دين الله وقد هرب بالراية يوم حنين؟
فقال له موسى: ما سمعنا بهذا ولا نعرفه.
قال أبو عثمان: فقلت له: تحيز إلى فئة كما أنزل الله تعالى. قال الله عز وجل: (إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) ، فمن تحيز إلى فئة كما أمر الله عز وجل فليس بفار.
فمال الشيعي بوجهه إلى بعض أصحابه فقال: أتسمع ما قال الشيخ، قال: انحاز إلى فئة كما أمر الله سبحانه.
فقال مجيباً - وهو يشير بيده - وأي فئة أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان حاضراً ولم يتحيز إليه وكأنه تخافت في كلامه ويسمع من يليه.
فقلت: جاء عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "عمر فئة" فمن تحيز إلى عمر فقد تحيز إلى فئة.
فسكت، فحركه بعض أصحابه، وقال: ألا تسمع ما يقول الشيخ؟
فقال: صدق، أو نحو ذلك من القول سمعتها أنا منه ومن كان يليه.
ثم قال لأبي عثمان: هلا كان عندك من قول الله عز وجل حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله لأبي بكر (لا تحزن إن الله معنا) دلالة أن حزنه كان مسخوطا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عنه.
فقال أبو عثمان: لم يكن قوله له إلا تبشيراً بأنه آمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه معه مما كان يحذره من غلبة المشركين، وكان خوفه لما خاف من ذلك من أجل أنه لا يظهر على غيب ما تجري به مقادير الله عز وجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي بغيب ما يكون قبل أن يكون فكان في قوله: (لا تحزن إن الله معنا) ما يبين أن الله معهما، بنصرته إياهما وذلك لا يكون إلا بوحي من الله عز وجل وقد بين الله تعالى إطلاعه أنبياءه المرسلين على غيبه بقوله: (فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول). فقال له أبو عبد الله: وهل تجد لهذا نظيراً من التنزيل: (لا تفعل) يراد به التبشير ولا يراد به النهي عن أمر مسخوط؟
فقال له أبو عثمان: نعم. قال الله عز وجل لموسى وهارون عليهما السلام: (لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى) لما خافا من فرعون أن يفرط عليهما أو أن يطغى، ولم يكن خوفهما يسخط الله عز وجل عليهما من أجله. لأنهما لو أديل لفرعون عليهما لكان في ذلك طغياناً لفرعون وتضعضعاً للدين وهما رسولان داخلان في معنى قوله تعالى: (إلا من ارتضى من رسول)، فأطلعهما الله عز وجل على غيب ما خافا كما أطلع محمداً نبيه صلى الله عليه وسلم على غيب ما يؤول إليه الأمر الذي خافه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، فصار قول الله عز وجل في أبي بكر شرفا لم يبلغه أحد بعده، فإن الله تعالى أنزل فيه وفي الأمر الذي خافه من التبشير بالأمن منه ما أنزل على موسى وهارون عليهما السلام.
فقال له أبو عبد الله: أفلا أوجب قول الله تعالى عند من سمعه: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) انقلاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟
فقال له أبو عثمان: لا، لأن معنا أفإن مات أو قتل أفتنقلبون على أعقابكم لأن معنى (أفإن مات): استفهام ومعنى (انقلبتم): افتنقلبون. والاستفهامان إذا جاءا في قصة واحدة اجتزئ بأحدهما عن الآخر. وهذا الاستفهام إنما هو في معنى التقرير بأن لا تنقلبوا على أعقابكم.
فقال له: فهل تجد في كتاب الله عز وجل نظيراً يكون من هذا دليلاً؟
فقال له: نعم. قول الله عز وجل: (أفإن مت فهم الخالدون) أي إنك إن مت فهم لا يخلدون، فلما التقى استفهامان أجزأ ذكر أحدهما عن الآخر، فكان لفظ الاستفهام من ذلك مراد به التقرير: (بأنهم لا يخلدون).
فقال أبو عبد الله: يا أهل المدينة إنكم تبغضون علياً.
فقال أبو عثمان: على مبغض علي لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وكيف أبغض علياً وقد سمعت سحنون بن سعيد - وهو إمام أهل المدينة بالمغرب - يقول: علي بن أبي طالب إمامي في الدين أهتدي بهديه واستن بسنته وأقتفي أثره، رحمة الله عليه.
فقال أبو عبد الله: أراد أن يقول: صلى الله عليه، فرجع فقال: رحمة الله عليه.
فقال أبو عثمان - ورفع بها صوته - : نعم. صلى الله عليه وسلم، لأن الصلاة في كلام العرب: الرحمة والدعاء، قال الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحـــلاً … يارب، جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت، فاغتمضي … نوماً فإن لجنب المرء مضطجعــا
فالصلاة من الله رحمة ومن الآدميين دعاء، نعم فصلى الله على علي وفاطمة والحسن والحسين وعلى أهل طاعته أجمعين من أهل السماوات والأرضين.
فقال له أبو عبد الله: أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كنت مولاه فعلي مولاه" أفليس علي مولاك ؟
فقال أبو عثمان: هو مولاي بالمعنى الذي أنابه مولاه، ومعنى مولاي: على الولاية في الدين لا مولى عتاقة، وذلك أن المولى في كلام العرب: الولي وابن العم والمعتق والمنعم عليه. قال الله عز وجل في ابن العم - حكاية عن زكريا عليه السلام - : (وإني خفت الموالي من ورائي) يريد به العصبة. وقال في ولاية الدين: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم)، أي لا ولي لهم، وقال في المؤمنين: (بعضهم أولياء بعض) ، فعلي مولى المؤمنين بأنه وليهم، وهم مواليه بأنهم أولياؤه، فهو مولاي بالمعنى الذي أنا به مولاه.
فقال أبو عبد الله: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "علي مني بمنزلة هارون من موسى" ؟
فقال أبو عثمان: نعم إلا أنه قال: "إلا أنه لا نبي بعدي" وهارون كان حجة في حياة موسى، وعلي لم يكن حجة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهارون كان شريكاً لموسى، أفكان لعلي شرك مع النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة؟ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علي مني كهارون من موسى" على التقريب والوزارة والولاية.
قال أبو عبد الله: أليس هو أفضل؟
فقال له أبو عثمان: أليس الحق متفقاً عليه غير مختلف فيه؟
قال أبو عبد الله: نعم.
قال: فقلت له: قد ملكت مدائن كثيرة قبل مدينتنا هذه - وهي أعظم مدينة - واستفاض الخبر عنك أنك لم تكره أحداً خالفك في مذهبك على الدخول فيه فاسلك بنا مسلك غيرنا.
فألح بعض أصحابه في قصدنا.
فقال لهم: نقول كما قال شعيب عليه السلام: (وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين).
ثم نهضنا.
يتبع

CONVERSATION

0 comments: