تأجيل الانتخابات المحلية يصب في تعزيز الانقسام لا إنهاؤه/ راسم عبيدات


...أياً كانت الحجج والذرائع والمسوغات والتخريجات التي سيلجأ إليها مجلس الوزراء في تبرير تأجيله للانتخابات المحلية،فهو غير مبرر وغير مقنع وتعدي صارخ على الديمقراطية والدستور وإساءة استخدام السلطة لصالح طرف ضد صالح طرف آخر،كما أنه يشكل خرقاً فاضحاً لحق المواطنين في اختيار ممثليهم في الهيئات المحلية،وعملية التأجيل هذه عدا أنها مخالفة صريحة لرقم عشرة من المادة الخمسة لقانون الانتخابات المحلية لعام 2005،والذي بنص على أن من يطلب تأجيل الانتخابات المحلية لمجلس أو أكثر لمدة أربعة أسابيع اذا ما اقتضت الضرورة الفنية وسلامة الانتخابات ذلك،هو لجنة الانتخابات المركزية على ان يصدر القرار عن مجلس الوزراء،ولكن هذا القرار لم يجري التشاور فيه لا مع القوى السياسية ولا المستقلين ولا مؤسسات المجتمع المدني والعمل الأهلي ولم يتم عرضه على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وبالتالي القول بأن عملية التأجيل جاءت استجابة لمناشدات ورغبات أكثر من جهة وطرف عربي وإقليمي ودولي وتقدم الجهود على ملف المصالحة الوطنية وقرب رفع الحصار عن قطاع غزة،لا يوجد له أي سند في الواقع أو بشكل خدمة لهذا الواقع،فما علاقة شعبان برمضان كما يقول المثل العامي؟،فالحريص على الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام لا يقدم على إصدار القرارات و"الفرمانات" بتغير وإقالة أعضاء مجالس محلية وبلدية منتخبة بأخرى تتوافق ورؤيته السياسية سواء في الضفة أو القطاع،أما القول بوجود وفد سيتوجه الى قطاع غزة بشأن مسألة المصالحة وإنهاء الإنقسام،فهذا مجرد فقاقيع إعلامية وأعضاء اللجنة التنفيذية وغيرهم يعرفون حقيقة ذلك بأنه لا وجود لمثل هذا الوفد،والمسألة لا تتعدى رغبة رئيس وفد المستقلين السيد منيب المصري بأن يكون وفد مشكل من المستقلين والتنفيذية ومركزية فتح يذهب الى غزة من أجل قضية المصالحة ،وهذا الوفد المفترض بدون أجندة واضحة وتعهد من فتح وحماس بقبول النتائج ماذا سيحقق سوى التكريس وشرعنة الإنقسام؟،وقبل الشروع في تشكيل الوفد أو حتى الموافقة عليه،سمعنا ردود حماس وفتح على ذلك وتحميل كل طرف منهم الطرف الآخر المسؤولية عن عدم نجاح مهمة الوفد المفترض قبل بدئها،وحتى لو افترضنا جدلاً بأن الوفد توجه الى غزة،فهو لن يكون قادر على حل وإنهاء معضلة الانقسام،فطرفي الصراع(حماس وفتح) لكل منهما حساباته الخاصة وأولوياته وأجنداته،وكما قلت في مقالة سابقة بأن المصالحة لن تحقق على يد أي طرف فلسطيني شعبي أو حزبي،فهذه المصالحة لها استحقاقات سياسية ومالية غير قادر على تلبيتها أي طرف فلسطيني أو توفير الضمانات الخاصة بها،والمصالحة لن تباع إلا عربياً وإقليمياً ودولياً،ولن تخرج الى حيز التنفيذ إلا برفع الفيتو الأمريكي- الإسرائيلي عنها وموافقة سورية- إيرانية – تركية على ذلك،وسيتم تقديمها على المفاوضات في حالة واحدة فقط،هي إذا ما شعر وأقتنع الطرف الفلسطيني أنه لا جدوى من هذا النهج والخيار،وبنى إستراتيجية بديلة وشاملة لهذا النهج والخيار،لأن خيار المفاوضات يتعارض مع خيار المصالحة،لجهة إلزام الطرف الذي يقبل بالمصالحة بتجاوز الشروط والأسس التي قامت وتقوم عليها المفاوضات لصالح أسس وشروط جديدة أو أخرى تعيد الاعتبار للبرنامج الوطني والوحدة الوطنية وهو حتى اللحظة غير جاهز لذلك.

ومن هنا نرى أن ما أقدم عليه مجلس الوزراء من تأجيل لأجل غير مسمى لانتخابات المجالس المحلية،هو شبيه جداً فيما حصل في قضية العودة إلى المفاوضات غير المباشرة،عندما جرى الاتكاء على الموقف العربي على حساب تهميش مؤسسات منظمة التحرير والهيئة التي اتخذت القرار بعدم العودة إليها،وهذا معناه أن هذه القرارات الإرتجالية وغير المدروسة أو المتوافق عليها ستدخل الساحة الفلسطينية في المزيد من قضايا الاستقطاب السياسي والاحتراب العشائري والاجتماعي،وكذلك المزيد من التدمير والتفكيك للبنية المجتمعية،وانتشار عقلية البلطجة والزعرنة والاستئثار بالقرار والقانون وسيادة منطق المليشيات،وخصوصاً أن الأسباب الحقيقية للتأجيل أبعد ما يكون عنها المصلحة الوطنية والمصالحة،بل عقلية الاستئثار والاستفراد والإستحواذ والتفرد والفئوية المقيتة هي المحرك لذلك،وخصوصاً أن البعض أراد من العملية الانتخابية والديمقراطية كلمة حق يراد بها باطل،أي تحويل الاستحقاق الديمقراطي إلى عملية شكلية عبر الدعوة إلى اعتماد قائمة انتخابية واحدة موحدة،بذريعة صون الوحدة الوطنية،وكأن الوحدة الوطنية تلغي التعدد والاختلاف،ناهيك أن هناك حديث جدي عن عدم قدرة فتح على لملمة أوراقها والاتفاق على قوائمها الانتخابية أو حتى القدرة على إلزام مرشحيها بالتزام بقرار لجنتها المركزية بعدم ترشح أي فتحاوي خارج إطار القائمة المقرة فتحاوياً،وأيضاً رؤية البعض بأن النتائج لهذه الانتخابات لن تكون بمثابة البروفا التي ترسخه تنظيم قائد ومتحكم بمدخلات ومخرجات السياسية الفلسطينية.

كما أنه في سياق الإعداد للعملية الانتخابية وجدنا هناك الكثير من الضغوط والتدخلات مورست على العديد من المرشحين من أجل سحب ترشيحاتهم،وهذا مؤشر على درجة عالية من الخطورة،وكذلك البعض بضيق أفقه كان يعمل على تقوية التحالفات العشائرية أو يتكأ عليها على حساب الحزبي والوطني بما يقود نحو المزيد من التفكك والتحلل الاجتماعي وتقوية العشائرية والجهوية على حساب الوطني العام .

إن ما أقدم عليه مجلس الوزراء خطير جداً،فعدا عن أن إجراء الانتخابات هو استحقاق قانوني ودستوري ووطني لا يقبل التأجيل،وطالما تغنى المؤجلين بها،وتأجيله يدخل المجتمع الفلسطيني في حالة من الاستقطاب السياسي والانقسام الاجتماعي وبما يؤثر على شرعية وواقع المجالس المحلية ويهدد السلم الأهلي،فهو أيضاً يعزز حالة الانقسام القائمة ويكرسها،وتسمح لأي طرف في السلطة أن يأخذ القانون بيده ويستغل هذه السلطة لخدمة أهدافه ومصالحه على حساب المصالح العليا للوطن.

ونحن في قراءتنا السريعة لردود الفعل على قرار تأجيل الانتخابات المحلية،وجدنا أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكل القوى السياسية بما فيها تصريحات صادرة عن قياديين فتحاويين ترفض عملية التأجيل وتدينها،وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والعمل الأهلي،فمن هو المسؤول عن عملية التأجيل تلك.؟

أم أن وراء الأكمة ما ورائها وهل للسفارات الغربية في فلسطين والإدارة المدنية الإسرائيلية يد في عملية التأجيل تلك.؟

ولذلك نرى أنه على كل القوى الرافضة لهذا القرار أن تتحمل مسؤولياتها،وأرى ضرورة دعوة مختلف الفصائل والقوى السياسية ،والفعاليات والمؤسسات المجتمعية ،والقوائم الانتخابية على تعددها وتنوعها،إلى الدفاع عن العملية الانتخابية وأجرائها وفق الجدول المقرر والمعلن من لجنة الانتخابات المركزية،فلا يجوز لأحد قتل الحراك المجتمعي والسياسي الذي انخرطت فيه قوى شعبنا وفعالياته السياسية والمجتمعية،وكذلك فالعملية الديمقراطية هي ملك للمجتمع الفلسطيني بأسره بقواه وفعالياته ومختلف شرائحه،وهذا يتطلب من الجميع رفض مصادرة هذا الحق،أو إسقاط أبه مصالح خاصة على مصالح المجتمع العامة أو استبدالها وتغيبها.


CONVERSATION

0 comments: