لابديل عن الاسلام الوسطي المعتدل (1- 2)/ السيد محمد علي الحسيني

(بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء)، قالها الرسول الاکرم(ص)قبل أکثر من ألف واربعمائة عام، وهو قول شريف يجمع بين البلاغة والاعجاز، خصوصا وانه يحدد وبمنتهى الدقة والحذاقة عملية الربط بين ذلك الماضي السحيق المشرق لهذا الدين الحنيف، وبين الحاضر الغريب الذي يعيش في ظلاله الداکنة وماتمر به من أزمات وعواصف عاتية من أجل النيل منه وجعله محصورا ضمن بوتقة محددة.

غرابة الاسلام إنطلقت اساسا من ذلك المعول الفکري الناعم الذي حمله رسول الانسانية ومستقبلها وهد به صرح تلك ذلك البناء الفکري الاجتماعي المشوه في الجزيرة العربية وأسس لمدرسة فکرية إجتماعية متکاملة للبشرية جمعاء، وکانت غرابته أکثر واکبر عندما تمکن هذا الدين الحنيف من مقارعة أعتى الامبراطوريات وهزيمتها ومحوها من الوجود، وقد کانت أهم نقطة غريبة جدا فيه، هو انه کان يأسر العقل والقلب معا ويأخذ بالمؤمن به الى رياضه الفاضلة التي تديف الکنه الانساني بأفضل وأکثر القيم والافکار السماوية نبلا ورفعة.

لقد کانت الدعوة التي أطلقها الرسول الاکرم(ص) منذ أکثر من 14 قرنا ولازالت، من أقوى وأکبر الدعوات الفکرية والثقافية التي شغلت الوعي الانساني ودفعته للتأمل والتمعن في المعاني السامية النبيلة المعطاء التي دعت وتدعو إليه من دونما کلل او وهن، ولم تثر أية دعوة أخرى جدلا واسعا ومتباينا کما أثارته الدعوة الاسلامية رغم أن أعدادا کبيرة جدا من الاعداء والخصوم والحاقدين على الاسلام من اساسه، قد سعوا(ولايزالوا)مستميتين من أجل صرف الانظار عنها من خلال التشکيك او الطعن فيها بشتى الوسائل والاساليب، لکن وعلى الرغم من کل ذلك ومن کل تلك الحروب والحملات العسکرية المدججة، فإن نور الدعوة وعنفوانها الروحي الوضاء قد بقي کشعاع الشمس بازغ على العالم أجمع وظلت القلوب والافئدة من شتى أنحاء العالم تهفو إليه وتستفيء بظلاله الوارفة بل وان العديد من اولئك الذين کرسوا أنفسهم وحياتهم من أجل محاربة الدين الاسلامي وسعوا لتفنيد الاسس التي يقوم عليها الاسلام، وجد البعض منهم نفسه منقادة وخاضعة للمبادئ والافکار والقيم السمحة التي ينادي بها الدين الحنيف وفي نهاية المطاف لم يجد بدا من الاذعان و الرضوخ لقناعاته و إشهار إسلامه.

اليوم، ونحن نعيش عصرا غريبا من نوعه، يتميز بالسرعة وعدم الاستقرار، نرى وللأسف البالغ ان البعض من الحرکات والتنظيمات الاسلامية المتطرفة والمنغلقة على نفسها، تحاول بکل الوسائل والسبل تحريف الرأي العام الاسلامي عن الحقيقة والواقع السمح والمرن للإسلام وتريد من خلال أفکارها ومبادئها الضالة المنحرفة عن الخط الاصيل للدين، أن تجعل أفکارها ومبادئها المشبوهة هي الاساس في فهم الاسلام والتعاطي معه وقطعا فإنه ليس في الامکان تجاهل التأثيرات التخريبية والهدامة لهذه الافکار والمبادئ الضالة المضلة على الاجيال الجديدة خصوصا تلك التي لاتمتلك قدرا مميزا من الحصانة والوعي اللازمين لوقاية أنفسها من براثنها وعدم الانجرار خلف سراب متاهاتها وعلى الرغم من أنه قد کان هنالك جهدا مشکورا في سبيل الحد من تأثيرات هذه الجماعات الضالة، لکن هذه الجهود کانت ولازالت بحاجة ماسة للمزيد من التطوير والاضافة حتى يکون بإمکانها إستيعاب وتجاوز تلك الافکار الهدامة، والحق ان الطريق الامثل والافضل للتصدي لتلك الجماعات وأفکارها التخريبية يکمن في العودة الى روح الاسلام وجوهره الحقيقي وإثبات براءة الاسلام وعدم علاقته بکل الافکار المتسمة بالغلو ذلك أن الاسلام کان وسيبقى مميزا بإنه لايميل يمينا نحو التشدد ولايسارا نحو الارتخاء والليونة غير المعهودتين، وانما هو(أمر بين أمرين)، وکما قال نبي الرحمة(ص):(خير الامور اواسطها)، فإن الابحار في نور الآيات القرآنية الکريمة والاحاديث النبوية الشريفة، يبين لنا بجلاء ان الاسلام کان دوما يميل الى إبداء نوع مميز من المرونة والشفافية حيال اسلوب تعاطيه مع الانسان ويسعى لإستيعاب وتلبية مختلف حاجياته وتساؤلاته وفق قاعدة(لاإفراط ولاتفريط)، وقد وجدنا بأن البحث والاستقصاء العميقين في مختلف المباني الفقهية الاسلامية، يقود في النتيجة الى واحة الوسطية والاعتدال، وان الاصل هو ذلك وماخلا ذلك من سعي لثمة ربط متعمد وغير واقعي بين الاسلام والطرف او المغالات هو الاستثناء.

*المرجع السياسي للشيعة العرب.

CONVERSATION

0 comments: