زكـــاة و جــزيــة الأخــوان/ أنــطــونــي ولســن

فجرت ثورة 25 يناير 2011 الكثير من الأراء والأفكار حول حكم مصر . بمعنى ماهو نوع الحكم الذي يصلح أن تحكم به مصر ، هل هو حكم ليبرالي مبني على أسس وقواعد ليبرالية دعامتها القوانين المدنية الوضعية ؟؟!! أم حكم ديني دعامته الشريعة الأسلامية المصدر الأساسي للتشريع ؟؟!!
مما لا شك فيه عندما إستخدم شباب الثورة التقنية الحديثة " الفيس بوك " إستطاعوا تكوين جبهة شعبية عريضة من جميع شباب مصر المتطلع إلى يوم أفضل يكون الحكم فيه للشعب المصري الذي بدون شك عانى من حكم رجال مصريين أولوهم أمورهم ووثقوا بهم لكن مع الأسف سحر كرسي الحكم أنساهم واجبهم الذي أقسموا على القيام به لخدمة الشعب ونهضة مصر، لكنهم فعلوا العكس تماما كل بطريقته وبأسلوبه وأحلامه وطعم ومذاق الحكم وإن إختلف من واحد إلى الثاني لكن النهاية واحدة وهي عدم الأخلاص لمصر والشعب المصري . وأسوأ حكم كان حكم الرئيس السابق محمد حسني مبارك على الرغم من أني كنت من مؤيدي توريث الحكم لأبنه جمال ليس لأنه أفضل من غيره ، ولكن خوفا لما قد يحدث في مصر من إضطرابات تكون عواقبها غير حميدة لقوة اليد الحديدية التي كان يحكم بها النظام . بل أنني كتبت مرة بعد زواج السيد جمال مبارك من السيدة خديجة متسائلا هل ستكون هي ملكة مصر المقبلة حتى نستريح من صداع التوريث في الدولة الجمهورية ؟
لا أظن أنه كان يوجد في مصر من سمح له خياله أو عبقريته أو حتى حنكته السياسية أن يفكر أو يخطر بباله إمكانية ما حدث يوم 25 يناير هذا العام 2011 من شباب لم نكن في مصر أو خارج مصر نعلم بوجودهم أو أي شيء عنهم فلم يكن للشباب دور ما منذ إنقلاب العسكر عام 1952 حتى يوم الثورة الحقيقية ، لأنهم كانوا محبطين مهمشين ومكبوتين غير مسموح لهم بالتعبير أو إبداء الرأي أو المشاركة في خدمة الوطن التي إقتصرت على شباب أبناء الحاكمين والمقربين إلى الحاكم وزبانيته . وطبيعي من يؤمنون بتقبيل الأيادي كما شاهدنا تقبيل وزيرة سابقة ليد زوجة الرئيس السابق . وأعتقد أن نشر ذلك الفديو كان سببا مباشرا لعزل الوزيرة بعد أن تم تعينها في وزارة تيسير الأعمال . وهنا لي وقفة قصيرة عن الدور الكبير والعظيم الذي لعبته التقنية الحديثة والذي أتقن شباب اليوم إستعمالهاوإستخدامها في توحيد الفكر الليبرالي بينهم والخروج في يوم الثلاثاء 25 ينايرمعلنين غضبهم في يوم الغضب . وقد نجحوا فيما فشلت فيه الأحزاب الشكلية في مصر .
هذه التقنية جعلت العالم كله عبارة عن قرية صغيرة يعرف كل منهم الأخر حتى لو لم يلتقيا . تنتقل الأراء والأخبار بسرعة عجيبة وبكبسة زر نقرأ ونشاهد ونسمع ما لم يكن متوافرا للغير قبل ثورة المعلومات التي تحملها التقنية الحديثة عبر الأثير .ومصر الأن في مفترق الطرق عند إختيار أسلوب الحياة السياسية بها لتضارب الأراء وخروج كل من يريد الترويج لصناعته لعرضها أو فرضها على الناس والمجتمع في تيارات متعددة لا أظن أن شباب الثورة كانوا قد وضعوها ضمن حساباتهم . وهذا في حد ذاته قد يعرقل تحقيق الهدف الذي كانت تنشده الثورة ، خاصة أن التيار الديني بدأ يلقي بنفسه وسط ساحة شباب الثورة معتبرا ذاته بأنه جزء لا يتجزأ من حركتهم على الرغم من أن الحقيقة غير ذلك تماما . وهنا مكمن الخطر . لأن التيار الديني تتزعمه جماعة الأخوان المسلمين التي كانت " محظورة " وأنطلقت وبدأت تبحث عن طرق وأساليب جديدة لفرض نفسها على شكل أحزاب حتى لا تخيف المواطنين بأسم الدين كما فعلت وغيرت المظهر الخارجي للمواطن المصري والمواطنة المصرية في شكل لحية وذبيبة وسروال وجلباب قصير وغيره من المظاهرالأسلامية للرجال ، وطبيعي شمل التغير المرأة المسلمة في شكل حجاب أو نقاب والأحتفالات التي أخذت تظهر للفتيات الصغيرات عند تحجبهن أو تنقيبهن والشباب بالإنخراط في صفوف الأخوان و..و .. من المظاهر التي هدمت ما بناه قاسم أمين من تحرير المرأة وإعادتها إلى لا أقول إلى الدين أو أصول الدين ، لأن المسلمات اللآي كن غير محجبات لم يكن فاسقات ، بل كن فاضلات وأخرجن أجيالا نهضت بهم مصر على عكس ماهو حادث مع التغير الديني المظهري الذي كان للأخوان المسلمين يدا فيه مع الدعوة الوهابية وما كان ويزال يصرف عليها بسخاء من أجل التميز في الوطن بين مؤمن ومؤمنه وغير مؤمن أو مؤمنة بالمظهر الخارجي والذي شمل أيضا التكفير كعلامة ووصمة عار لكل من لا يقبل هذا المظهر الديني حتى لو كان مسلما أو مسلمة .
نجح الأخوان والتيار الوهابي في السيطرة الكاملة على الشارع المصري في طول البلاد وعرضها وأصبح المواطن المصري يجد غايته " رجلا أو إمرأة " في هذا المظهر الذي به يستطيع أن يفعل ما يشاء دون محاسبة أحد وإزداد ت نسبة البعد الحقيقي عن الله والممثل في العمل الصالح ورفعة البلاد وحب الوطن والأخلاق الحميدية ألى العكس تماما ، فإزداد الفساد وعم البلاد نوع من الفوضى واللامبالاة على جميع المستويات إن كانت حكومية أو غير حكومية . ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك . لأن الحكومة ألقت بتبعية الشعب إلى المؤسسات الدينية . والمؤسسات الدينية إهتمت بالمظهر الديني عن المعنى الحقيقي للتدين وإنهارت مصر تماما ولم يكن أمل في الأصلاح إلى يوم 25 يناير هذا العام 2011 الذي بزغ فيه شعاع الأمل .
لكن بدأ الخوف من التيار الديني الذي إستطاع أن يطفو على سطح الأحداث محاولا فرض نفسه فرضا على المجتمع المصري والذي أثبت بالفعل سيطرته عليه دون منازع . فهل مصر بحاجة إلى حكم ديني ؟؟!! هذا هو السؤال الذي سنحاول طرح ما آلت إليه الدول التي خضعت للحكم الديني في العالم القديم والحديث والمعاصر .
بدأ الأنسان البحث عن الوجود المتمثل في وجوده ووجود الكائنات الأخرى معه ووصل به الحال إلى الأقتناع بوجود من يخافه فيعبده . عبدوا الحية والقط والنار . كان الوسيط بينهم ومن يعبدون الساحر الذي تحول في الدولة إلى كاهن بعد أن أصبح الأله هو الملك الحاكم فعبدوه .
إستمر الحال على هذا المنوال إلى أن جاء في مصر ملك لم يكن مقتنعا بالأنسان الأله أو بالقمر والشمس كإلاهين إندمجا تحت إسم واحد " أمون رع " وهداه تفكيره إلى وجود إله حقيقي أقوى من الشمس وأكثر ضياء من القمرفبدأ يتعبد ويتقرب إليه وأنشد الأناشيد والمزامير لتمجيد هذا الإله الخالق للكون وللإنسان وجميع المخلوقات ، إسم ذلك الملك " أخيناتون " .
بدأت الأمبراطورية المصرية في التفكك وكادت أن تتلاشى لولا مخاوف قائد الجيش الذي تشاور مع طبيب الملك الخاص لأقناعه بالموت حتى تعود مصر إلى قوتها وهيبتها .
تقبل الملك ذلك الأمر بكل ترحاب من أجل مصر ، لكنه طلب من طبيبه أن لا يؤلمه السم الذي سيموت به .
كان ذلك في مصر أم الدنيا . وكان في الزمن القديم .
في الزمن القديم أيضا وفي اليهودية تولى شاول الملك كأول ملك لليهود وكان ملكه بطبيعة الحال ملكا دينيا . لكنه لم يقم بالعمل الذي يرضي الله . مسح الرب داوود وعينه ملكا بعد شاول وكان صبيا إستطاع أن يقتل " جوليات " الفلسطيني الجباروأصبح أول ملك يحكم حسب شريعة الرب حتى وفاته وإنتقال الملك إلى إبنه سليمان الذي لقب بالحكيم والذي بنى الهيكل لكنه خان الرب بوضع تماثيل لألهة أخرى في الهيكل مما أغضب الرب فأنقسمت المملكة بعد موت سليمان إلى قسمين تولى ولداه كل منهما مملكة عرفتا بأسم مملكة يهوذا والأخرى مملكة إسرائيل . وفشلت كل الممالك التي قامت على أساس الدين .
في بداية المسيحية لم تكن هنالك كنائس أو أماكن للعبادة ، بل كان الجميع إخوة يطبقون تعاليم المسيح الذي قال لهم إذا إجتمع إثنان أو ثلاثة بأسمي أكون في وسطهم . إنتشر الأيمان المسيحي وإزداد عدد المؤمنين وتعددت أماكن الصلاة وكان لزاما من وجود من يتولى شئونهم على شكل راهب أو قس . بل تتطور الأمر إلى تكوين إمبراطوريات يخضع ملوكها وأباطرتها إلى رجال الكهنوت وسيطرت الباباوات بأسم الدين . وفشلت الدولة الدينية أو التي أسلمت أمورها لرجال دين يتحكمون في العباد وبأسم الله والدين وعاشت أوروبا عصور تخلف إلى أن جاء عصر النهضة الذي تم فيه فصل الدين عن الدولة ، بعدها إزدهرت البلاد وتقدمت الحضارة ولم يفقد الدين أتباعه . بل تمسك المؤمنون بإيمانهم المسيحي وأصبحوا قدوة لغيرهم ووصلت للعالم كله المعني الحقيقي للتدين والأيمان وعبادة الله والتي صارت في خط متوازي مع الحياة المدنية التي يسودها العدل والمساواة بين جميع أبناء الوطن الواحد دون النظر إلى معتقداتهم أو لونهم أو جنسيتهم وتعمق معنى الحرية والديمقراطية والمواطنة ووصل العالم الغربي إلى ما وصل إليه من تقدم ورقي وحضارة وأصبح السائد بإخترعاته وإكتشافاته ووصل أيضا إلى أقصى ما يمكن أن يتخيله عقل الأنسان . فهل نتعظ ونقتنع بضرورة فصل الدين عن الدولة حتى نبني مصر الحضارة والرقي والتقدم وننتشلها من الوضع الراهن المزري ؟؟!!
لكن عندما نجد من يريد إعادتنا إلى الوراء وإذلالنا بأسم الدين مرتدين ثياب الحملان واعدين بتحقيق الأحلام الوردية في إعادة خلافة الدولة التي تجمع تحت سلطانها أكبر عدد من الدول وتكون على شكل ولايات خاضعة لخليفة واحد محاط برجال دين هم همزة الوصل بينه وبين الشعوب الخاضعة له يملى عليهم بما يريد فينقلونه إلى الناس في حلل دينيه فيها الترغيب والترهيب فينصاع الناس خوفا من عقاب الخليفة على الأرض ومن عذابات الأخرة إن كان في القبر أو مابعد الموت . أو إذا خضعوا وخنعوا ونفذوا ما أومروا به سيكون لهم حور عين وملذات لم يحلموا بها أو يتخيلوها .
وهذا ما أخشاه إذا تولى حكم مصر الأخوان المسلمون أو غيرهم ممن يريدون قيام الدولة الدينية . وقد أثار حفيظتى الفكر الذي أدلى به الدكتور محمد سيد حبيب نائب المرشد العام للأخوان في جريدة نهضة مصر عن المسيحيين والجزية التي يفكر الأخوان في فرضها على المسيحيين إذا وصلوا إلى الحكم إسوة بالزكاة التي يدفعها إخوتهم في الوطن من المسلمين بالأضافة إلى الضريبة التى يدفعها جميع المواطنين .
الدكتورة التي حاورته لم ترتاح لكلمة " جزية " .. وافقها أنها أصبحت غير صالحة ، لكنهم سيفكرون في تسمية أخرى .
إذا كان المقصود بالزكاة يدفعها رجال الأعمال والمقتدرين فإنها تصرف على الدولة في وقت لم يكن فيه نظام الضرائب معمول به والذي إستخدمت الخلافة أو الدولة الأسلامية بالجباية التي تدفع قهرا وقصرا من الشعوب القادر منهم وغير القادر ، والتاريخ خير متحدث لما حدث للشعوب التي خضعت للحكم الديني أما اليوم وفي ظل القوانين المدنية الوضعية فهناك الضرائب التصاعدية التي تؤخذ حسب ربح الفرد أو من أصحاب الأعمال ويصرف من هذه الضرائب كل ما يدفع بالوطن إلى التقدم والرقي في جميع مجالات الحياة .
أما عن الزكاة فأعتقد أن القادرين من رجال الأعمال هم الذين يدفعونها طوعا لا إجبارا مثلها مثل العشور في المسيحية والتي تدفع للكنيسة طوعا لا إجبارا للصرف على الكنيسة وإحتياجات الكنيسة .
فهل مصر في حاجة إلى زكاة وجزية الأخوان ؟ أم إلى دولة مدنية يتساوى فيها أبناء الوطن الواحد إن كان في الضريبة بحسب دخل كل فرد مع محاسبة رجال الأعمال الذين يتهربون من دفع الضريبة أو التلاعب فيها . فكيف نضمن دفعهم للزكاة أو الجزية " أو أي تسمية أخرى لها " ؟!

CONVERSATION

0 comments: